مثل العرب مثل امتحاناتهم
ذ. الكبير الداديسي
لا يتجادل اثنان حول كون العرب في الفترة المعاصرة يعيشون أحلك مراحل تاريخهم ، فهم يعيشون في الاقتتال والتناحر فيما بينهم ، ويعيشون أزمة قيم عميقة لم يعد يعرف النشء معها الحق من الباطل ، والجد من الهزل ، ولسنا هنا بصدد مقال سياسي لنقف على مظاهر التفرقة والتكفير وتعدد الملل والنحل في أوطاننا، ولكن همنا – ونحن نعيش مع التلاميذ والطلبة فترة الامتحانات الإشهادية – الوقوف على بعض ما ميز هذه الامتحانات في بعض الدول العربية التي شرعت أبوابها للاستهتار وضرب القيم
ففي الأردن تم تسريب أسئلة امتحانات التحصيلية التي تستهدف الأقسام المتوسطة والتي تقدم لها أزيد من 320 ألف تلميذ ( السادس 170 ألف طالب وطالبة) والتاسع 150 ألف طالب وطالبة) ، فوصلت الأسئلة إلى الطلاب يومين قبل موعد الامتحان ، ومع ذلك أصرت الوزارة المكلفة على إجراء الامتحان كما هو دون تعديل- وكأن شيئا لم يقع- رغم علمها بتسريب الأسئلة ودافعت عن موقفها فأبرز الناطق الرسمي باسمها أن ( جزءا كبيرا من اهداف الامتحان تحقق قبل انطلاقه، وتمثلت بزيادة دافعية الطلبة للدراسة، والاهتمام الكبير من أولياء الأمور بمتابعة دراسة أبنائهم) يتم تبادل التهم حول من المسؤول في التسريب ..
وفي الجزائر حالة أخرى لا تقل غرابة فخلال امتحانات الباكالوريا في مادة اللغة العربية وآدابها للشعب العلمية ، يقدم للطلبة نص شعري استهل ب (قال الشاعر محمود درويش...) ليكتشف المتتبعون أن النص لنزار قباني وتم نحله ونسبته لشاعر آخر غير صاحبه الأصلي ... لتنهال الاتهامات على الديوان الوطني للامتحانات والمباريات التابع لوزارة التربية الوطنية بالجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبية ...
وفي المغرب عاش تلامذة الباكالوريا مسالك العلوم التجريبية والتقنية صدمة لم يعرف هذا الجيل لها مثيلا بتسريب مادة الرياضيات ساعات قبل انطلاق الامتحانات مما خلق توثرا في صفوف التلاميذ وأسرة التعليم وداخل الأسر المترشحين ، وحتم على الوزارة إعادة المدة المسربة بعد الانتهاء من الامتحان وقررت أن ( تعاد مادة الرياضيات بالنسبة للمسالك أعلاه يوم الجمعة 13 يونيو 2015 من الساعة الثامنة صباحا إلى 11 قبل الزوال)
هذا بعض ما طفى على السطح وخفي أكيد أعظم
يظهر من خلال هذه النماذج الثلاثة أنها ليست حالات شاذة وغريبة عن الواقع العربي الذي استشرى الفساد في أوصاله، وبوصول الفساد إلى التعليم يكون الورم قد وصل إلى أقصى حالات تطوره، لإن التعليم قاطرة كل تطور وتنمية وإذا كان هذا حال التعليم فما حال باقي القطاعات ، وإذا كان هذا حال الدول التي تسوق نفسها على أنها بلدان الاستقرار في المنطقة، وكل مسؤول بها يقول عن بلده أنه يشكل حالة استثناء فماذا يمكن أن يقع أخطر في البلدان غيرها ؟؟
إن تسريب الامتحانات،أو الخطأ في معلوماتها وجهان لعملة واحدة لا تكرس في نفس الشباب (خاصة المجدين منهم ) الذين يقضون الليالي في المراجعة والتحضير .. إلا عدم الثقة في المؤسسات ، وفي المسؤولين ، وتجعل مجهودا تربويا كبيرا للمدرسين ، التربويين والطلاب يذهب سدى، ويضع مصداقية تعليمنا موضع شك ، دون أن ننسى أن التعليم هو المسؤول الأول عن تكريس القيم النبيلة في المجتمع، وعندما يصبح هكذا حاله ما علينا إلا قراءة الفاتحة على مستقبل الأمة العربية ونحن نُعلم أجيال المستقبل الاستهتار وعدم تقدير المسؤولية
لتبقى الأسئلة من سرب هذه الامتحانات ؟؟ وكيف ؟؟ وبأي ثمن؟؟ هي ما يؤرق بال من لا زالت فيه ذرة غيرة على الأوطان، وبعض كبرياء وأنفة .. وقد اعتدنا أن تقدم أكباش فداء من الأبرياء وسنسمع في القريب فصل بعض الموظفين ، وتغيير بعض الرؤوس والكل يعلم منذ البداية أن المسرب ليس تلميذا ولا أستاذا !! أما عن الثمن فإن ثمن الأوراق والجهد والمال والتعب وإن كان باهضا لا يساوي شيئا أمام ما سيغرس في ذهن أبنائنا الذين لن ينسوا طول حياتهم أن الدولة كانت في لحظة ما عاجزة عن حماية اسرار المهنة، ..
إن تسريب امتحانات الباكالوريا في المغرب ليس إلا حلقة من سلسلة فضائح هزت القطاعات الحكومية في السنوات الأخيرة تُعرَف عند المغاربة بفضيحة الكراطة ، والزرواطة والشكلاطة والزعاطة لتضاف إليها فضيحة تسريب الماط ( الرياضيات) فلله درك من أمة كثرت فضائحها ؟ ومن يرحمني من كثرة فضائحنا ؟؟
هذا مجرد انطباع أولي وسنعود للموضوع بتفصيل في القريب و بعد اتضاح الرؤى