موسم سقوط التلميذات


ذ. الكبير الداديسي
يعد ميدان التعليم الثانوي التأهيلي ميدانا خصبا للدراسة والتحليل ، لأنه يضم فئة عمرية حرجة تشكل مرحلة انتقال بين الطفولة والشباب وما يرافقها من تحولات جسمية عقلية وفكرية ، ورغبة في إثبات الذات وإثارة انتباه الآخرين وغيرها من السمات التي تميز مرحلة المراهقة ... لكن أهم ما يلفت النظر (وأنطلق هنا من الثانوية التأهيلية التي أعمل بها) هو كثرة حالات سقوط الفتيات في نوبات صرع وهيستيريا يوميا ،قد تصل الحالات في بعض الأيام إلى عشر حالات وأكثر في اليوم الواحد . ومن خلال الحالات التي ترد على مركز الإنصات التي أشرف عليه بالثانوية يتضح أن هذه الظاهرة تكاد ترتبط بشهر مارس أكثر من غيره من الشهور ، كما تقتصر على الفتيات دون الذكور، فما أن تبدأ الطبيعة في الكشف عن مفاتنها ، ويبدأ الجو بالتخلص من زمهرير الشتاء وبرده القارس ،وينطلق موسم التزاوج عند الطيور والنباتات ... حتى ينعكس كل ذالك على التلاميذ فتبدأ الفتيات في كشف مفاتنهن التي ظلت مستورة طيلة فصل الشتاء ، مع هذه التحولات المناخية كان من المنتظر تشع الحيوية في الأبدان والعقول ... لكن الغريب هو هذا السقوط الجماعي في صفوف التلميذات المراهقات في أقسام الثانوية وساحتها ، مما جعل من سيارة الإسعاف، في هذا الشهر، زائرا مألوفا بالثانوية ، قد يعتقد المعظم أن الظاهرة خاصة بمدينة آسفي ، وقد يحاول أخرون ربطها ببعض الخصائص التي تميز مدينة آسفي خاصة التلوث،أو ببعض خصائص العصر ( الضعظ ) ومنهم من يربط ذلك بقوى غيبية فيرى فيه ضربا من المس والجن ، لذلك يسارع عدد من أساتذة التربية الإسلامية أو غيرهم ممن يعرفون بحملة القرآن لقراءة بعض آيات القرآن الكريم على الحالة ، وربما حاول بعض التلاميذ تقليد أساتذتهم مقتنعين أن الفتيات يعانين الصرع محاولين عبثا طرد جنون من الأبدان الناعمة ، لكن الحالة التي تناقلتها وسائل الإعلام والتي شهدت سقوط عدة فتيات مع بداية شهر مارس في ثانوية الشهيد أحمد كتروسي بولاية شلف في الجزائر بينت أن الظاهرة تكاد تكون عامة على الأقل في محيطنا الإقليمي والقومي وإن اختلفت النسب حسب المدن وحسب الثانويات داخل المدينة الواحدة .
وقد يدعي البعض أن هذه النوبات مجرد نوع من الدلع والغنج ، تقوم به بعض الفتيات لإثارة الانتباه أو كسب عطف الآخرين ، و قد يتهم آخرون هؤلاء الفتيات بتمثيل هذه الأدوار رغبة في تضييع حصة دراسية أو تخلصا من فرض لم يتمكنن من الإعداد له جيدا ، وقد يقسو أخرون عليهن وبدعي أنهن يفعلن ذلك من أجل أن يحملهن ويلامس جسدهن زملاءهن من الذكور ...
لكن من خلال 219 حالة التي وردت علينا في مركز الإنصات الموسم الماضي تبين أن التلميذات يشكلن أزيد من 2/3 من الحالات ، ومادام المركز لا يفتح أبوابه إلا حصة أوحصتين في الأسبوع تطوعا خارج أوقات العمل، فأكيد أن أضعاف هذا الرقم من الحالات لم ترد على المركز .

ليبقى السؤال إذن هو لماذا الفتيات دون الفتيان ؟؟ ولماذا ينطلق موسم السقوط مع بداية شهرمارس ؟؟
من خلال النقاش مع الطبيب النفساني والمعالج النفساني اللذين ينسق معهما مركز الإنصات ويرسل لهما الحالات المستعصية أكدا معا أن الظاهرة تكاد ترتبط بالضغط واقتراب مواعد الامتحانات ينضاف إلى ذلك ما تعانيه الفتيات فهن وإن بدين للبعض طائشات يعانين من مشاكل، ويعشن أوضاعا قد لا تخطر لعاقل على بال ، وفعلا استقبل مركز الإنصات فتيات قاصرات معظمهن ضحايا لأناس بالغين ، فمنهن المغتصبات ومنهن المتحرش بهن من قبل من يفترض به تمثيل القدوة للمراهق ،بل منهمن الحامل والأم العازبة ... ، ناهيك عن من تعيش ظروفا اجتماعية واقتصادية تحطم أحلام المراهق الحالم ...
كما تبين لنا من خلال الحالات وجود فتيات تسقط مرة واحدة فقط، وبالتالي تشكل حالة عابرة وغير متكررة ، ومنهن من تعاودها السقطة مرات متعددة ، ومع ذلك فكلهن يتشابهن في فقدان الوعى وما قد يرافقه من تشنجات مختلفة وفقا للحالة وقد تحدث تقلصات تتبعها رجفان شامل لكل عضلات الجسم فترى الفتاة واقفة أو جالسة سرعان ما تهوي غير آبهة بمن حولها ، مم الإشارة إلى أن معظم الحالات تقع في القسم دون الساحة ، ليتطوع عدد من التلاميذ لحملها في انتظار وصول سيارة الإسعاف.. أن لم تعد الفتاة لوعيه في الطريق أو في انتظار الإسعاف
يبقى هذا مجرد وصف للحالات وملاحظات أوليها نقدمها للقارئ مع التنصيص على أن الظاهرة في حاجة لمعالجة المتخصصين من علماء النفس والاجتماع في أفق إيجاد الحلول الكفيلة لاحتضان التلاميذ ومعالجة المصابين منهم