حان الأوان لإعادة النظر في قوانين الغش المدرسي
ذة. أسماء حميحم


تعرف مؤسساتنا التعليمية العديد من الاختلالات من أهمها : العنف المدرسي ، الغش في الامتحانات ، تعاطي المخدرات ، اللامبالاة واليأس .....ولا يمكن عزل هذه الظواهر السلبية عن التحولات القيمية التي يعرفها المجتمع المغربي، والتي تنعكس على المدرسة باعتبارها مجتمعا مصغرا .
تعتبر ظاهرة الغش في الامتحانات مرضا عضالا ينخر جسم المنظومة التعليمية التربوية . فإذا كان الغش قانونيا جريمة، والجريمة هي كل عمل أو امتناع يعاقب عليه القانون فإنه في الامتحانات ممارسة من أجل النجاح في المدارس أو الجامعات بالاعتماد على طرق مشبوهة وغير مشروعة . وللغش مظاهر متعددة منها : طلب التلميذ مساعدة زميله ، أو سعيه للحصول عن إجابة وأخذها شفويا أو نسخة من ورقته مباشرة أو فتحه للكتاب المقرر ونسخ الإجابة منه حرفيا أو استعمال أوراق صغيرة قام التلميذ بتصغيرها مسبقا بواسطة آلات النسخ أو كتابتها بخط صغير ويسمي التلاميذ هذه الأوراق المصغرة "بالْحْجَابَاتْ أو الْحْرُوزة".والغريب في الأمر أن هذه الظواهر أصبحت أمرا شبه روتيني خاصة قبيل بداية الامتحان بل الأغرب من ذلك أن بعض المحلات تكاد تتخصص في بيع هذه "الحجابات" مسهلة العملية على التلاميذ في غياب أية توعية أو محاربة من لدن الجهات المعنية . لكن المتتبعين لظاهرة الغش يدركون أن مثل هذه الوسائل أصبحت موضة قديمة فقد ظهرت أساليب جد متطورة تتماشى والتطور التكنولوجي الذي نعيشه كالساعات التي تحتوي على كميوتر صغير أو الهاتف النقال واستعمال البلوتوت والكاميرات الدقيقة ...ولعل العوامل التي ساهمت وتساهم في استفحال هذه الظاهرة داخل المؤسسات التعليمية متعددة من بينها: انخفاض مستوى التحصيل الدراسي للتلميذ والرغبة في النجاح بأية وسيلة والحصول على درجات مرتفعة وكذا طبيعة الامتحانات التي لازالت تقيس المستويات المعرفية البسيطة ولا ترقى إلى المستويات العليا للتفكير :كالتحليل والتفسير والتركيب ..مما جعل من الغش ظاهرة طبيعية في صفوف التلاميذ ، وحقا من حقوقهم و هذا ما ينتج عنه تعرض بعض الأساتذة المراقبين للتهديد أو الضرب معتبرين المراقبين ظالمين متعدين على حقوق التلاميذ خاصة أمام تحفيز بعض الأسر لأبنائها وتشجيعهم على الغش عملا بقولة ( الغاية تبرر الوسيلة ). فلا يهمها طرق وسبل حصول أبنائها على النقط والنتائج بقدر ما يهمها قيمة هذه النقط والنتائج .كما أن المجتمع المغربي في جوهره لا يرفض ممارسة الغش بعدما تعددت مظاهره وتغلغلت في مختلف المعاملات كالبيع والإدارة والانتخابات ....
