نحوُ المحكيrécit: الديكاميرون
تزفيطانتودوروف
ترجمة: عبد المجيد صدار
تحت إشراف: ذ. مصطفى جباري
تقديم المترجم: لقد شكلت الدراسة التي أنجزهافلادميرپروپ في كتابه مورفولوجيا الحكاية العجيبة « Morphologie du conte merveilleux »،أول خطوة إجرائية نحو دراسة المحكي الخرافي الروسي بطريقة علمية، تقوم بدراسة النص في ذاته لذاته، من خلال بنيته الشكلية؛ فلهذا نجده ينقد نقدا لاذعا جميع الدراسات التي تسقط المعلومات الثقافية الخارج-نصية على النصوص الأدبية؛ قصد الكشف عن البنية التي تنتظم بموجبها الحكايات...ومن ثمة توالت الدراسات حول السرود الشفوية، واغتنت من التجربة الپروپية، ومن الأبحاث السيميائيةالگريماصية...وقد استفاد من هذه التجارب الرائدة، تزفيطانتودوروفTzvetan Todorov البنيوي. ودرس شعرية النثر، مستفيدا من تجربة الشكلانيين الروس، ولقحها بخبراته الطويلة في مجال السرديات، ليقدم في هذا المقال المعنون بنحو المحكي: الديكاميرون، والمقتطف من كتاب "شعرية النثر"، عصارة تجربته المنصبة حول النصوص السردية.
ويحاول في هذا المقال دراسة بعض القصص من الديكاميرونلبوكاتشو، دراسة ميكروسكوبية، تعنى بأجزاء الخطاب السردي وميكانيزمات اشتغاله، باعتماد آلية وصفية، حيث إن الحكي يسير بمنطق يحكمه؛ وله نحوٌ Grammaire ينسج جماليته الفنية من الخروقات في المبنى الحكائي الذي ينفر من الرتابة ومن الاستقرار...وقصد عدم الإطالة سنعرض عليكم النص مترجما.
النص المترجم:
إن الاستعمال الاستعاري métaphoriqueالتلقائي للمصطلحات من قبيل "اللغة"، "النحو"، "التركيب"، إلخ. ينسينا عادة أنه يمكن لهذه الكلمات أن تحمل معنى محددا، حتى عندما لا تحيل على لغة طبيعية. وإن افتراضنا إثارة قضية "نحو المحكي" la grammaire du récit » « la، تفرض علينا بدء تحديد المعنى الذي يمكن أن تتخذه هنا كلمة "نحو".
منذ بدايات التأمل والتفكير المنصب على اللغة، برزت فرضية، مفادها أنه فيما وراء الاختلافات البديهية بين اللغات، يمكن أن نكتشف بنية مشتركة structurecommune. وفي غضون أزيد من عشرين قرنا، تواصلت بنجاح لا يضاهى الأبحاث المتعلقة بهذا النحو الكلي grammaire universelle . وقبل الحقبة الراهنة، بلغت ذروتها بدون شك، بفضل المتخصصين اللسانيين في القرن 13و14؛ هكذا فأحد منهم، "روبركلوردبي"،Robert Kilwardby قد صاغ مبدأهم: " لا يمكن للنحو أن يؤسس لنفسه كعلم قائم بذاته، إلا إذا كان واحدا موحدا بالنسبة لجميع البشر. وإنه لمن قبيل المصادفة أن النحو يتلفظ بالقواعد الخاصة في لغة معينة، كاللاتينية أوالإغريقية؛ وكما أن الهندسة لا تهتم بالخطوط والمساحات الملموسة، فإن النحو يضطلعبتصحيح الخطابات باعتبار هذا الأخير تجريدا للغة واقعيةlangage réel(الاستخدام الراهن، ينعكس هنا على مصطلحات الخطاب واللغة).
إن موضوع النحو هو نفسه عند الإنسانية جمعاء."
وإذا سمح لنا ذلك بوجود نحو كلي، يجب علينا ألا نقصره في حدود لغات معينة. وسيكون، بشكل جلي، لهذا النحو مرجع سيكولوجي؛: يمكن أن نستشهد هناببوهاس Boas ، الذي اتخذت شهادته أهميتها من كون صاحبها قد ألهم بدقة اللسانيات اللا-كونية la linguistique anti-universaliste: "إن ظهور التصورات النحوية الأساسية في جميع اللغات يمكن اعتبارهاكحجة على وحدة السيرورات النفسية الأساسية" (Handbook,I,p.71). هذه الواقعية النفسية، من المحتمل أن توجد على نفس البنية متلافين في ذلك اللغة.
