حضيت عدة مدن عربية في النصف الأول من هذه السنة بتغطية إعلامية هامة (سيدي بوزيد تعز، القاهرة ، حماة، المنامة ، بنغازي...) وفي المغرب تكاد تكون مدينة آسفي في النصف الأول من سنة 2011 أكثر المدن زخما بالأحداث وربما قد تحتل المرتبة الأولى مغربيا كمادة إعلامية. فما هي أهم الأحداث التي عاشتها أسفي في النصف الأول من سنة 2011؟؟ ولماذا آسفي بالذات؟؟
سنركز في مقالنا هذا على أهم الأحداث التي طبعت أسفي وميزت الإنسان المسفيوي خلال الشهور الأربعة الأخيرة وبعد ذلك سنحاول مقاربة الأسباب التي دعت الإنسان المسفيوي إلى الاحتجاج بطريقة عنيفة جعلت من آسفي مادة إعلامية دسمة...
1. أول هذه الأحداث كان يوم السبت 2 ابريل 2011 بالملعب الجديد بمدينة مراكش برسم الدورة الثالثة والعشرين من البطولة الوطنية لكرة القدم قسم النخبة حيث خلد جمهور آسفي حدثا غير مسبوق بتخريب معلمة أمام الملأ وجعل مئات الكراسي لم يمض على تثبيثها إلا شهور تتقاذف في الفضاء انتهت بتقشير جانب هام من هذا الملعب الجديد
2. وفي نهاية نفس الشهر وقبيل عيد العمال الأممي اهتزت مقهى أركانة وسط جامع الفناء بمراكش يوم الخميس 29 ابريل على حدث غدا مادة دسمة لمختلف المنابر الإعلامية المكتوبة ، المسموعة والمرئية وتوجهت الأعين والأصابع والأذان أيضا لمدينة آسفي فالمنفذ لم يكن سوى واحد من أبناء آسفي بمشاركة بعض رفاقه من نفس المدينة ...
3. بعد ذلك وصل تأثير الربيع العربي إلى المغرب وكانت مسيرات 20 فبراير بآسفي من أكبر المسيرات على الصعيد الوطني وخلقت هذه المسيرات بالمدينة احتقانا غير مشهود ...وتصبح مدينة آسفي مرة أخرى محورا هاما في الإعلام بسقوط أو ضحية في المغرب بعد
4. فبعد تفجير أركانة الذي كان وراءه جماعة من شباب آسفي بزعامة عادل العثماني وتقاطر عدد من المراسلين الصحفيين ورجال الأمن على المدينة بحثا عن الأخبار من مصادرها. تعود المدينة لتطفو من جديد على صفحات الإعلام المكتوب والمرئي لكن بصورة مغايرة من خلال وفاة كمال عماري شهرا بعد ذلك وبالضبط يوم 29 ماي 2011 فإذا كان الإنسان المسفيوي ظهر في الصورة الأولى (تفجير أركانة) معتديا فأثار مشاعر الاستنكار والاستهجان فإنه في الصورة الثانية ظهرفي صورة الضحية فأثار التعاطف وإن تشابهت الصورتان في حظور الموت والدم اهتم الإعلام بوفاة كمال وما أثاره من جدال حول الأسباب والخلفيات فتعدد البيانات والبيانات المضادة من طرف أحزاب وتنظيمات كل واحدة تريد أن تنسب أول شهيد لنفسها ومن طرف مؤسسات عمومية محلية (المستشفى / المحكمة / الشرطة / جمعيات حقوقية..) أو وطنية (وزارة الداخلية / الناطق الرسمي باسم الحكومة / المجلس الوطني لحقوق الإنسان) وكثرت التحقيقات ولجن تقصي الحقائق وفي كل ذلك آسفي محور إعلامي هام
5. ويوم فاتح غشت ومباشرة بعد عيد العرش - نظم جماعة من الشبان اعتصاما فوق خط السكة الحديدية الرابط بين ميناء المدينة ومعامل مغرب فوسفور ومغرب كمياء تحولت إلى احتجاجات بعد تدخل قوى الأمن إلى احتجاج عنيف انتهى باقتحام ابواب المقاطعة الحضرية الثالثة والدائرة الامنية الخامسة وإحراق وإتلاف وبعثرة كل ما وجد بداخلهما ، كما إحراق النوافذ والأبواب والوثائق الخاصة بالمواطنين والمكاتب وكل محتويات الدائرة والمقاطعة وتم رميها في الشارع العام مما خلق الفزع والرعب في قلوب المواطنين الذين هالهم هول المشهد وجعل من آسفي مرة أخرى محط أنظار الإعلاميين خاصة بعد اعتقال عدد من الشبان وتوجيه أصابع الاتهام إلى جهات متعددة وإصدار إحدى الجمعيات الحقوقية لبيان تتهم فيه الشرطة بستخير عناصر للقيام بهذه الأعمال التخريبية وتتخل وزارة الداخلية والناطق الرسمي للحكومة على الخط لتكذيب ما جاء في هذا البيان
6. وبعد يوم واحد فقط وبالضبط يوم فاتح رمضان 1432 الموافق ل2 غشت 2011 كادت تقع كارثة أنسانية عندما هدد الشاب بوشعيب الكرور أحد عمال مرجان الموقوفين بإحراق نفسه وسط باحة السوق الممتاز مرجان وكانت لتران من البنزين وولاعة كافية لتوقيف حركة هذا السوق الممتاز وإجبار الإدارة على فتح أبواب الإغاثة لأول مرة وإجلاء كل الزبناء والزوار وإقفال هذه المؤسسة لمدة ساعتين بعد استنفار رجال المطافئ وقوات الأمن
