جلسة مصيرية لمجلس الأمن حول سورية!!
بقلم ذ. الكبير الداديسي
منذ تفجير الثورة السورية ومختلف المتتبعين يتساءلون عن المشهد النهائي لهذه الثورة ومصير الرئيس بشار الأسد : هل سيكون هروبا على شاكلة مشهد بن علي أم محاكمة كمشهد مبارك أم قتلا كمشهد القذافي أم لجوءا مثل مشهد علي عبد الله صالح أم سيكون لسوريا مشهد ختامي خاص ببشار الأسد وماركة مسجلة باسمه ، مادام تطور دراما الثورة السورية كان مختلفا سواء في شراراته الأولى أو عبر مختلف محطاته... لكن الملفت في هذا المسلسل هو الدور الذي لعبته ولا زالت تلعبه جامعة الدول العربية ، ففي الوقت الذي التزمت فيه هذه الجامعة الصمت حيال ثورات مصر ،تونس واليمن فإنها واكبت الثورة السورية واتخذت مواقف حسب مراحل هذه الثورة فبدأت قراراتها بالتنديد ثم جاء قرار تجميد عضوية سوريا بالجامعة : وهوا القرار الذي صادقت 18 دولة عربية بعد رفض اليمن ولبنان وامتناع العراق ، مع العلم أن ميثاق الجامع ينص على أن القرارات تتخذ بالإجماع ..و إذا كانت أسباب رفض اليمن ولبنان وامتناع العراق واضحة للمتتبعين : فوضع اليمن شبيه بوضع سوريا وبالتالي في رفض اليمن إشارة إلى رفضها فرض هكذا قرار على نظامها ..أما موقف لبنان والعراق فاليد الإيرانية فيه بادية وهي الساعية إلى الحفاظ على موطئ قدم لها بالشرق الأوسط رغم التهديد الغربي والمزاحمة التركية المتسللة تدريجيا وبهدوء داخل الكيان العربي ...
وفي إطار إيجاد حل يقرب وجهات نظر المعارضة والثوار ، صادقت جامعة الدول العربية على إرسال مراقبين لسوريا دون موافقة سوريا – والتي بعد أخذ ورد - وافقت على استقبال المراقبين على أراضيها ... وفي تطور مفاجئ قررت المملكة العربية السعودية سحب مراقبيها لتحدو دول الخليج حدوها وتقرر جامعة الدول العربية سحب جميع مراقبيها من سوريا بعد الهجوم الذي تعرض له بعض المراقبين وبعد ارتفاع حصيلة العنف إذ تجاوز عدد الضحايا 6000 قتيل فيما قالت مصادر رسمية سورية أن عدد القتلى في صفوف قوات الأمن تجاوزت 2000 قتيل محملة ما تسميه الجماعات المسلحة المسؤولية في ذلك ..
وما أن صدر قرار تجميد عمل المراقبين العرب حتى سارعت كل من سوريا وروسيا إلى التنديد بالقرار واعتباره مؤشر على فتح الباب للتدخل الخارجي في سوريا فقد صرح وزير خارجية روسيا قائلا Sad لو كنت مكانهم لعملت على زيادة عدد المراقبين..)،في مقابل ذلك سبب هذا القرار في بدأ موسم الهرولة نحو مجلس الأمن لأمن الذي يشغل المغرب مقعدا غير دائم فيه هكذا قرر كل نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية وحمد بن جاسم وزير خارجية قطر الذي غدا يعتبر نفسه المتحكم في رقاب الحكام العرب، التوجهة إلى نيويورك ، وهو نفس القرار الذي اتخذه وفد برئاسة برهان غليون عن المجلس الوطني الانتقالي السوي
ويوم الثلاثاء 31 يناير 2011 عقد مجلس الأمن جلسة مصيرية حول سوريا لمناقشة مشروع طلب تقدم به المغرب مدعوما بالدول الغربية :
وعلى الرغم من تركيز كل المداخلات على الحل السلمي واستبعاد خيار التدخل العسكري فقد تباينت المداخلات : فركزت كلمة حمد بن جاسم باعتباره رئيسا للجنة العربية المكلفة بالأزمة السورية على التذكير بمجهودات الجامعة و أن اللجوء لمجلس الأمن جاء بعد استنفاد الجامعة لدورها إظهار سوريا لعدم التزامها بقرارات الجامعة وبعد أن وبلغ القمع وقتل الأطفال حدا لا يمكن تصوره . وهو ما أكده نبيل العربي مطالبا المشاركين في الجلسة بقوله ( لا تخذلوا الشعب السوري في محنته ) وأن المجيئ إلى مجلس الأمن جاء تلبية لقرار مجلس الوزراء العرب فيما ركزت مداخلة ممثلي الدول الأوروبية على العمل من أجل إيقاف العنف والقتل فقد قال وليام هوك وزير خارجية ابريطانيا أن ( الشعب السوري لا يمكنه الانتظار والعنف يتزايد وخطر الحرب الأهلية يلوح في الأفق ويتزايد يوما بعد يوم، وإذا اتخذت أطراف حق الفيتو سنحاول الكرة مرة أخرى ) وهو ما أكده ألان جوبيه وزير خارجة فرنسا وممثل ألمانيا الذين ركزوا على الوضع المأساوي بسوريا وارتفاع عدد القتلى فيما حملت كلينتون بشار الأسد المسؤولية في ما يقع بسوريا واتهمته بإثارة النعرات الطائفية داعية مجلس الأمن لاتخاذ قرار حاسم لأن عدم اتخاذ أي قرار يضعف مصداقية الأمم المتحدة