بفضل المقدمات المنطقية التي تسمح بالبحث في هذا النحو الكلي ذاته، سندرس الأنشطة الرمزية للإنسان، بغض النظر عن اللغة الطبيعية. مثل هذا النحو يبقى دائما افتراضيا. ومن الواضح أن نتائج الدراسة لهذا النشاط، ستكون أقل ملائمة للمعرفة في الأبحاث حول الفرنسية، على سبيل المثال لا الحصر. وتوجد اكتشافات قليلة، تدفع بعجلة""نحو"grammaire الأنشطة الرمزية. ومن الأمثلة النادرة جدا، التي يمكن أن نستشهد بها، فرويدFreud ودراسته للغة الحلم langage onirique . ومن جهة أخرى، لا يحصد اللسانيون شيئا عندما يقطعون الصلة بطبيعة النحو الكلي.
تساعدنا نظرية المحكيrécit أيضا في معرفة ذلك النحو، في نطاق أن المحكي هو من ذلك النشاط الرمزي.فهو يعقد هنا علاقة ذات معنيين اثنين: يمكن أن نقتبس المقولات الغنية بالآليات المفاهيمية للدراسات حول اللغة. وفي الآن نفسه، علينا أن نحترس من الانقياد المقتفي لتيار النظريات حول اللغة: فيمكن للدراسة السردية أن تعمل على تصحيح صورة اللغة، فهذا بالضبط ما نجده في الأنحاء.
أريد أن أدرج هنا بعض الأمثلة عن المشاكل التي تطرح في دراسة وصف المحكيات récits، لا سيما وأن هذا العمل قد حدد ونُظر له من منظور مماثل
1- نأخذ أولا مشكل أجزاء الخطاب Parties du discours . جميع النظريات السيميائية لأجزاء الخطاب، يجب أن تحدد الفرق بين الاسم ومعناه.Description et dénomination وتضطلع اللغة جيدا بهاتين الوظيفتين. وهذا التداخل في المعجم ينسينا هذا الاختلاف. عندما أنطق ب"طفل"،فهذه الكلمة تستخدم لوصف موضوع، وتحصي المميزات (السن، القامة، إلخ)؛ وفي الآن نفسه، تسمح بتحديده في الوحدة الزمكانيةspatio-temporelle، عند تقديم الاسم (خاصة، هنا، معرفا بواسطة أداة تعريف). هاتين الوظيفتين موزعتان بشكل غير منتظم في اللغة: الأسماء الخاصة، (أسماء الأعلام، أسماء الإشارة، إلخ.)، يعنى المقال بدراستها في أولياتها؛ قبل جميع التسميات، لأن الاسم العام، الفعل، النعت والمصدر، هي بالتحديد أوصاف.لكن، لا يعني ذلك أنها مسيطرة. لهذا السبب، من المجدي جدا أن ندرك الأوصاف والتسميات على أنها في تغير مستمر. والشيء نفسه يقال عن الاسم الخاص والاسم العام؛ أجزاء الخطاب تلك، ليست محددة الشكل لأنها شبه طارئة. هكذا نشرح كيف أن الأسماء العامة، يمكن بسهولة أن تصبح خاصة ( فندق "المستقبل") وفي المقابل وظيفته هي الراحة باستعمال كلمة (" دجازي")un jazy « : كل شكل من هذين الشكلين يستعمل في سياقين اثنين؛ لكن بدرجات متفاوتة.
