مسلسل عمر بن الخطاب يخيب آمال من كان ينتظره !!!
ذ. الكبير الداديسي
انتظرنا كما انتظر العرب والمسلمون عرض مسلسل عمر بن الخطاب بشوق لما تمثله مرحل الرسول والخلفاء الراشدين بعده في تاريخ العرب والإسلام ، ونظرا للحملة الدعائية التي سبقت العرض ، والحملة المضادة الداعية لمقاطعة المسلسل لما فيه من تشخيص للصحابة وزوجاتهم (ونحن لن نخوض في مناقشة رأي المؤيدين ورأي المعارضين لتشخيص الخلفاء الراشدين بقد ما سنحاول مناقشة المسلسل من الناحية الفنية تاركين الاختلافات الدينية والإيديولوجية جانبا ...
ورغم الملاحظات الكثيرة التي استنبطانها من الحلقة الأولى فقد انتظرنا الحلقة 15 لنشارك قراءنا وأصدقائنا بعض الملاحظات حول هذه الحلقات في انتظار قراءة عامة للمسلسل بعد شهر رمضان:
ابتدأت الحلقة الأولى بموسم حج سنة 23 هجرية حيث عمر بن الخطاب في آخر أيامه يدعو الله حسن الختام قبل أن يقوم في الحجاج خطيبا وبعد ذلك وبينما كان عمر بن الخطاب على ناقته مع بعض أصحابه مارا بالقرب من أحد الأودية يتذكر معاملة والده له لترتد الأحداث القهقرى ، ويعود بنا المسلسل لشباب عمر بن الخطاب في الجاهلية ، وتكون تلك هي البداية الحقيقة للمسلسل - وتبقى صورة عمر وهو يتذكر تتكرر عدة مرات في كل حلقة دونما مبرر لتكرارها ودون أن يفهم المتفرج سبب عرضها - وببداية الأحداث وعمر في كامل نضجه الجسدي يكون قد تم إغفال جانب هام في السيرة وهو طفولة البطل ومراهقته وهي أهم المراحل في السيرة لما لها من تأثير على الشخصية في المستقبل خاصة وعمر عانى في تلك المرحلة من قسوة والده الذي عهد به إلى رعاية الإبل في مجتمع قاس يحيط به الظلم والقسوة واللامساواة من كل حدب وصوب وهي وضعية جد مناسبة كان على حاتم علي مخرج المسلسل استغلالها للتبشير بالدين الجديد وتكون قيمة مضافة للمسلسل .........
أثار مسلسل عمر بن الخطاب - قبل وأثناء عرضه - نقاشا كبيرا وأسال مدادا كثيرا ، ولعل أهم محاور هذا النقاش تركزت حول تشخيص الصحابة والخلفاء الراشدين دون حجب أوجههم كما كان يتم في المسلسلات التي عرضت قبل هذا المسلسل وقد أسند دور عمر بن الخطاب للممثل سامر إسماعيل الذي ظهر في صورة خيب أفق انتظار المشاهدين وقد ترسخ في أذهان الشباب صورة غير حقيقة عن الفاروق وظهر مخالفا لما ذكرته المصادر رغم المجود الذي بذله المخرج وفريق عمله ، فمعظم كثب التاريخ تصور عمر بن الخطاب رجلا قويا ذا صوت جهوري حازم مهيب ..والمسلسل لحد الحلقة 15 غيب كل ذلك فلا أثر لتيمة القوة إذ ظهر عمر رجلا مسالما ذا صوت حنون يؤدي دوره ببرودة وملامح تابثة لا تتغير حتى في المواقف التي تتطلب حزما أو قوة في الرد على خصومه بل حتي ملامحه الخارجية تكاد تختلف عما أوردته المصادر فقد قال عبد الله بن عمر في أبيه : كان والدي أبيض تعلوه حمرة ، طويلا ،أصلع ، أشيب ..) والمسلسل وإن قدم عمر بن الخطاب طويلا وأبيض فإنه قدمه كث الشعر وعلى العموم فقد يكون أداء الممثل إسماعيل سامر و اختيار المخرج حاتم علي لتلك الشخصية بتلك الملامح أهم كبوات هذا المسلسل
ومن الناحية الفنية للمسلسل فهو لا يرقى إلى المسلسلات التاريخية سواء الإيرانية أو الغربية أو السورية التي تناولت شخصيات تاريخية أو دينية فعظم الحلقات مجرد مشاهد وحوارات مملة ولقطات لا رابط بينها وانتقال فجائي بين الأمكنة مع عياب حبكة درامية وأي تشويق في تطور الأحداث مما يعسر معه متابعة الأحداث مع كثرة الشخصيات وتشابه أدوارها وظهورها واختفائها دون سابق إشعار خاصة إذا علم المشاهد أن عدد أفراد طاقم المسلسل بلغ حوالي 30 ألف فردا بين الممثلين والتقنيين فيهم عدد كبير من النجوم والممثلين الكبار الذين أسند لهم دور صغير ، بل إن عمر بن الخطاب لحد الحلقة إليها يبدو شخصية ثانوية في تطور الأحداث وإن كان المسلسل يحكي سيرته ،
ومن مظاهر الإساءة للمرحلة ولشخصية عمر بن الخطاب جنيريك المسلسل فلا صورة ولا إشارة لعمر في جنيريك المقدمة الذي لم يكن سوى صور3D لبعض المدن القديمة خاصة مكة والإسكندرية أما جنيريك الخاتم فمجرد خطوط مظئية لا توحي بأية إ شارة أن المسلسل مسلسل تاريخي يصور حياة شخصية هامة في تاريخ الإسلام ..

ولعل أهم ما يثير في المسلسل هو فضاء التصوير والديكور الذي دارت فيه الأحداث ، حتى إن كان المسلسل قد صور في عدة دول فإن أغلب مشاهده صورت بالمغرب خاصة داخل استديو اطلس الذي وإن شكل فضاء مناسبا للمسلسل فإنه يعكس بصدق أين يعيش سكان القرى بنواحي مراكش وورززات وغيرهما من المدن التي تم التصوير فيها حيث لا زال يعيش عدد كبير من المغاربة في منازل مبنية بالطوب والحجارة ومسقفة بالخشب بطريقة قريبة لما كان يعيشه الإنسان القديم وهذا كفيل بتفسير تسابق الشركات العالمية لتصوير الأفلام التاريخية بالمغرب فالأكيد أن تشييد هكذا ديكور يتطلب من المنتجين أموالا طائلة وسيبدو مفبركا عكس طبيعة المغرب الطبيعية التي تعود بالمخرجين إلى ما قبل الهجرة بل إلى ما قبل التاريخ ،وهذا ما يفسر تصوير عشرات الأفلام العالمية التاريخية والدينية التي استفاد مخرجوها من صحارى المغرب وبناياته وسمائه وبحره التي لم تتغير منذ مئات السنين