المجزوءة 1 : الوحدة2
التحولات الاقتصادية و المالية و الاجتماعية و الفكرية
في العالم في القرن 19
ذة.أسماء حميحم
مقدمة :
مهدت التحولات الاقتصادية و التقنية و الاجتماعية التي شهدتها أوروبا الغربية خلال القرن 18 لحدوث تحولات أعمق و أوسع في القرن 19 في أوروبا و أمريكا الشمالية. مما ساهم في تطور النظام الرأسمالي، وبالتالي حدوث تغير كبير في البنيات الاجتماعية و ظهور مذاهب فكرية جديدة.
ما هي التحولات التي عرفها الاقتصاد الرأسمالي خلال القرن19 ؟
ما هي التحولات الاجتماعية التي رافقت تطور الرأسمالية ؟
و ما هي المذاهب الفكرية التي أثرت على التطور الاقتصاد ي و الاجتماعي للنظام الرأسمالي خلال القرن 19 م؟

مظاهر التحولات الاقتصادية و المالية في العالم الرأسمالي خلال القرن 19I
1 بعض مظاهر التحول في النظام الرأسمالي خلال القرن 19
ا) المجال الصناعي:

شهدت أوروبا الغربية خلال القرن 19 و مطلع القرن20 ثورات صناعية مهمة:
ــ الثورة الأولى(1760-1850) ــ الثورة الثانية (1850-1890) ــ الثورة الثالثة(1890-1930)
ــ اعتمدت الصناعة خلالها على الآلة و الطاقة المحركة المستمدة من الفحم الحجري و من الكهرباء ثم من النفط. ولعل أهم ما ميز النشاط الصناعي هو ارتفاع الإنتاج و تنوعه(الصناعات الحديدية، الفولاذ، الصناعات الكهربائية، والكيماوية و صناعة الآلات... ) و الاتجاه نحو التمركز. فظهرت المصانع الكبرى التي استفادت من اتساع المكننة والاختراعات التقنية و تقدم العلوم، بالإضافة إلى ذلك توظيف رؤوس الأموال بشكل كبير في الصناعة و ذلك لتحقيق أرباح مهمة.
ب ) المجال الفلاحي:




















ج) المجال التجاري:
ــ عرفت التجارة الأوروبية حيوية كبيرة خلال القرن 19 و قد أدى التوسع المتواصل للمبادلات التجارية العالمية إلى خلق سوق عالمية موحدة ( توحيد الأسعار)، استفادت من قرار نظام التبادل الحر، فازداد التنافس التجاري بين الدول الرأسمالية حول الحصول على أسواق خارجية في كل مناطق العالم .
ــ كما ازدهرت التجارة الداخلية بفضل المتاجر الكبرى و الطرق العصرية للبيع عن طريق تحديد و تسجيل الأسعار و الإشهار.

2) العوامل المتحكمة في التحولات الاقتصادية المعززة للرأسمالية :
ا) التقدم التقني و العلمي:
ــ شهد العالم الرأسمالي ميلاد العديد من الاختراعات التقنية و العلمية أهمها: الآلة الحاصدة(1834م) التلغراف (1844م) الألمنيوم(1855م) المصباح الكهربائي(1879م) الطائرة البخارية (1890م).....
مما ساهم في تطور الصناعة و الفلاحة و التجارة ووسائل المواصلات و الاتصال. و كان لتقدم العلوم دور كبير في تنوع الاختراعات خاصة علم الكيمياء.
ــ استفادت الصناعة من إدخال طريقة بيسمر وذلك بإنتاج الفولاذ بأقل تكلفة بعد بإزالة الشوائب الحديدية ، كما كان للآلة البخارية و تعميم استعمالها في مختلف الأنشطة الاقتصادية دور في ارتفاع الإنتاج و تحسين سرعة وسائل المواصلات .
ب) دور العامل التنظيمي في التحولات الاقتصادية :
ــ اعتمد النظام الاقتصادي الليبرالي خلال القرن19 على عدة أسس و مبادئ أهمها: تقديس حرية الملكية الفردية وحرية ممارسة مختلف الأنشطة الاقتصادية و رفض تدخل الدولة في توجيه الاقتصاد و ذلك بالاعتماد على قانون العرض و الطلب. مما ساهم في احتدام المنافسة بين المؤسسات الإنتاجية و ذلك بهدف تحقيق أرباح مهمة.
ــ حدث تحول هام في الصناعة حيث حل المصنع العصري محل الورشة كإطار جديد للإنتاج. مما استلزم الاهتمام بأساليب تنظيم العمل و توزيع تخصصي للمهام حسب درجة التأهيل المهني.
ــ انتقل النظام الرأسمالي تدريجيا من نظام المنافسة الحرة إلى نظام احتكاري تهيمن فيه شركات ضخمة قليلة العدد واتخذ التركيز الرأسمالي عدة أشكال من بينها:
* تركيز أفقي: اندماج مؤسسات لها نفس الاختصاص داخل مؤسسة واحدة كاندماج مجموعة من معامل النسيج
* تركيز عمودي: انضمام مجموعة من وحدات إنتاج متكاملة فيما بينها ليكون إنتاج كل واحدة منها مادة أولية أو وسطية للموالية.
* شركات عملاقة: تضم عددا كبيرا من المؤسسات و تتحكم في الأسعار نظرا لقوتها المالية.