لأجل دراسة بنية الحبكة في المحكي، يجب علينا أولا تقديم تلك الحبكة على شكل ملخص، حيث أن كل حدث متميز في الحكاية متوافق مع قضية ما.وسيظهر التعارض الحاصل بين التسمية والوصف بطريقة أكثر وضوحا، عندما نعرض القضايا في شكل مناسب.العوامل les agents"الذات والموضوع" "sujets et objets" القضويةpropositionsdesتعرف دوما بأسمائها الأصلية المثالية (يجدر استحضار أن المعنى الأول ل"للاسم الخاص" ليس "الاسم الذي يرتبط بأي شخص" لكنه "الاسم ذا المعنى الخاص"،" "اسم بامتياز"). فالعامل القضويl’agent d’une proposition هو اسم عام موصوف" )بالاسمية(، يجب أن نخضع التحليل الذي سيميز، داخل الكلمة الواحدة بعض حيثيات الاسم والصفة. كما يفعل غالبا بوكاتشو Boccace، "ملك فرنسا" أو "الأرمل" أو "الأجير". إنها تحدد شخصا وحيدا، وتصف بعض الجوانب من صفاته. ويوازي كل تعبير جملة تامة وكاملة: تحدد الأوصاف بعض سمات المسند إليه في الجملة. أما الأسماء فتشكل الذوات. "ملك فرنسا يذهب في رحلة"، يتضمن هذا الفعل قضيتين: "ْأ هو ملك فرنسا" و"أ يذهب في رحلة"، حيث إن أ يلعب دور اسم علم " الاسم الخاص" أو الأصلي، حتى وإن غاب هذا الاسم عن الحضور في القصة. لذلك فالعامل في القصة يخلوا خلوا تاما من أية قيمة.ومن الأولى سيكون كشكل فارغ يأتي للامتلاء بعدد متنوع من المسندات.ليس هناك أي معنى لأي اسم مثل "هذا"في "هذا الذي يركض"، أو " هذا المتسم ببسالته وشجاعته". العامل النحوي فارغ دوما من أي قيم داخلية.
سنحترس إذن من الاكتفاء فقط بالوصف الداخلي للمسند. وذلك من أجل التمييز في هاته اللحظة بين مستويات متعددة من المسندات، ومن واجبنا أن نتفحص بشكل دقيق بناء المحكيات. فالحبك الجزئية L’intrigue minimaleتحقق توازنا في الفقرات بين بعضها البعض.
ويبدأ المحكي المثالي Un récit idéal بوضعية ثابتة ومستقرة، وتأتي قوة ما تخلخل هذا الثبات والاستقرار. ينجم عنه حالة من اللاتوازن؛ عبر حدث شديد القوة ينحوا في الاتجاه المعاكس، إلى أن يتحقق التوازن؛ وهذا الاستقرار بالذات يكون مشابها للأول، لكنهما ليسا متماثلين، ولا يحملان نفس الجينات والخصائص.
ومن النتيجة السالفة الذكر، نستنتج بأن هناك نمطين من المشاهد في المحكي récit : بعضها يصف حالة (التوازن أو اللاتوازن)، والبعض الآخر يصف الفقرات التي تتلاحق فيها الحالات. وبالنظر إلى أن النمط الأول ثابت statique ، يمكن القول عنه، أنه قابل لتكرار نفسه: أي أن نفس جنس الحدث، يمكن أن يكرر بشكل لامتناهي. و في مقابل ذلك، فالنمط الثاني ديناميكي dynamique، ولا يمكن أن ينتج، أساسا، سوى مرة واحدة.
وهذا التحديد لنمطين من المشاهد (يشكلان إذن عددا من الجمل) يسمح لنا بالتفريق بين طرفين من الخطاب، النعت والفعلl’adjectif et le verbe. كما أشرنا إلى ذلك غالبا، فالتعارض الحاصل بين الفعل والنعت "النعوت" السردية هي مسندات prédicats تصف حالات التوازن أو اللاتوازن. أما الأفعال فتصف فقرات النص الحكائي.
يمكن أن ندرج كل هذه المعطيات في لائحة أجزاء الخطاب التي لا تتضمن الأسماء. لكن يمكن للأسماء دائما أن تختزل في طياتها عددا من النعوت، أو تتفرد بنعت واحد. كما لاحظ ذلك عدد من اللسانيين. وقد جاء أيضا في كتابات هنري بولH.Paul أن :" النعتيشير إلى ملكية أو قيمة بسيطة، أو تمثل على أنها بسيطة؛ أما الاسم فيتضمن مركبامن القيم Sprinzipien der Sprachgeschichte, §251)). ومن ناحية الأسماء في الديكاميرون فإنها تختزل على نحو شبه دائم نعتا واحدا: هكذا "رجل نبيل" ( ي:2، ق6؛ ي2،ق8؛ ي3،ق9) ، "ملك" (ي10،ق6؛ي10،ق7) "ملاك"(ي3،ق2) تعكس كلها قيمة واحدة هي "شرف النسب". ما يمكن ملاحظته هنا أن الكلمات الفرنسية المستعملة سالفا، تشير إلى عدد من القيم أو تنطوي على حدث لا يكون ملائما قط لتحديد أجزاء الخطاب السردي.هذه القيمة يمكن أن يشار إليها كذلك بواسطة النعت وحتى بالاسم أو أيضا بعبارة تامة. ويتعلق الأمر هنا بالنعوت والأفعال في نحو الحكايةوليس فحسب في الفرنسية.
