تعدد المقاربات ـ التقسيمات الكبرى للعالم
مقدمة
يدل مفهوم التنمية على التطور أو التغير الذي يطرأ على الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وقد تطور هذا المفهوم بين العلوم الاقتصادية والسياسية والمعرفية، وهو ما جعل العالم ينقسم إلى عدة مناطق مختلفة من حيث درجة النمو ويتم عادة اعتماد مقاربات عديدة لفهم موضوع التنمية,
I. مفهوم التنمية، والمقاربات المعتمدة في تحديدها:
1, مفهوم التنمية:
تعني التنمية مختلف أشكال التطور بالميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبتطور هذا المفهوم تم التركيز على الإنسان كحلقة أساسية، فظهر مصطلح التنمية البشرية للتأكيد على أن الإنسان أداة وغاية التنمية, في الوقت الذي كان فيه مفهوم التنمية الإقتصادية يهدف إلى النمو لإشباع الحاجيات الاجتماعية,
وعموما تعني التنمية الزيادة في الرفاه الاجتماعي وحدوث تغيرات في البنيات الإقتصادية وأخيرا حصول تحول في المجتمع بأسره,
2, بعض المقاربات المستعملة في دراسة التنمية:
• المقاربة الإقتصادية: وفيها يتم التمييز بين مستوى التنمية حسب عدة مؤشرات كالناتج الداخلي الخام، ومعدل دخل الفرد،ونوع أو بنية الاقتصاد,
• المقاربة الديمغرافية: وهي تعتمد على عدة مؤشرات كنسبة المواليد والوفيات ثم النمو السكاني، وأمد الحياة والخصوبة ثم الانتقال الديمغرافي,
• المقاربة السوسيو اقتصادية: وهي تجمع بين الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في مؤشر تركيبي: مؤشر التنمية البشرية(IDH),
• المقاربة الاجتماعية: وتقوم على عدة مؤشرات اجتماعية كالفقر والأمية، المساواة بين الجنسين، ومعدل التأطير الطبي,
• المقاربة السياسية: تنبني على تطور الديمقراطية، وحقوق الإنسان في البلدان النامية,
• المقاربة الثقافية\التعليمية: وهي تنبني على نسبة تعليم الكبار ونسبة التمدرس,
• المقاربة البيئية: تقوم على التنمية المستدامة مع مراعاة البعد البيئي في مخططات التنمية,
II. التقسيمات الكبرى للعالم من خلال خريطة التنمية:
1, مؤشر التنمية الإقتصادية والتقسيمات الكبرى للعالم:
يقصد بالناتج الإجمالي الداخلي (PIP) مجموع قيمة الإنتاج الاقتصادي من الخيرات والخدمات في بلد معين خلال سنة واحدة, ويبقى أفضل مؤشر لقياس درجة نمو النشاط الاقتصادي, ويحسب الناتج الإجمالي الداخلي العام اعتمادا على عدة مكونات منها: قيمة الاستيراد الخاص، والاستثمارات، ومصاريف الدولة والفرق بين كل من الصادرات والواردات, وغالبا ما يقاس مستوى المعيشة (مستوى التنمية أو الرفاه الاجتماعي) في بلد معين باستعمال مؤشر الدخل الفردي، ويحسب بقسمة قيمة الناتج الإجمالي الداخلي الخام على عدد السكان, وهو يختلف على الصعيد العالمي؛ إذ يبقى مرتفعا بدول الشمال، ومنخفضا بدول الجنوب: ففي اللكسمبورغ يبلغ 59143 (الرتبة الأولى عالميا)، أما في المغرب فيبلغ 1452 (الرتبة 97 عالميا),
2, مؤشر التنمية البشرية والتقسيمات الكبرى للعالم:
يستعمل مؤشر التنمية البشرية لقياس درجة التنمية وهو تركيبة لثلاث مكونات:
• طول العمر (متوسط أمد الحياة): ويقاس بالعمر المتوقع عند الولادة (الحد الأدنى هو 25 سنة، والحد الأقصى هو 85 سنة),
• المعرفة (التعليم): وتقاس بتركيب كل من نسبة المعرفة والقراءة لدى الكبار(15 سنة فأكثر)، ومتوسط نسبة التمدرس,
• الدخل الفردي (مستوى المعيشة): ويقاس بمستوى القدرة الشرائية استنادا إلى نصيب الفرد من الناتج الإجمالي الداخلي,
وتميز خريطة التنمية البشرية عبر العالم بين ثلاث مستويات للتنمية (مرتفع، متوسط، ضعيف) بقيمة IDH 0,800 فأكثر, وبقيمة IDH بين 0,500 و0,800 للمتوسط, وبقيمة IDH أقل من 0,500