ج) تطور وسائل المواصلات :
ــ كان لانتشار السكة الحديدية دور كبير في انخفاض كلفة النقل و نمو المبادلات التجارية و ذلك برواج المنتجات الفلاحية والصناعية و المعادن و خروج عدة مناطق من عزلتها و ازدهار صناعة التعدين نظرا لتزايد الطلب على السكك الحديدية والقطارات و القاطرات .
ــ كما شهد النقل البحري تطورا ملحوظا تجلى في خطوط بحرية منتظمة و استعمال السفن البخارية. مما ساهم في ظهور موانئ كبرى كنيويورك و هامبورغ و ليفربول و لوها فر، وبالتالي ازدهار المبادلات التجارية الدولية .

3) دور بعض الفاعلين الجدد في تنشيط الرأسمالية خلال القرن 19 م.
ــ الشركات المجهولة الاسم: اختص بعضها في الإيداع و تقديم العروض القصيرة أو المتوسطة الأمد. كما روجت أسهمها في أسواق القيم (البورصة). ووظف البعض الآخر رؤوس أمواله في المؤسسات الصناعية و التجارية مما أدى إلى تنشيط وتقوية الحركة الاقتصادية.
ــ المقاولات الكبرى: هيمنت البورجوازية على الاقتصاد بواسطة استثمار أموالها في الصناعة، فتراكمت لديها أرباح طائلة وظفتها في عالم الأعمال و المال و السياسة. فامتلكت بذلك مقاولات كبرى لعبت دورا في تطوير الاقتصاد الرأسمالي.
ــ الأبناك: أصبحت تساهم مباشرة في الاستثمار الاقتصادي، و اتجهت إلى توظيف جزء كبير من رأسمالها في الصناعة. فالرأسمال المالي الذي كانت تملكه الأبناك، أضحى رهن إشارة رجال الصناعة، لتتحكم بذلك في النظام الرأسمالي خلال القرن 19 م.
ــ و رغم التطور الذي عرفه العالم الرأسمالي خلال القرن 19 م إلا انه شهد أزمات اقتصادية دورية ارتبطت بفائض الإنتاج، حيث كان يعجز الرأسماليون عن تصريف إنتاجهم، فيضطرون إلى تخفيض الأثمان ثم إلى تخفيض الإنتاج نفسه. و كانت تلك الأزمات سريعة الانتشار. فهي تنتقل من قطاع اقتصادي إلى آخر و من بلد لآخر. مما ساهم في تراجع الأنشطة الصناعية و المالية و انخفاض الأرباح و انتشار البطالة، و هذا ما جعل البلدان الرأسمالية تعجل بعودة الحمائية .

) التحولات الاجتماعية للعالم الرأسمالي خلال القرن19 م:II

1) النمو الديمغرافي و الحضري في العالم الرأسمالي :
ـ ارتفعت وتيرة النمو الديمغرافي بأوروبا حيث تضاعف عدد سكانها، و ذلك راجع إلى: انخفاض عدد الوفيات وارتفاع معدلات الولادات بسبب تحسن مستوى المعيشة و الإنتاج الفلاحي و التغذية ،إضافة إلى تقدم الطب و أساليب الوقاية في التخفيف من انتشار المجاعات و الأوبئة.
- كما ارتفع عدد سكان المدن و ظهرت تجمعات حضرية كبرى في البلدان الرأسمالية (لندن، نيويورك، باريس، برلين) نظرا للهجرة القروية بفعل نمو الصناعات بالمدينة و استقطابها لليد العاملة و كذا فقدان صغار الفلاحين لأراضيهم في ظل الثورة الفلاحية.كما امتدت الهجرة الأوروبية إلى بلدان خارج أوروبا نتيجة تطور المواصلات واحتدام الأزمات الاقتصادية .
2) ــ البنية الاجتماعية بأوروبا :
أحدثت التحولات الاقتصادية تحولا كبيرا في المجتمع الرأسمالي الذي تكون من ثلاث طبقات كبرى:
ــ الأرستقراطية :حافظت بعض الأسر الأرستقراطية على مكانتها الاجتماعية خلال القرن 19 م، بفضل تكيفها السريع مع الأساليب الرأسمالية، و مساهمتها في بعض الأنشطة الاقتصادية و المالية، و اعتمادها على الريع العقاري.
ــ البورجوازية: اغتنت ووسعت نشاطاتها الاقتصادية و الصناعية و التجارية و البنكية......فراكمت بذلك أرباحا طائلة .
ــ الطبقة العاملة: عانت من العمل المرهق و الفقر و ضعف الأجور، وشكل القرويون و النساء و الأطفال نسبة هامة من اليد العاملة ،و التي تم تأطيرها من طرف عمال مؤهلين.