ونأخذ مثالا يسمح لنا بتوضيح "أجزاء الخطاب"Parties du discours" " السردي. استقبلت بيرونيللاPeronnelleعشيقها في غياب زوجها، البناء الفقير.ولكن في أحد الأيام رجع الزوج على غير عادتهوهو في حالة نشوة عارمة. وعلى حين غرة من فتحه للباب، خبأت بيرونيللا عشيقها في الدًّنّ. وأردفت قائلة بأن أحدا عازم على شراء الدن، وهو الآن يرى مدى متانته.وابتهج الزوج لهذه الصفقة،فتوجهليزيل النجاسة عن الدن بغية تنظيفه؛ وفي غضونهنيهة من الزمن. انقض العشيق على بيرونيللا -والتي كانت تغطي فوهة الدن برأسها ومرفقيها- متفننا في ممارسة العشق معها (ي7،ق2).
بيرونيللا، العشيق والزوج هم عوامل فاعلة في الحكاية. وبدورهم أعلام سردية les noms propres narratifs،بالرغم من أن الشخصين الأخيرين متجردان من الاسمية؛ يمكن أن نرمز لهم ب أ،بوج.وتوحي الألفاظ: العشيق والزوج إلى أكثر من حالة ثابتة (إنها العلاقة الشرعية مع بيرونيللا التي هي الآن هكذا بسببها)؛ يشتغلون إذن كنعوت. وهذه النعوت تصف التوازن البدئيl’équilibre initial:بيرونيللا هي زوجة البناء، وليست لديها الصلاحية أن تعقد علاقة حب مع أشخاص آخرين.
وبعد ذلك، يتم الخرق transgression لهذا القانون: تستقبلبيرونيللا عشيقها. ولّد هذا بحق "فعلا" "verbe" يمكن أن نرمز له ب: المخالفةenfreindre ، الخرق transgrsser(للقانون)؛ يجلب حالة اللاتوازن وذلك لأن القانون العائلي لم يتم احترامه قطعا.
انطلاقا من اللحظة ذاتها، توجد إمكانيتين لإعادة التوازن. الإمكانية الأولى ستتم معاقبة الزوجة الخائنة؛ لكن سيستخدم هذا الحدث ليرجع التوازن البدئي. والحال أن القصة (أو على الأقل جميع قصص بوكاتشو) لا تصف قطعا نفس النسق البدئي المكرر. فعل "العقاب" هو إذن حاضر في داخل القصة( إنه الخطر الذي يحدقببرونيللا) لكنه لم يتحقق بعد، ظل في حالة افتراضية. الإمكانية الثانية تكمن في البحث عن وسيلة لتجنب العقاب؛ هذا ما ستفعلتهبيرونيللا؛ وقد تم لها ذلك، بجعل وضعية اللاتوازن(خرق القانون) تتنكر بزي الوضعية المتوازنة (شراء الدن لم يعتد قط على القانون العائلي). هناك إذن "فعل" ثالث، "التمويه" "travestir". النتيجة النهائية هي تشكل حالة جديدة، هي بالطبع نعت: تشييد قاعدة جديدة، بالرغم من أنها لا تنكشف بشكل صريح، واستنادا إليها فللمرأة كامل الصلاحية في تحقيق تلك الرغبة.
استطعنا،بفضل تحليل الحكاية، أن نعزل الوحدات المؤسسةdes unités formelles التي تعقد تماثلا مثيرا مع أجزاء الخطاب: اسم علم، فعل، نعت أو صفة.وعندما لا نقيم وزنا هنا للمواد اللفظية التي تثمن الوحدات، يصبح من المحتمل بناء تصور واضح عندما نحاول القيام بدراسة اللغة.
2- نميز عادة في النحو، بين المقولات الأوليةles catégories primaires التي تسمح بتحديد أجزاء الخطاب، والمقولات الفرعية des catégories secondaires التي تشكل قيماPropriétés لهذه الأجزاء: كذلك الصوت، المنظور، الصيغة، الزمن، إلخ. ونأخذ الآن مثالا من الأمثلة السالفة الذكر، الصيغة le mode ، من أجل ملامسة التحولات الحاصلة في نحو المحكي.