П ـ التقسيمات الكبرى للعالم من خلال خريطة التنمية :
1 ــ التقسيمات الكبرى للعالم من خلال مؤشرات التنمية البشرية:
* يختلف مستوى التنمية البشرية بين دول الشمال والجنوب لذلك نميز بين ثلاثة مستويات للتنمية البشرية :
ــ مستوى مرتفع : (قيمة IDH 0.8 فأكثر ) من بينها النرويج،USA ،اليابان ،فرنسا ...
ــ مستوى متوسط Sad قيمة بين IDH 0.5 و 0.8 )من بينها ليبيا، الصين ،المغرب ...
ــ مستوى ضعيف (قيمة أقل من IDH 0.5) من بينها موريتانيا، الصومال ، إيتيوبيا، النيجر...
* تختلف بلدان الشمال عن بلدان الجنوب من حيث عدد السكان والناتج الوطني الخام والاستثمارات الخارجية المباشرة ،
حيث توجد أكبر التجمعات السكانية في بلدان الجنوب خاصة في الصين وجنوب شرق آسيا ...في مقابل ارتفاع مستوى الناتج الوطني الخام والاستثمارات المباشرة في الخارج في دول الشمال خاصة دول أوربا الغربية وأمريكا الشمالية .
◄ كل هذا يبرز عدم التكافؤ بين دول الشمال والجنوب في مظاهر متعددة: ديمغرافية واقتصادية واجتماعية .
للضعيف, وهكذا فإذا كان النرويج يحتل الرتبة العالمية الأولى بقيمة IDH 0,963 فإن المغرب يأتي في الرتبة 124 عالميا بقيمة IDH 0,631 ,
3 ــ تنوع استراتيجيات ومقاربات التنمية:
1 ــ استراتيجيات التنمية:
* اقتصاد ممركز على الذات : متأثر بالنظام الاشتراكي سابقا . من مميزاته: الاعتماد على الموارد المحلية والتركيز على السوق الداخلية مما ترتب عنه تأخر تكنولوجي . ومن الدول التي نهجت هذه الإستراتيجية : الصــين ( ماو تسي طونغ) والجزائر (بومدين )
* اقتصاد منفتح : اتجه نحو التصنيع وذلك بتنمية الصادرات مع الاعتماد على صناعات تشغل يد عاملة ، ولا تتطلب استثمارات مهمة، وكذا تطوير صناعات السفن والسيارات والتجهيز ...مما ساهم في دعم الانفتاح والارتباط بالطلب الخارجي .وتمثل دول التنينات بالشرق الأقصى نموذجا في تطبيق هذه الإستراتيجية .
ب ــ المداخل الأساسية للتنمية :
المدخل الاقتصادي
ـ تعديل أنماط الإنتاج والاستهلاك
ـ حل مشكلة المديونية في الدول الفقيرة
ـ دعم الأنشطة الاقتصادية في المدن والأرياف والرفع من الدخل
ـ محاربة الفقر والجوع...
المدخل السياسي الاجتماعي
ـ العدالة بين الفئات الاج والنوع الاجتماعي والمناطق (جغرافية تكافؤ الفرص )
ـ تعميم التعليم ومحو الأمية
ـ توسيع فرص تشغيل الشباب
ـ الرعاية الصحية
ـ ضمان حقوق الإنسان
ـ الحكامة (الإدارة الفعالة )
المدخل البيئي

ـ الحق في الماء النظيف
ـ حماية الهواء من التلوث
ـ المحافظة على الموارد البحرية والتنوع البيولوجي
ـ الحق في الاستفادة من الطاقة
- محاربة التصحر
◄ نظرا لعلاقة الترابط والتكامل بين مختلف هذه المقاربات ، لا يمكن الاعتماد على مقاربة واحدة في معالجة التنمية. ومن هنا تكمن أهمية استحضار جميع الأبعاد: الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية في إطار المقاربة النسقية.
وتعتبر الحكامة الجيدة آلية فعالة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة .

2 ــ العوامل المتحكمة في تباين مستويات التنمية البشرية عالميا :

أ تفسير نظري عام :
* تفسير ذو أساس طبيعي (المناخ): ينطلق من موقع الدول في طريق النمو في المنطقة الحارة (البيمدارية ) مقابل موقع الدول المتقدمة في البيئات المعتدلة.
* تفسير ليبرالي (روستوف) : يرتبط بضرورة المرور من مراحل النمو الاقتصادي ويربط التخلف بأسباب داخلية (عقليات قديمة،ضعف الادخار والاستثمار المنتج...)
* تفسير ماركسي (سمير أمين ): يرجع تخلف بعض البلدان إلى تقدم بلدان أخرى، ومسؤولية التبادل اللامتكافئ الموروث عن الاستعمار، وبالتالي فالتخلف ناتج عن عوامل خارجية .
* تفسير جغرافي ( للجغرافيين ): يؤكد على ارتباط التخلف بعوامل داخلية وخارجية في آن واحد .
ب ــ تفسير خاص بمستوى التنمية بدول الجنوب (مثال العالم العربي ):
* تؤثر مجموعة من العوامل على التنمية البشرية في البلدان العربية ، من أهمها : ارتفاع معدل الخصوبة ، وبالتالي نسبة الفتوة، مما يطرح عبئا إضافيا على الاقتصادات العربية في مجالات متعددة : التشغيل ، التعليم، الصحة، السكن، بالإضافة إلى ذلك ارتباط الزراعة العربية بالظروف المناخية والبيئية والموارد المائية حيث يؤد ي عدم ملائمة المناخ في بعض الدول العربية إلى انخفاض إنتاج أهم المحاصيل الزراعية خاصة الحبوب، البذورالزيتية....)
* من بين العوامل المساهمة في تأخر التنمية البشرية في البلدان العربية: ضعف حرية الرأي والمساءلة، كفاءة الحكومات، الجودة التنظيمية، وكذا انعدام الاستقرار السياسي في بعض البلدان العربية ( فلسطين، لبنان، العراق..) بالإضافة إلى ذلك غياب حكم القانون وضبط الفساد .
◄ لهذا تختلف وضعية الحقوق السياسية للإنسان في العالم العربي مقارنة مع دول الشمال حيث يلاحظ ضعف تلك الحقوق وانعدامها في بعض البلدان العربية.
خا تمة : يتجلى التفاوت وعدم التكافؤ بين دول الشمال والجنوب في مظاهر متعددة : ديموغرافية، اقتصادية، اجتماعية، سياسية، بيئية.... مما يطرح مشاكل مختلفة في بلدان الجنوب .لذلك تلجأ هذه البلدان إلى استراتيجيات للتنمية باختلاف توجهات كل منها.