) ظهور الفكر الاشتراكي و الحركة النقابية :III
1) أصل بروز الفكر الاشتراكي الحديث و فروعه:
ــ ظهر الفكر الاشتراكي خلال ق 19 م كرد فعل على الاستغلال الذي تعرضت له الطبقة العاملة في ظل الثورة الصناعية، منتقدا بذلك الأسس التي بنيت عليها ليبرالية القرن 19 م:حرية المبادرة، المنافسة، الملكية الفردية .
تعددت تيارات المذهب الاشتراكي، و من أهمها :
ــ الاشتراكية الطوباوية: تيار خيالي مثالي من أهم رواده: سان سيمون، شارل فوريي، رو بيرأوين ،تميزوا بنزعتهم الإنسانية و دعوا إلى الانتقال من الرأسمالية إلى نظام ا اجتماعي تتعزز فيه الملكية العامة، و يسود خلاله العمل الجماعي. مما سيحول العمل إلى مصدر للمتعة، و بالتالي القضاء على الفقر و الاستغلال.
ــ الاشتراكية الفوضوية : دعت إلى الإيمان بالثورة من أجل التغيير مع إلغاء دور الدولة، وتعويضها بالجماعات التي تشكل فيدرالية ،من أهم منظريها الفرنسي برودون والروسي باكونين.
ــ الاشتراكية العلمية: رائداها كارل ماركس و فريدريك انجلز قدما تحليلا علميا للمجتمع الرأسمالي ،و اعتبرا تاريخ المجتمعات قائما على أساس الصراع الطبقي. و بهذا فان المجتمع الصناعي منقسم إلى طبقتين كبيرتين متعارضتين هما: البورجوازية و البروليتاريا .

2) نشوء و تطور الحركة العمالية و التنظيم النقابي في البلدان الرأسمالية خلال القرن 19 م :
ــ ظهرت النقابات الأولى بانجلترا باعتبارها مهد الثورة الصناعية، فتكاثر عدد التنظيمات النقابية في الدول الرأسمالية ،وارتفع عدد المنخرطين فيها. و قد استهدفت تحسين أوضاع العمال و ضمان حقوقهم قانونيا و ماديا.
ــ نتج عن الكفاح النقابي صدور تشريعات لصالح العمال من أهمها :
*تحديد ساعات العمل اليومية إلى 9 أو 10 ساعات.
* اعتبار العطلة الأسبوعية إجبارية خاصة في فرنسا منذ 1907.
* تخليد عيد الشغل في فاتح ماي من كل سنة .
* الاعتراف بحق تأسيس النقابات و حق خوض الإضرابات.
* وضع قوانين للحماية من حوادث الشغل و المرض...

خاتمة:
عرفت أوروبا خلال القرن 19 م تحولات اقتصادية و مالية و اجتماعية، و التي استفادت منها الطبقة البرجوازية مراكمة بذلك الثروات و الأموال. في مقابل تضرر الطبقة العاملة ،التي انخرطت في العمل النقابي، فانتزعت العديد من المكتسبات بفضل نضالاتها المستمرة.

مفاهيم ومصطلحات :

ــ نظام استراحة الأرض: نظام لاستغلال الملكيات الزراعية بإتباع أسلوب راحة الأرض لاسترجاع مقوماتها العضوية التي استنزفت بفعل الاستعمال المكثف للتربة. و قد تدوم مدة الإراحة أكثر من موسمين فلاحيين .
ــ نظام التناوب الزراعي ( الدورة الزراعية): نظام لاستغلال الأرض في إطار توزيع الاستغلالية إلى التخصص في منتوج معين خلال موسم فلاحي، و يتم استبداله في الموسم اللاحق لتفادي إنهاك التربة .
ــ الشركات المجهولة الاسم ( شركات الأسهم):عبارة عن مجموعة تجارية أو صناعية يملك كل مساهم فيها جزءا من رأسمالها في شكل أسهم، و يتقاضى نصيبا عليها سنويا.
ــ السهم: وثيقة مالية تشهد لحاملها على ملكية جزء من رأسمال شركة ما، تتحدد قيمته في البورصة .
ــ البورصة : سوق مالية تعرض فيها أسهم الشركات للتداول، و على أساس حجم الرواج تتحدد أسعار الأسهم.