تًظهر صيغة الجملة السردية العلاقات التي تربطها بالشخصية المتعلق بها؛ أي أن الشخصية تلعب دور الذات المتلفظة Du sujet de l’énonciation . وسنميز أولا بين صنفين: الصيغة الخبرية l’indicatifمن جهة، وباقي الصيغ الأخرى من جهة ثانية. وتطرح هاتان المجموعتانإما على نحو واقعي أو غير واقعي. وتدرك الصيغ الخبرية المتلفظ بها، على أنها تتابع للأحداث محددة في المكان؛ إذا كانت الصيغ مختلفة، فإن هذا يعني أن الحدث غير تام، لكن توجد إمكانيات افتراضية (نقدم كنموذج، العقاب المفترض لبرونيللا).
لقد فسر النحو القديم سبب توارد عدد من الصيغ الجُملية، بكون اللغة لا تستعمل فحسب في الوصف، ولا حتى في الإحالة على الواقع، ولكنها تستخدم أيضا للتعبير عن إرادتنا.هناك أيضا علاقة ضيقة ومحدودة، في عدد من اللغات، بين الصيغ والمستقبل الذي لا يدل عادة إلا على النوايا والمقاصد.ولن نقف أبدا عند هذا الحد: نريد أن نقيم أول ثنائية بين الصيغ الخاصة في الديكاميرون، لنحصل على أربعة، وسنرى مدى اتصالها بالإرادة أم انفصالها عنها. وتمنح لنا هذه الثنائية مجموعتين: صيغ الإرادةmodes de la volonté والصيغ المفترضةles modes de l’hypothèses .
تنقسم صيغ الإرادة إلى نوعين: إلزاميةl’obligatif واختياريةl’optatif. الإلزامية هي صيغة جُمليةle mode d’une proposition التي يستلزم حصولها؛ هي إرادة مشفرة، اللافردية، تؤسس القانون في مجتمع ما. ومن هذا المنطلق، فالإلزام هو وضع خاص: وتكون القوانين دوما مضمرة، غير مسماة (وليس ضروريا) وتندس في ثنايا النص، حتى أن القارئ قد لا ينتبه لها. في الديكاميرون، من الواجب أن يكون العقاب على شكل صيغة إلزاميةmode obligatif: هو نتيجة مباشرة لقوانين المجتمع؛ هو حاضر حتى وإن انعدمت المناسبة.
توافق الصيغ الاختياريةl’obligatif الأحداث المرغوب فيها من لدن الشخصية. ومن المحقق أنه يمكن لجميع الجمل أن تتقدم بنفس الصيغ الاختيارية، في نطاق أن كل حدث في الديكاميرون– حتى وإن بدرجات مختلفة- تولد عنه رغبة، وكل منا يرى لهذه الرغبة أن تتحقق.العُدولle renoncement هو حالة خاصة للاختيار: هو اختيار يتم الاقتناع به في الأول، وبعد ذلك يتم التخلي عنه. يتخلىجيانيGianni أيضا في أول رغبة له في تحويل امرأته إلى فرس عندما يعلم بتفاصيل التحول(ي9، ق10). على نفس الشاكلة، تخلى أنسلدو عن رغبته في التمكن من ديانورا، عندما تيقن بأنها كانت تعيش في أريحية مع زوجها.(ي10،ق5) . وتشتمل القصة أيضا على صيغة التمني optatif من الدرجة الثانية: في (ي3، ق9) لا تطمح جيليت Giletteفحسب في النوم مع زوجها، و لكن ترغب في أن يحبها زوجها حبا خالصا، وبالتالي يصبح هو الموضوع في جملة التمنيle sujet d’une proposition optative: لأنها تود لو يبادلها الآخر نفس الحب.
هناك نوعان من الصيغ، شرطي وتوقعيconditionnel et prédictif،لا يقدَمون فقط؛ بحسب مميزاتهمالدلالية ( الظٌنية) لكن بوصفهم بنية تركيبية نحوية خاصة؛ ويعقدون الاتصال مع متتالية من جملتين، وليس مع جملةواحدة منفردة. وبدقة أكثر، يُعنون بالعلاقة بين جملتين التي هي دائما استتباعية. لكن، واستنادا إلى ذلك، فيمكن للذات المتلفظةle sujet de l’énonciation أن تتعهد بعلاقات مختلفة.