وتتعدد القوانين التي تسعى إلى محاربة الغش في الامتحانات في المغرب ومنها :
1. الظهير الشريف رقم 1.58.060 بشأن زجر الخداع في الامتحانات والمباريات العمومية
2. المذكرة الوزارية رقم 116 بتاريخ 16 غشت 1989
3. المذكرة الوزارية رقم 3/99 بتاريخ 8 مارس 1999
4. إضافة إلى التوجيهات الخاصة بالسادة الأساتذة المكلفين بمراقبة التلاميذ أثناء إجراء الامتحانات
ويبقى الظهير الشريف رقم 1.58.060 بتاريخ: 25 يونيو 1958 أهم مرجع قانوني لمحاربة الغش . فهل تفعيل هذا الظهير الشريف بشأن زجر الخداع في الامتحانات والمباريات والمذكرات الوزارية والتوجيهات والتوصيات المرتبطة بمحاربة الغش في الامتحانات وسائل كافية للحد من هذه المعضلة الخطيرة ؟أم أن محاربة الغش تستدعي تجاوز المقاربة القانونية الزجرية إلى مقاربة شمولية؟
يعتبر ظهير 1958 بشأن زجر الخداع في الامتحانات والمباريات العمومية الأساس القانوني الذي تنبني عليه المذكرات والتوجيهات الخاصة بالغش في الامتحانات فالفصل الأول من الظهير يؤكد على أن من مارس الغش تتراوح عقوبته من شهرين إلى ثلاث سنوات حبسا وغرامة مالية من 120 درهما إلى 12.000 درهما أو بإحدى العقوبتين . إلا أن هذا القانون يبقى مجرد حبر على ورق مادام يعاني من عدم التطبيق و لم نسمع قط بحبس تلميذ أو تغريمه بعد ضبطه في حالة غش.
و تتخذ وزارة التربية الوطنية مجموعة من التدابير من خلال مذكرات رسمية وتوجيهات خاصة بفتح أظرفة المواضيع وإغلاقها وكذا إلزام الأساتذة المشرفين على مواد الامتحان والأساتذة المكلفين بالمراقبة داخل القاعات بمجموعة من التوجيهات و التقارير التي تسجل حول سير الامتحانات والهدف من ذلك هو تكريس قيم الإنصاف والاستحقاق وتكافؤ الفرص باعتبار أن البلد الذي يغش أبناؤه بلد محكوم عليه بالفشل لأن الغش يضرب في الصميم التنافس الشريف والروح العلمية لدى التلاميذ ويكون أجيالا غير قادرة على تحمل المسؤولية مستقبلا . لكن هل علينا فقط أن نحارب الغشاشين ونزجرهم أم يجب البحث في الأسباب الكامنة وراء أفعالهم ومحاولة معالجتها ؟
الغش سلوك غير سوي تتجاوز معالجته المقاربة القانونية إلى مقاربة شمولية تعتمد على تضافر مجهودات كل الأطراف المعنية بالأمر انطلاقا من تربية أجيالنا على مفهوم احترام حقوقهم وحقوق الغير وإعادة النظر في البرامج الدراسية وأساليب التقويم وذلك بتجديد التعليم وتطويره واختيار بيداغوجيا تساهم في تنمية المعرفة وتسليح التلميذ بالفكر الناقد القادر على ألإبداع والاجتهاد وتكييف مناهج التدريس مع الواقع المعيش ومتغيرات العصر والابتعاد عن الطرق التقليدية المرتبطة بالتلقين والحفظ وكثرة المعلومات والمقررات الطويلة وتجنب الامتحانات التي تركز على مستويات معرفية بسيطة .بالإضافة إلى ضرورة لعب وسائل الإعلام السمعية والبصرية والمكتوبة دورا في التوعية بخطورة الظاهرة عبر برامج تعليمية وتربوية موجهة إلى جميع الفعاليات التعليمية والتلاميذ وذلك للتحسيس بالتأثيرات السلبية لهذه الظاهرة على مستقبل البلاد .
إن تطبيق القانون هو إقرار لحقوق الآخرين وبالتالي يبقى تفعيل القوانين والمذكرات والتوجيهات الخاصة بزجر الغش هو ضمان للمشروعية وتكافؤ الفرص من هنا تأتي ضرورة تعديل النصوص القانونية لتساير التطور الذي يعرفه الميدان التعليمي وكذلك أساليب الغش المتطورة والمستفيدة من التطور التكنولوجي . وحتى تحديث القوانين يبقى غير كاف في ظل مجتمع تسرب الغش إلى كل مجالاته . فلماذا لم يتم تحيين ظهير 58 لحد الآن ؟؟ وتخصيص يوم وطني لمحاربة الغش يتم من خلاله التوعية والتحسيس بالانعكاسات السلبية لجميع أشكال الخداع والتدليس في كل الميادين : سياسية واقتصادية واجتماعية وتربوية ؟؟