[
قرار شجاع يستحق التنويه أم خطأ يجب العدول عنه؟؟
ذ. الكبير الداديسي
راج في الوسط الإعلامي المحلي والوطني وعلى صفحات التواصل الاجتماعي مؤخرا خبر قرار اتخذته اللجنة البيداغوجية بالكلية متعددة التخصصات بآسفي ترفض من خلاله  تسليم إجازة اللغة العربية لحاملي شهادة الباكالوريا علوم. وقد تضرر من القرار عدد من الطلبة الذين وجدوا أنفسهم بعد أن  قضوا ثلاث سنوات من حياتهم هباء محرومون من شهاداتهم، اجتهدوا وحصلوا على شهادة الباكالوريا في شعب علمية متنوعة ، واختاروا شعبة اللغة العربية في الدراسات الجامعية لغرض في نفس يعقوب، وبعد إنهائهم للدراسة الجامعية يفاجؤون بهذا القرار الذي يمنعهم من تسلم شهادة الإجازة في الشعبة التي اختاروها . اليوم نحن لن نكتفي بالخبر ولكن سنجعل منه قضية للنقاش من خلال مقاربة الأسئلة التالية: لماذا أصبح طلبتنا يختارون شعبا غير شعب تخصصهم؟؟ وهل قرار اللجنة البيداغوجية لشعبة اللغة العربية قرار جريء  يجب على كل الكليات الحدو حدوه؟  أم هل هو قرار خاطىء يحب التراجع عنه وتحذير الكليات الأخرى من  تقليده؟؟ ولماذا شعبة اللغة العربية دون غيرها ؟؟
سبق أن كتبنا مقالات حول مشاكل التعليم وضعف مستوى تلاميذ الشعب الأدبية بالمغرب، واستهداف الدولة لهذه الشعب بتشجيع الشعب العلمية، والاقتصار على توجيه التلاميذ ذووا المعدلات الدنيا نحو هذه الشعب الأدبية مما جعلها شعبا في طريق الانقراض، ولعل هذا ما جعل الشعب الأدبية مستصغرة  لدرجة أن الكل غدا يعتقد أن بإمكانه متابعة دراساته العليا أدبيا، حتى وإن لم يسبق له معرفة ما هو الأدب ؟؟ من هذه الزاوية يبدو قرار رفض تسليم إجازة اللغة العربية لحاملي باكالوريا علمية منطقيا إذ لا يعقل لطالب لم يسبق له معرفة الحد الأدنى في الشعب الأدبية ، ولا يميز بين العصور الأدبية ، ولا بين الأجناس الأدبية ، كما لا يميز بين النقد والإبداع، ولا يفقه شيئا في علم العروض والبلاغة وتحليل الخطاب الشعري والروائي  .... أن يلج شعبة لها تخصصها، ويحصل على إجازتها وغداً يخرج إلى الشارع ويطالب بامتهان تدريس مادة لا يعرف أبجدياتها ، من هذه الزاوية يعد القرار جريئا وشجاعا ومن المفروض على كل الكليات الحدو حدوه وتستحق شعبة اللغة العربية بكلية آسفي التنويه على جرأتها، فكما يمنع تلاميذ الشعب الأدبية من ولوج كليات الهندسة والطب والكليات العلمية يجب منع الحاصلين على باكالوريا علوم من التسجيل في الشعب الأدبية احتراما للتخصصات..
لكن بالقدر الذي يبدو القرار منطقيا ، فإنه يتضمن أيضا تعسفا وظلما لعدد من الطلبة لم يرتكبوا أي جرم سوى أنهم اختاروا طريقا اعتقدوه سالكا وسهلا مقارنة مع الشعب التي يفترض أنها تخصصهم، ليستيقظوا على فاجعة سرقة ثلاث سنوات من مسيرتهم الدراسية دون سابق إنذار من مؤسسة  يفترض فيها أن تكون هي المسؤولة عن حماية حقوق الطلبة، فبعدما تسجلوا ، طالعوا، واظبوا ونجحوا يحرمون من شواهدهم ،  وفي ذلك خطأ إداري ، وعلى الإدارة تحمل مسؤوليتها، إذ كان من المفروض عدم السماح لهم بالتسجيل منذ البداية وكان يفترض أن يكون من شروط التسجيل بالشعبة : (على الطالب أن يكون حاصلا على باكالوريا أدب ،علوم إنسانية، أصيل...) ، فمن غير المقبول أن تسمح لهم الإدارة بالتسجيل وبمواصلة الدراسة لمدة ثلاث سنوات ، لتلقي بالمسؤولية في الأخير على عاتق الطلبة لأنهم( سجلوا أنفسهم في شعبة أدبية بينما هم من أصحاب الباكالوريا العلمية ) وتبرر عدم رفضها لتسجيلهم بحجة ( كثرة الطلبة المسجلين وأنها لا يمكنها التأكد من ملفات التسجيل جميعها خلال فترة التسجيل) على حد تعبير نائب عميد الكلية...
إن مثل هذه المشاكل نتائج طبيعية، لسياسة تعليمية ارتجالية، ضحيتها الأولى والأخيرة أجيال من أبناء المغاربة الذين يجدون أنفسهم بعد حوالي 12 سنة من التعليم بالعربية مجبرين على اقتحام تجربة جديدة بلغة لا يتقنونها ، والكثير منهم لا يفهمها ، وبعد قطع نصف المشوار يجد الطالب نفسه في نقطة الانطلاق ، ويكون مجبرا على التخلي عن لغة رافقته طيلة تعليمه الأولي ،الابتدائي ،الإعدادي والثانوي ، واقتحام تجربة جديدة محورها اللغة الفرنسية ... ولعل هذا هو السر في توجه عدد من حاملي الباكلوريا علمية نحو شعب اللغة العربية، التاريخ ،الجغرافية، الإسلاميات ... ليس حبا في سواد عيون هذه المواد وهو المقتنع سلفا أنها لا تخرج إلا العاطلين، ولكن الاختيار يتحكم فيه سبب رئيسي هو الهروب من الفرنسية ومن لغة تدريس لا يتقنها ولا يفهمها ويجد صعوبة في التواصل بها. فكان هؤلاء الطلبة كالمستجير من النار بالرمضاء..  
اليوم وقعت الفأس في الرأس ونحن أمام واقعة يتداخل فيها القانوني بالتربوي بالإنساني فالقانون يحدد المسالك الدراسية وتخصصاتها ومساراتها، بينما التربية والإنسانية تحتمان إيجاد  الحلول المناسب  لناشئتنا خاصة وأن المتضررين يرددون أن عددا من حاملي الباكالوريا من شعب علمية سبق لهم متابعة دراساتهم العليا بالكليات الأدبية وتخرجوا فيها وحصلوا على شهاداتها، بل ويؤكدون أن هذا المشكل مطروح في كلية آسفي دون غيرها من الكليات...