يمكن تحديد المشروط Le conditionnelعلى شكل صيغة تعقد علاقة استتباعية لجملتين إسناديتين، على أساس أنفاعل الجملة الثانية هو الذي يطرح الشرط إما وحيدا وهو نفس الشخص (يمكن أن نشير إلى الشرطي في بعض الأحيان باسم الاختباري).هكذا في (ي9،ق10) تطرح فرانشسكاFrancescaشرطا من أجل منح حبها لرينوشيوRinuccio وأليساندروAlixandre، وذلك عندما ينفذ كل منهما عملا باهرا: تلك هي الحجة لإثبات شجاعتهما، وذلك بغية الموافقة على طلبهما. وعلى نفس الشاكلة)ي10،ق5): طلبت ديانوراDianoraمن أنسالدوAnsaldo"أن يصنع لها في شهر كانون الثاني القادم، حديقة مزهرة كما لو أنها في شهر أيار"؛ وفي حالة نجاحه في المهمة، فإنه سيتمكن منها. هذه القصة تأخذ نفس صورة الموضوع الرئيسي: يطلب بيروسPyrrhusمن ليدياLidie، كعربون على حبها له، أن تنجز ثلاث مهام: القتل، أمام عيني زوجها، أفضل صقر يملكه؛ وأن تنزع خصلة من شعر لحية زوجها؛ وتقتلع أخيرا ضرسا من أضراسه السليمة.وفي حالة إقدام ليديا على إنجاز جميع المهام، سيوافق على مضاجعتها (ي7،ق9).
التوقعيLe prédictif، في النهاية، على نفس شاكلة الشرطيLe conditionnel، لكن الفاعل المسند إليه ليس من اللازم أن يكون هو فاعل الجملة الثانية (النتيجة)؛ عبر هذا، يقترب من صيغة "تحويل العلاقة"Transrelatif" التي اقترحها وورف Whorf. ليس هناك أي قيد يضغط على فاعلsujet الجملة الأولى. وهكذا يمكن أن يكون هونفسه الذات المتلفظةle sujet de l’énonciation . (في ي:1،ق3) إذا أقلقت بال ميلكياديسMelchisédech، يقول صلاح الدين، فإنه سيمنحني المال؛(في ي:10،ق 10) إذا كنت فظا مع جريسلداGriselda، يقول غالتيريGautier ستحاول أن تقلقني. الجملتان لهما نفس الفاعل) ي4، ق8:عندما يبتعد جيرونيموGirolamo عن المدينة، تظن أمه، أنه لن يحب بعدسيلفستراSalvestra؛ ي7،ق7: إذا كان الزوج غيورا، تفترض بياتريسBéatrice، فإنه سينهض وسيخرج). فهذه التكهنات والتوقعات يمكن أن نعد لهامسبقا.وهكذا في القصة الأخيرة من أجل النوم مع لودفيكLudovic، قالت بياتريس لزوجها بأن لودفيك قام بجولة؛ بالطريقة نفسها، في )ي3،ق3،(من أجل افتعال رابطة المحبة مع الفارس الشهم، اشتكت المرأة لصديقه، بأنه لا يكف من التجوال بجوار بيتها. التكهنات في هاتين القصتين (التي تعكس إحداها فقط الأخرى)، ليست ناتجة بالطبع عن الذات: الكلمات تخلق هنا الأشياء عوض أن تعكسها.
نعني أن التوقعاتPrédictifهي تمظهر بسيط لمنطق المحتملla logique du vraisemblable. ونعرض كل حدث في تسلسله مع الحدث الذي يليه، لأن تلك السببية توافق الاحتمال المشترك. علينا أن نحترس مع ذلك، من الخلط بين محتمل الشخصيات ووالقواعد"القوانين" التي يستند إليها القارئ بغية التحقق من مدى احتمالية ورودها: ومما يولد اللبس؛ هو البحث عن إمكانية ورود كل حدث خاص؛ ذلك أن محتمل الشخصيات هو واقعية شكلية تماما،توقعيةle prédictif
إذا أردنا أن نبحث عن أحسن تمفصل للعلاقات التي تمثل الصيغ الأربع،فإننا سنصطدم بالثنائيات الضدية "حضور/غياب الإرادة" « présence/absence de volonté » ، الثنائية الثانية التي ستعرض الاختياري والشرطيl’optatif et le conditionnel، إلى جانب الإلزامي والتكهني "التوقعي" «l’obligatif et au prédictif ». يمكن أن يحدد النموذجان الأولان عبر هوية الذات المتلفظة مع الذات اللافظةsujet de l’énonciation avec le sujet de l’énoncé: تسمح بأن نطرح على أنفسنا عدد من الأسئلة. ومن ناحية النموذجين الأخيرين، على خلاف ذلك، يعكسان أحداثا مستقلة عن الذات اللافظة: إنها القوانين المجتمعية واللافردية.
