مجزوءة الفلسفة

نشأة الفلسفة
معنى الفلسفة.

المعنى التداولي: كان للفلسفة عبر تاريخها تعريفات وتصورات متعددة، اختلفت في تحديد معناها، و أغلب الشائع من تلك التصورات، قدح وتنقيص من قيمتها وأهميتها، من قبيل أنها ضرب من الزندقة والكفر والإلحاد، تعمل على ترسيخ فكرة نكران الله وعدم الاعتراف بالدين، وأنها كلام فارغ لا طائل منه سوى مضيعة الوقت...
المعنى اللغوي: كلمة الفلسفة كلمة يونانية الأصل (Philosophia) وتتكون من مقطعين (فيلو Philos: محب أو محبة / صوفيا Sophia أي الحكمة، وبذلك كلمة (فيلوصوفيا) تعنى (محبة الحكمة). وليس المقصود بالحكمة هنا سداد الرأي وكيفية التدبير، فقط، وإنما المعرفة والنظر في المسائل الكبرى للكون بقصد الوصول إلى عللها ومبادئها.
الفلسفة إذن هي العلم الكلي الذي يبحث في أصول وغايات الكون والطبيعة والإنسان، وغاية هذا العلم النهائية كشف الحقيقة لذاتها. وبذلك كان فيثاغورس (572 _ 497ق.م) أول حكيم وصف نفسه من القدماء بأنه فيلسوف، وعرَّف الفلاسفة بأنهم الباحثون عن الحقيقة بتأمل الأشياء، فجعل حب الحكمة هو البحث عن الحقيقة، وجعل الحكمة هي المعرفة القائمة على التأمل.

أهمية الفلسفة للفرد.

- تعمل الفلسفة على إشباع رغبة الفرد للمعرفة والتأمل وحب الاستطلاع وذلك من خلال الإجابة على التساؤلات التي تدور في ذهنه مثل وجوده و معرفته وقيمه.
- تساعد الفلسفة الفرد، على مواجهة المشكلات ومحاولة البحث عن حلول لها ، وأيضا اكتساب الكثير من المهارات العقلية و توسع آفاق العقل.
- تساعد دراسة الفلسفة على التخلص من الجمود العقلي وذلك عن طريق:
* التعود بالتدريج على فحص آراء الآخرين.
*إعادة بناء معتقداتنا وآراءنا من جديد.
- تنمية وعي الإنسان من خلال دراسة المذاهب الفلسفية التي وضعها الفلاسفة لحل المشكلات التي تواجهنا في الحياة الإنسانية.
- إقامة الإيمان على أساس عقلي :
تبرهن الفلسفة أن تعاليم الوحي و وصايا الأنبياء، لا تتعارض بالضرورة، مع مبادئ العقل ، فالشرع في نظر ابن رشد ، يدعو إلى التدبر والتأمل في الموجودات باعتبار دلالتها على الخالق، وهذا بيِّن في غير ما آية من كتاب الله مثل قوله: ] فاعتبروا يا أولي الأبصار[ سورة الحشر، الآية 2.
- تنمية القدرة على فهم بعض القيم التي يتأسس عليها نمط التفكير الفلسفي، كالتسامح والسلم والعدالة الحق والتضامن وغيرها...
ومن أشهر الفلاسفة نذكر على سبيل المثال: الفيلسوف اليوناني سقراط، والفيلسوف العربي ابن رشد، والفيلسوف الفرنسي ديكارت.

نشأة الفلسفة.

