رمضان والناس سلسلة مقالات يكتبها ذ. الكبير الداديسي
Eddadissi2002@gmail.com

كلما هل شهر رمضان يكثر القيل والقال حول فوائد الصوم ،ومقاصد الصوم . وتتعدد أوجه مقاربة تفاعل المسلم مع هذا الشهر الفضيل ؛ فنجد الطبيب يتحدث عن الأمراض والصوم ، والأنتروبولوجي يركز على العادات والتقاليد التي تصاحب هذا الشهر ، والرياضي يتناول قضية الرياضة والصوم ، ورجل الدين يعالج العبادة ، قراءة القرآن ..في شهر رمضان ....
ونحن في هذه السلسة من المقالات سنترك التخصص لأهله وسنركز على بعض القضايا الإيجابية والسلبية التي تعم المجتمع المغربي خلال شهر رمضان والتي لا تحتاج لأي تخصص لتدركها العين : فكما تعج المساجد بالمصلين والمقاهي بالزبناء.. ليلا. يعج المجتمع بمظاهر تحتاج للدراسة للمناقشة
الحلقة الخامسة: الزمن المهدور في رمضان
في كل سنة تطالعنا وزارة تحديث القطاعات العامة أو أية وزارة وصية على الإدارة ببلاغات تعلن قيها ((أن مواقيت العمل بالإدارات العمومية والجماعات المحلية ،ستتغير خلال شهر رمضان المبارك، وذلك باعتماد توقيت مسترسل للعمل من الساعة التاسعة صباحا إلى الساعة الثالثة بعد الزوال (.وهو بلاغ يحدد فترة العمل في رمضان في ست ساعات في اليوم بدل ثماني ساعات في الأشهر العادية أي 30 ساعة في الأسبوع بدل أربعين مما يعني ضياء مايزيد عن 40 ساعة في الشهر وقد تتضاعف هذه المدة إذا أضيف إليها الزمن المهدور الناتج عن تأخير الموظفين في لالتحاق بالعمل ناهيك عما يهرده الموظفون من وقت في التحيات والتهاني والدردشات حول الشهر ومستجداته ومسلسلاته... وزيارات مكاتب الزملاء ..، وقد يضيع بعض الوقت في الصلاة فمعظم الإدارات الحكومية والخاصة بها مساجد والمغاربة أكثر نزوعا للصلاة في شهر رمضان ينضاف إلى ذلك مغادرة الموظفين لعملهم وخروجهم قبل الوقت الرسمي فكثير ما تَسأل عن موظف فيقال لك سيعود بعد حين ، وحتى إن وجد في مكتبه يكون له جواب واحد : (عد غدا هذا مجرد رمضان ) بل من موظفي الدولة من حول مكتبه مكانا للقيلولة والنوم خاصة مع ارتفاع درجة الحرارة وطول السهر . مما يعني أن نصف الشهر أو أكثر قد تعطل بمعنى آخر أن نصف الموظفين تقريبا قد حصلوا على أجورهم دون أن يفعلوا شيئا ، فشكلوا نوعا من البطالة المقنعة ، ويقضون هذا الشهر كالموظفين الأشباح وكل ذلك ليس إلا دليلا على التسيب الإداري وصيام الدولة في هذا الشهر ...
دون نسيان أن عددا من الموظفين فظلوا الذهاب في عمرة خلال هذا الشهر فقد تجاوز عدد المغاربة المعتمرين هذه السنة 24 ألف معتمر سنة 2011 كلفت الخزينة أزيد من 500 مليون درهم من العملة الصعبة ( منهم من سيقضي في الديار المقدسة حوالي 50 يوما ) فيهم عدد من الموظفين والعمرة ليست فرضا على المسلم بل أكثر من ذلك من الموظفين من اعتمر أكثر من مرة
فهل يسمح الإيمان والإسلام والصيام بخسارة نصف شهر عمل لجميع موظفي الدولة ؟؟
وهل البرهنة عن الإيمان يجب أن تكون بالصيام أم بالعمل ؟؟؟
إن العمل عبادة ومن العار ان يسبب صيام رمضان تعطيل أعمال ومصالح الناس الدنيوية العامة، وأن يخفض نسبة الإنتاج الوطني،ولعل هذا ما استغلته بعض الجهات التي تدعو للإفطار في رمضان بحجة الحفاظ على مستوى الإنتاج أو بحجج أخرى
لا يتجادل اثنان حول الخلل الذي يقع في شهر رمضان بين الإنتاج والاستهلاك (ارتفاع الاستهلاك وانخفاض الإنتاج ). لكن السؤال هو : هل الصيام حقاً يتعارض مع رفع الإنتاج والنهوض الاقتصادي الوطني؟ وهل الصوم فعلا هو المسؤول عن الزمن المهدور ؟؟
الحق أن ضعف مستوى الإنتاج خلال شهر رمضان ليس مرد ه إلى الصيام، بل يعود - في الواقع - إلى العادات والممارسات الخاطئة التي يمارسها كثير من الناس خلال هذا الشهر الكريم، ً فليست المشكلة في الصيام، وإنما في سلوك بعض الصائمين،وأكثر من ذلك فالصوم ورمضان يمكن أن يرتفع فيهما الإنتاج وتزداد المردودية فالصوم مثلاً يلغي وجبة غذائية - على الأقل - تقع في وقت العمل، وهذا يوفر وقتاً يمكن الإفادة منه لصالح الإنتاج، فضلاً عما يوفره من حجم الاستهلاك مما يتوجب معه الرفع في الإنتاج .كما يساهم الصوم في التخلص من التدخين خلال رمضان ولا يخفى على أحد أن ممارسة التدخين أثناء العمل وفي غيره، فيه من ضياع الوقت ما فيه، فضلاً عما يسببه من ضعف جسدي ونفسي للمدخنين، أو ما يسببه من إتلاف صحي واقتصادي وبيئي، فالصوم في الواقع قد يقلل من كل هذه الأمور التي تعود بالنتائج السلبية على الفرد والمجتمع في آنٍ معاً. كما أن الصوم في مختلف الأحاديث النبوية والآيات القرآنية يتعارض مع الكسل والخمول بل المفروض - إذا تم على حقيقته – أن يدفع صاحبه إلى الإخلاص والإتقان في العمل، والتخلي عن تضيع الأوقات في الأمور غير النافعة ، كما أن هذا شهر الشهر الكريم، شهر التكافل والتضامن والتآزر المفروض فيه أن يُنمِّي الإحساس بالفقراء ومعاناتهم، ما يدفع الصائم الحق إلى التكافل معهم، والأخذ بيدهم للرفع من مستواهم الاقتصادي، وهذا بدوره يؤدي إلى قيام نوع من التوازن الاقتصادي والاجتماعي بين أفراد المجتمع ولعل الإخلاص في العمل من أحسن مظاهر التكافل الاجتماعي فأن يسهل الموظف المسلم مهام الآخرين ويساعدهم على قضاء حوائجهم سيثبت أجر صومه ويعظمه عند الله . وبذلك قد يكون الصوم حافزا على البذل والعطاء وطاردا للكسل والخمول
بقلم ذ .الكبير الداديسي Eddadissi2002@gmail.com