عندما نحاول تجاوز مستوى الجملة، تظهر عدد من المشاكل المعقدة. في الواقع، إلى حد الآن، نريد أن نقارن بين النتائج المحصل عليها من التحليل، ونتائج الدراسات حول اللغة. لكن لا توجد نظرية لسانية للخطاب؛ إننا سنسعى حتما إلى عدم الانقياد لها. هذه بعض النتائج العامة التي يمكن أن نستخلصها من تحليل الديكاميرون من ناحية بنية الخطاب السردي.
العلاقةالتي يمكن أن نقيمها بين الجمل، يمكن أن تكون على ثلاثة أنواع. العلاقة البسيطة هي العلاقة الزمنيةla relation temporelle، حيث إن الأحداث تجري في النص لأنها تجري في العالم الخيالي للكتاب. العلاقة المنطقية la relation logiqueهي نمط آخر من العلاقات: يتبنى المحكي علاقات استتباعية وتضمنية أو أيضا شديدة التكثيف. وختاما، هناك ثالث علاقة هي من النمط الفضائي ، حيث إن جملتين متعالقتينبسبب وجود علاقة تشابه بينهما، ترسم فضاء خاصا للنص. يعني، في نظرنا، التوازي بتعدد تفريعاته؛ وتبدو هذه العلاقة حاضرة بشكل بارز في النص الشعري. يتضمن المحكي ثلاثة أنماط من العلاقاتلكن تقديرا، يبقى هناك اختلاف فيالدرجات تميز كل نص عن الآخر.
يمكن أن نقيم وحدة تركيبية كبرى للجمل؛ نطلق عليها اسم المتتالية la séquence .تتوفر المتتالية على خصائص مختلفة تبعا لنمط العلاقة بين الجمل؛ لكن، في كل حالة، هناك تكرارغير تام للجملة البدئية،المرسوم حتى النهاية. بجانب آخر، تثير المتتالية رد فعل حدسي من قبل القارئ: يريد أن يدري،فيما يتعلق هنا،بالقصة كاملة، وبالملحة anecdote تامة. تُطابَق القصة غالبا، لكن ليس دائما مع متتالية: يمكن أن تتضمن القصة عددا من المتتاليات أو لا تتضمن أي جزء منها.
سنقدم وجهة نظرنا بخصوص المتتالية، يمكن أن نميز بين عدد من أنماط الجمل. هذه الأنماط تكون علاقات منطقية المنعexclusion (أو- أو)، انفصالdisjonction (و- أو)، اتصال conjonction(و- و). يمكن أن نسمي النمط الأول الجملة التناوبيةproposition alternative لأن واحدة منها، يمكن أن تظهر في نقطة من المتتالية. هذا الظهور من ناحية أخرى، إلزامي obligatoire. النمط الثاني هو من الجمل الاختياريةproposition facultative التي يمكن أن توجد في أي موضع، وظهورها ليس إلزاميا. وأخيرا، يشكل النمط الثالث من الجمل الإلزامية proposition obligatoire؛ التي من الواجب ظهورها دائما في موضع محدد.
سنأخذ قصة تسمح لنا بإبراز العلاقات المختلفة. أهينت امرأة من غاسكونيا من لدن "بعض الأشخاص السيئين"في أثناء إقامتهابقبرص، فحاولت أن ترفع شكواهاإلى ملك الجزيرة؛ لكن قيل لها بأنه لا جدوى من الشكوى؛ لأن الملك غير مكترث بالشتائم التي تلحقه أيضا.ومع ذلك، تلتقيه وتوجه إليه بعض النصائح. وسيتأثر الملك بقوة مفعول النصائح. ومن ثمة،سينفض عن نفسه الخمول.
تسمح لنا المقارنة بين هذه القصة وباقي النصوص الأخرى المشكلة للديكاميرون، من تحديد حالة كل جملة. هناك أولا جملة إلزامية: إنها رغبة المرأة في تغيير الحالة السالفة؛ نجد هذه الرغبة في جميع قصص المجموعة. إلى جانب آخر، تتضمن الجملتان أسباب هذه الرغبة ( الإهانة من لدن الأشخاص السيئين وتألم المرأة)، يمكن تحديد الاختيارين: يعني هذا المحفز النفسي الدافع لإبداء تصرف آخر مغاير لبطل القصة. تكون الحوافز في الغالب غائبة في الديكاميرون ( على خلاف ما هو حاصل في قصص القرن الواحد والعشرين.) في قصة بيرونيللا (ي7،ق2) ليست هناك أية حوافز نفسية؛ لكن توجد بالمقابل جمل اختيارية: إنه الفعل الذي دفع العشيقان من ممارسة العشق خفية، وبدون أن يدري الزوج شيئا. عندما نريد أن نفهم بشكل واضح: نحدد هذه الجملة الاختيارية، نريد أن نقول بأنه ليس من الضروري، وذلك من أجل ملامسة حبكة الحكاية، قراءتها كاملة. والقصة نفسها في حاجة ماسة إلى "نكهة الحكاية" « sel de l’histoire »؛ لكن يجب الفصل بين تصورات الحبكة وبين مثيلتها القصة.