وأكد يوسف العمراني ممثل المغرب على الحوار والمصالحة لحل الأزمة السورية وأن المغرب كان من الدول الأولى التي تطوعت وأرسلت مراقبين ، وكان من الممكن استغلال فرصة وجود المراقبين بسوريا لإيجاد حل ، وان المغرب يتفهم دواعي سحب بعض الدول لمراقبيها معتبرا قرار إيقاف عمل المراقبين مبررا بالنظر لتدهور الأوضاع الخطير بسوريا ، داعيا مجلس الأمن إلى تبني خطة الطريق العربية متمنيا أن تؤدي المفاوضات الجارية لبدء عملية سياسية وموقف دولي موحد
وفي رده على المداخلات استهل ممثل سوريا كلامه ببيت لنزار قباني :
دمشق يا كنز احلامي ومروحتي أشكو العروبة أم أشكو لك العربـا
قبل أن يذكر بدور بلاده وأهميتها وأن اللجوء إلى مجلس الأمن هو التفاف على تقرير المراقبين وأن اللجوء إلى مجلس الأمن كان مرتقبا مع تشكيك قطر في عمل المراقبين قبل بدء عملهم وشنها لحملة تشهير بهمة المراقبين مستغربا كيف تم توقيف عمل المراقبين وإحالة الملف على مجلس الأمن بعد أن صادقت الجامعة العربية على تمديد عمل المراقبين شهرا ، ومستغربا من موقف دول أوليغارشية لا تملك دستورا ولا تعرف انتخابات تطالبا سوريا بأن تكون ديمقراطية ، ومتهما نبيل العربي بالانتقائية في قراءته لفقرات من تقرير المراقبين ومتمنيا لو كان مجيئ العرب لمجلس الأمن من أجل المطالبة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ليوجه اتهامه لقطر والسعودية بتهريب الأسلحة للعصابات في سوريا موجها اللوم لدولة( تركيا التي لم يذكرها بالإسم ) كانت إلى عهد قريب صديقة تحتضن معارضة مسلحة وتساعدها على القيام بعمليات إرهابية داخل سوريا وأن رئيس قطر لا يتحدث باسم كل العرب ،ومعلنا لا يمكن تصور جامعة الدول العربية بدون سوريا . ومن جهة أخرى حاول ممثل سوريا ابراز إيجابيات بلاده وهي التي عرفت أول حكومة ديموقراطية منذ 1919 مباشرة بعد سقوط الأمبراطورية العثمانية ومركزا على التزام سوريا بعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى عدم مشاركتها في الحروب وغزو الدول (لم نشارك في الحرب ضد العراق ، أو ليبيا ) استقبال بلاده لأكثر من مليون لاجئ عراقي ،وأكثر من ثلث سكان لبنان دون مطالبة مساعدة أحد ...
يستشف من خلال جلسة مجلس الأمن إذن أن التوجه العام يسير نحو اختيار الحل السلمي واستبعاد خيار التدخل العسكري ، وحتى تنحي الرئيس السوري الذي نادت به جامعة الدولة العربية لم يرد في أية مداخلة مما ينبئ أن أقصى ما قد يأتي به قرار مجلس الأمن لن يتجاوز فرض عقوبات على النظام السوري ، وهي عقوبات سيكتوي بنارها الشعب السوري أولا ، ولعل هذا القرار تتحكم فيه اعتبارات اقتصادية فالعالم يمر من أزمة مالية واقتصادية ولا يحتمل حربا إضافية إضافة إلى أن سوريا رغم أهميتها الاستراتيجية ليست دولة ليست بترولية وبالتالي فتكاليف الحرب ستكون أكبر مما سيكسبه الغرب من هذه الحرب ناهيك عن وجود خلاف بين الدول الدائمة العضوية وتلويح روسيا بالفيتو وأن روسيا لن تقبل بخسارة مصالحها في سوريا بعد خسارتها في كل من ليبيا والعراق وأفغانستان وتأكيد الصين على ضرورة إيجاد حل للأزمة في إطار الجامعة العربية وتأييدها للمشروع الروسي وأخذ المشروع المغربي بالاعتبار ...وحتى الولايات الأمريكية التي يفترض فيها أن تكون أكثر تشددا خرجت للتو من حرب العراق ولا زالت متورطة في حرب أفغانستان وهي على أبواب انتخابات رئاسية وليس في مصلحتها دخول حرب جديدة ..كل هذه المعطيات وغيرها تنبئ سوريا ستعيش سقوطا متزايدا من القتلى وتصعيدا للعنف مما قد ينبئ بحرب أهلية