7. ويوم السبت 6غشت ستعرف المدينة هجوم عدد كبير من طالبي المساعدات على اللجنة المكلفة بتوزيع الحصص الغذائية الرمضانية المنظمة من طرف مؤسسة محمد الخامس للتضامن في إطار عملية إفطاررمضان بمقر الجمعية الخيرية الإسلامية والسطو على ما يزيد عن 170 حصة غذائية ( كل حصة مكونة من كيس دقيق 10كلغ و5ليترات من الزيت 2 قوالب سكر و 250 غ من الشاي ) في أجواء فوضوية لحسن الحض لم تخلف ضحايا بعد تراجع قوات الأمن القليلة التي كانت بعين المكان
هذه إذن بعض أهم الأحداث التي عرفتها مدينة آسفي وجعلتها أشهر من نار على علم تلوكها كل الألسن وحديث العامة والخاصة وهي أحداث - للأسف-في معظمها سلبية ... فلما ارتبطت آسفي بهكذا أحداث وهي المدينة التي تبدو للوهلة الأولى مدينة وديعة هادئة حباها الله بمزايا لا تتوفر لغيرها من المدن ((شواطئ جميلة ، ميناء من أهم المنوانئ المغربية ، مناطق صناعية هامة، أراضي فلاحية وسهول خصبة ، تاريخ عريق ، مجال سياحي واعد ....))
إن هذا الاحتقان وكل هذه الأحداث لم تكن وليدة الصدفة وإنما حركتها أسباب وعوامل تراكمت فتجلت في صور عنيفة ويمكن إجمال اهم هذه الأسباب في :
1. شعور الإنسان المسفيوي أن مدينته بقرة حلوب تدر خيرات كثيرة دون أن تظهر هذه الخيرات على مدينته مما ولد لديه إحساسا بأن هذه المدينة مهمشة ومقصية من المشاريع الهيكلية الكبرى
2. تهميش المدينة من المخطط الأزرق 2020 فبالرغم من توفر المدينة على شريط سياحي هام فإن معظم شواطئ الإقليم شواطئ غير مجهزة في الوقت الذي بنيت في شواطئ أخرى بالمملكة في الشمال والغرب والجنوب والشرق محطات سياحية من الطراز الرفيع
3. إقصاء آسفي عن مخطط أليوتيس الهادف إلى تنمية الصيد البحري رغم أهميتة مينائها في الصيد البحري وهو الذي كان يحتل – إلى عهد قريب المرتبة الأولى عالميا في صيد السردين
4. عدم استفادة آسفي من مشروع المغرب الأخضر بالرغم من توفره على سهول شاسعة خصبة لكن معظمها سهول بورية لا زالت تنتظر أن تجود عليها السماء بالمطر ، ومع توالي سنوات الجفاف وهجرة سكان البوادي لقراهم أصبح مدينة أسفي محج سكان قبائل احمر والرحامنة واشياظمة ..الذي طردهم الجفاف عن قراهم فشكلوا أحزمة البؤس والفقر بالمدينة
5. تأخير مشروع الطريق السيار وربط المدينة بالمدن المجاورة لها بطرق سريعة ، ففي الوقت التي ربطت مدن أقل أهمية ،من آسفي سواء من حيث عدد السكان أو من حيث الأهمية الاقتصادية بعدة محاور طرقية لا زالت أسفي مربوطة بالشبكة التقليدية العتيقة والتي خلفها الاستعمار
6. تغييب مدينة آسفي ضمن مشروع إقلاع والمخطط الوطني للصناعة فالمنطقة الصناعية الموجودة بآسفي من مخلفات الاستعمار ومع توسع المدينة أصبحت وسط السكان وغدت تشكل مصدر إزعاج وتلوث أكثر ما تشكل موردا اقتصاديا خاصة بعد إقفال العديد من ( الفابركات) والمصانع فالمدينة في حاجة ماسة لمنطقة صناعية مندمجة ومؤهلة ومهيكلة
7. تأخير بناء ميناء تجاري عصري وتحويل الميناء الحالي إلى ميناء ترفيهي كما حدث في طنجة مما قد يجعل هذه المدينة قبلة سياحية ويخلق فرص عمل قد تعيد الروح لهذه القوى المعطلة
8. شعور المسفيوي بسرقة مدينته منه من طرف نفس الوجوه المنتخبة وهي في معظمها استباحت كل الطرق للحفاظ على الكراسي والامتيازات عبر الترحال السياسي والفساد المالي فبنت سدا منيعا يستحيل معه على أي مرشح الفوز معهم في الانتخابات المحلية والتشريعية
عزل آسفي جويا وإغلاق أجوائها بالقضاء على ما كان يسمى (المطار) وتحويل جزء كبير من مساحته لتجزءات سكنية فأسفي في حاجة إلى مطار دولي يربطها بالعالم وبباقي المدن المغربية وليس بإقفال مطارها
إن آسفي في حاجة ماسة لتجديد نخبها السياسية والمصالحة مع ماضيها لبناء مستقبلها ، وإعادة الثقة لأهلها بإدراج المدينة في المشاريع الوطنية الكبرى