توجد في النهاية الجمل المتعاقبة des proposition alternative نأخذ مثالا على ذلك، سلوك المرأة الذي يغير طباع الملك.ومن وجهة نظر تركيبية، فالتصرف الذي اتخذته المرأة مشابه تماما للسلوك الذي اتخذتهبيرونيللا،والتي قد خبأت عشيقها في الدن: وبالفعل فالتصرفان سعيا إلى إقامة توازن جديد.والحال أن السلوك المفتعل هو مواجهة لفظية مباشرة إذ أن بيرونيللا استعملت أسلوب التمويهtravestissement. "المواجهة" "Attaquer"والتمويهtravestir"، هما فعلان يظهران في الجمل المتعاقبة؛ وبطريقة أخرى، يشكلان نموذجا.
عندما نبحثلإقامة تصنيف للحبكات، يجب علينا أن نعمل كما لو كنا نريد أن نستند على المواد المتعاقبة : لا وجود لجمل إلزامية التي من اللازم أن تظهر دائما، لا وجود كذلك للاختيارات التي من الضروري أن تبرز إذ لا يمكن أن تساعدنا الآن. من ناحية أخرى، يجب أن يؤسس النموذج على ضوء معيار تركيبي خالص: يجب أن نقول بأعلى صوت بأن المحكي يشتمل على فقرات متوازنة بين بعضها البعض؛ لكن يمكن للحكاية أن تتمظهر باعتبارها جزءا من هذا المسار. أيضا يمكن أن نصف فحسب، الفقرات المتوازنة وغير المتوازنة،أو بشكل معكوس.
إن دراسة قصص الديكاميرون قادتنا على سبيل المثال على وضع اليد على هذين النمطين من الحكاية.النمط الأول من الحكاية حول بيرونيللا، وهو مثال يمكن أن نطلق عليه " العقاب المتفادى"punition évitée. هنا، المسافة الكاملة أعقبها ( التوازن- اللاتوازن- التوازن)؛ من ناحية أخرى، ينجم اللاتوازن عن حالة خرق القانون، الفعل الذي يستحق العقاب. النمط الثاني من الحكاية يتمحور حول امرأة من غاسكونيا وملك قبرص، يمكن أن نرمز له ب" تحويل". هنا الجزء الثاني من الحكاية هو المقدم: ابتدأ بحالة من اللاتوازن( الملك لين) من أجل الوصول إلى التوازن النهائي، إضافة إلى ذلك، أن اللاتوازن لم يسببه حدث خاص(فعل)un verbe)) لكن بسبب بعض صفات الشخصية ( النعت).
تلكم هي بعض الأمثلة الكافية من أجل إعطاء فكرة عن نحو الحكاية. لسنا هنا في معرض شرح الحكاية، ولكن من أجل اقتناص بعض الخلاصات العامة. لكن حالة الدراسات المنصبة حول المحكي،أنها تعنىبالمهمة الأولى التي هي تقديم آلية وصفية:فقبل شرح الحدث علينا تحديده.
نريد أن نبحث عن العيوب في المقولات الملموسة المقترحة هنا؛ الهدف هو إثارة الأسئلة قبل أن نثبت الإجابة. يبدو لنا مع ذلك، أن فكرة نحو الحكاية لا يمكن أن تناقش.هذه الفكرة تطرح خصوصا في الوحدة المنتهكة للغة وللحكاية، الوحدة التي تلزمنا أن نراجع أفكارنا حول الطرح الأول والثاني.وسنفهم بشكل أفضل الحكاية إذا كنا نعرف أن الشخصية هي اسم والحركة فعل.لكن لفهم أفضل للاسم والفعل علينا أن نفكر في الدور الذي يضطلعان به في الحكاية. للتحديد، لا يمكن فهم اللغة إلا عندما نأخذبالتفكير في التمظهرات الأساسية للأدب.والعكس صحيح أيضا: التوفيق بين الاسم والفعل، هو الخطوة الأولى نحو المحكي، من ناحية أخرى، فالكاتب ليس إلا قارئا للغة.