ساندي يخلط أوراقا اقتصادية ،سياسية ،علمية ودينية

ذ. الكبير الداديسي
Eddadissi2002@gmail.com


تتعدد الكوارث الطبيعية وتتنوع بين الزلازل ، البراكين ، التسونامي ، والأعاصير والعواصف .... وهذه الأيام لا حديث في أمريكا أو غيرها من بقاع العالم إلا عن إعصار اختير له إسم ساندي ، وبقدر ما يبدو الإسم جميلا ، بقدر ما يحمل من دمار وتخوف رغم تصنيفه ضمن أعاصير الدرجة الأولى ، ومع ذلك فقد حوّل مناطق من السواحل الشمالية الشرقية الأمريكية بالماء والريح والنار إلى ما يشبه ساحات الحروب بدون كهرباء أو نقل ....وبما أن ساندي إعصار متميز في التاريخ والجغرافيا فقد تمكن من خلط أوراق السياسة ،بالاقتصاد، بالعلم والدين ....فقد تطايرت هذه الأوراق كما يتطاير كل ما يعترض طريق الإعصار...
- سياسيا :بعثر ساندي أوراق الحملات الانتخابية وربما بات مصير نتائج الانتخابات بيد ساندي وما خلفه من دمار وما فرضه من طرق وقاية وسبل التعامل والتخطيط لما بعد ساندي . فقد كان متوقعا أن يستفيد من ساندي كل من المتنافسين على كرسي رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية إذا أحسن توظيف نتائجه :فقد يستفيد المرشح الجمهوري بيت رومني من حيث غياب المصوتين على صناديق الاقتراع لتذويب الفارق بينه وبين منافسه الديمقراطي باراك أوباما ، كما قد يستفيد منه أوباما بظهوره مواطنا أمريكيا إلى جانب الشعب في محنته واستغلاله إعصار ساندي باعتباره كارثة وقطع حملته الانتخابية ، محاولا إبراز جدية إدارته في التعامل مع أزمة ساندي أحسن من تعامل الجمهوري بوش الإبن مع إعصار كاترينا ، وفعلا أظهر أوباما تعاملا إنسانيا فاقترب من الناس ، وشاركهم انشغالاتهم وقد أكسبه ذلك ثقة بعض الناخبين ربما قدم له ساندي أوراق دعم تكاد لا تختلف عن ذلك الدعم الذي قدمته أحداث 11شتنبر لجورج بوش الإبن ، رغم الاختلاف في الظروف والأسباب ،ذلك أن) المصائب تجمع المصابين (
- اقتصاديا: ساندي وضع بورصة أكبر اقتصاد عالمي في عين العاصفة مما قد يعصف بملايير الدولارات جراء إغلاق البورصة وإيقاف تعاملاتها ليومين الحدث الذي لم تشهده بورصة وول ستريت منذ 1888م، إضافة إلى سلطان ساندي وجبروته حتم توقيف عدة شرايين اقتصادية من وسائل النقل الجوية والبحرية والأرضية انطلاقا من مطار نيويورك الذي ألغى أزيد من 14 ألف رحلة جوية وانتهاء بمترو الأنفاق أكبر شبكة مترو أنفاق في البلاد؛ التي غمرتها المياه مما اعتبر الكارثة الأسوأ في تاريخ شبكة السكك الحديدية ، ينضاف إلى ذلك إغلاق المدارس وانقطاع التيار الكهربائي وجعل المفاعل النووي لنيوجرزي خارج الخدمة وما يترب عن ذلك من خسائر اقتصادية ومالية وهو ما صنف إعصار ساندي الأكثر كلفة في التاريخ :فإذا كان إعصار غلوريا قد كلف الاقتصاد الأمريكي ما يربو على 6 مليارات دولار وإذا كانت تكلفة إعصار إيرينا قد كلف السنة الماضية ما يقرب 4,3 مليار دولار فإن الخبراء يتحدثون عن حوالي 50 مليار دولار خسائر إجمالية لإعصار ساندي ...
- علميا :إعصار ساندي حير العلماء بخروجه عن مساره المداري العادي ليضرب السواحل الشمالية الشرقية للولايات المتحدة الأمريكية ذات المناخ القاري بدل السواحل الجنوبية الشرقية التي تتأثر عادة بالعواصف المدارية ، وهناك التقي بتيارات باردة قادمة من الشمال مما حوله من إعصار مداري إلى عاصفة شتوية ، كما أن هذا الإعصار أبان عن مدى دقة التوقعات ،فتحدث الجميع عن الخسائر والأرقام قبل وصول الإعصار لسواحل الولايات المتحدة الأمريكية، كما أبان عن قوة الاستعداد والتأهب ويجد ذلك تفسيره في كون الخسائر البشرية وخسائر البنى التحتية ظلت محدودة رغم قوة الإعصار، كما أن الحياة سرعان ما عادت لطبيعتها :فما أن هدأ الإعصار حتى فتحت برصة وول ستريت أبوابها ،وعادت قطارات الأنفاق لخدمتها ورجع الموظفون والعمال لعملهم .....
- دينيا:على الرغم من كون ساندي ظاهرة طبيعية قد تتعرض أية دولة لمثل رياحه وأمطاره فقد قرأه البعض قراءة دينية إذ تناولت العديد من المجموعات والأفراد على صفحاتها في المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي أخبارا مفادها أن إعصار ساندي ليس إلا انتقاما من الولايات المتحدة الأمريكية لوقوفها إلى جانب منتج الفيلم المسيء للرسول ،وحربها على الإسلام،مبررة ذلك بخروج الإعصار عن مجاله الجغرافي فالمعروف أن الأعاصير المدارية تتكون فوق المسطحات المائية التي تزيد حرارة مياهها عن 26 درجة وتكاد تنحصر بين خطي عرض ْ5 و ْ25 شمال وجنوب خط الاستواء وما خروجه عن ملعبه وصعوده نحو الميكابوليس والعاصمة الأمريكية إلا عقاب رباني في نظر من يروجون مثل هذه الأفكار ، وأكثر من ذلك تداولت تلك الصفحات بعض الصور التي تبين كيف رسم الإعصار اسم الجلالة ( الله) في عين الإعصار الذي ضرب نيويورك
الآن وقد خفت وثيرة وقوة ساندي ، وبدأت الولايات الشمالية الشرقية للولايات المتحدة الأمريكية في إحصاء خسائرها ، يمكن استنتاج أن الكوارث قضاء وقدر ، ولكن الاستعداد وتجنب أكبر الخسائر يتحمل البشر فيه البشر المسؤولية الكبرى، فماذا لو ضرب إعصار مثل ساندي بلدا مثل المغرب ، وهو البلد انهارت فيه قناطر وقطعت فيه طرق وتهاوت فيه أبنية ونازل في القرى والمدن لأمطار لا تتجاوز بضع مليمترات ورياح لا تتجاوز سرعتها العشرين كلومتر في الساعة ؟؟؟؟؟؟