إن رصد ميلاد الفلسفة، يستدعي الإجابة عن جملة من الأسئلة من قبيل: أين ظهرت الفلسفة؟ ومتى ظهرت؟ وما الشروط التي ساهمت في ظهور هذا النمط من التفكير وفي انتشاره؟
دأب العديد من مؤرخي الفلسفة على اختزال تاريخ الفلسفة الممتد عبر الزمان والمكان باليونان فقط، واعتبروا المنحى المعرفي في الحضارة اليونانية هو البادرة الأولى للمعرفة الفلسفية. لكن ما هي المبررات التي تدفعنا إلى قبول اليونان والفكر اليوناني كموطن أول للفلسفة؟
لقد حصل هناك إجماع من قبل جل المؤرخين على أن الفلسفة نشأت في إطار العقلانية اليونانية، رغم أن هذا الإجماع يتجنب الحديث عن أهمية الحضارات الشرقية القديمة، كالحضارة السومرية والبابلية والآشورية والمصرية... لكن ما مصير الفكر الذي بلورته هذه الحضارات القديمة؟
من الناحية التاريخية نستطيع القول بان التراث الفلسفي الوحيد والقديم الذي حفظه التاريخ بصورة كبيرة هو التراث اليوناني وبالأخص تراث أفلاطون وأرسطو، في حين أن تراث الحضارات الشرقية القديمة لم يبق منه إلا القليل، وما تبقى لا يكشف على أن النظريات التي تحملها ترقى إلى درجة الفكر اليوناني وهي تتوفر على مجموعة ميادين فكرية ( علوم – حكم- دين- هندسة- حساب...).
إذن لا يمكن الحديث تاريخيا عن وجود فلسفة سابقة للفلسفة اليونانية، فقط يمكننا أن نطرح افتراضات لا نستطيع فحصها وتحليلها خاصة وان هنالك الكثير من الصلات بين الفلسفة اليونانية ومعطيات الحضارة الشرقية القديمة.
و إذا سلمنا بأن ميلاد الفلسفة كان لدى اليونان، فهذا لا يعني امتياز الفكر اليوناني عن باقي الحضارات من الناحية العقلانية، أو إيمانا بعبقرية ومعجزة إغريقية، إنما القول بيونانية الفلسفة هو قول مشروط بجملة من الشروط التي ساهمت في ظهور هذا النمط من التفكير في هذه البلاد، أهي سياسية أم ثقافية أم اقتصادية أم هي جميعها؟
في البدء، أهم ما كان يميز التفكير اليوناني الذي سبق الفلسفة، أنه تفكير أسطوري، يعتمد على الملحمة الشعرية بالدرجة الأولى، إذ شكلت الأسطورة اليونانية القديمة مجموع اعتقادات وتصورات الإنسان لذاته، وللطبيعة وللكون، في شكل طقوسي يعتمد على حكي القصة الخيالية، ذات مضمون المعاناة والمغامرات والصراع بين الإنسان والقوى الإلهية وغيرها...
فخطاب الميثوس (الأسطورة) إذن، يتميز بكونه خطاب شفوي بالدرجة الأولى يؤثر في المستمع بطريقة سحرية مصدره الخيال، خال من كل معقولية برهانية سواء من حيث الشكل أو من حيث المضمون. ونذكر من أهم مخلفات الأسطورة اليونانية. "أصل الآلهة " ل"هِزْيُود" و "الإلياذة والأُوديسَّا" للشاعر الملحمي " هُوميروس".
إلا أن بلاد اليونان تفاعلت فيها مجموعة من الشروط أحدثت قطائع وتوترات داخلية في العالم الذهني للإغريق حسب تعبير "جون بيير فيرنان" إذ حدث هناك انتقال هام في التفكير من التقليد الشفوي إلى أنواع متعددة من الخطابات. ومن ضمن هذه الشروط ظهور الرياضيات، حيث تأثر الفكر الفلسفي بهذا التفكير إضافة إلى تأثره بمجموعة من العوامل الاقتصادية والسياسية.
فمن أبرز التحولات التي عرفتها بلاد اليونان والتي كانت من بين العوامل المؤثرة في إحداث قطيعة بين فكر الميتوس (الأسطورة)، وفكر اللوغوس (العقل)، مثلا ظهور العملة بدل المقايضة والتطور الملاحي والتجاري، ففي القرن: 6 (ق م) ظهرت أولى بوادر الحكمة مع طاليس، وفي القرن 7 (ق م) ظهر حدث هام تجلى في إصلاحات "كليسثين- Clisthène " الذي ارتكزعلى أول دستور حقيقي( قال عنه أرسطو : " لقد أعطى السلطة لكل الشعب") ، فبعدما كان المجتمع اليوناني " قبليا " مقسما على أربع قبائل رئيسية كبرى، لكل قبيلة جذرها الدموي (أصلها) قسم كليسثين هذا المجتمع إلى مدن ومناطق تقسيما إداريا مما ساهم في ظهور مصالح مشتركة بدل اهتمام كل قبيلة بمصالحها الداخلية، ولهذه المصالح أبعاد سياسية واجتماعية، وأسس هذا الإصلاح حسابات إدارية وظيفية، وعمل كليسثين على تعليق القانون العام الذي يحكم المدينة ليصبح علنيا ووضع الآلهة في الساحات العمومية بدل الأديرة ، كل هذه الإصلاحات ساهمت في ابتكار المؤسسات السياسية التي سميت بالمدينة الدولة(Polis) ونظمت الحياة الاجتماعية وبالتالي انتقلت هذه المدينة باليونان إلى ما هو تجريدي عوض ما هو محسوس.

لقد أبرز "جون بيير فيرنان" في كتابه "بين الأسطورة والسياسة" أنه مع ظهور المدينة ولأول مرة في تاريخ البشرية صارت القضايا المشتركة بين الناس غير خاضعة للحسم، وأن القرارات المتعلقة بالمصلحة العامة لا يمكن أن تتخذ إلا بعد نقاش وسجال علني مدعم ببراهين وحجج، وصار من حق كل مواطن من مواطني الدولة / المدينة أن يعبر عن آرائه في قضايا الشأن العام، ويشارك بصوته في الساحة العمومية التي كانت بمثابة جمعية عمومية ذات مهام تشريعية تسمى بالأغورا Agora التي شكلت مركزا إداريا ودينيا وتجاريا في الدولة المدينة. تتخذ فيها القرارات الأساسية في المجتمع الإغريقي القديم.
تعتبر نشأة الفلسفة إذن، حدثا تاريخيا يونانيا امتد من القرن السابع إلى القرن الرابع قبل الميلاد. وقد ارتبطت هذه النشأة بتفاعل مجموعة من الشروط الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية من أبرزها:
- ظهور خطاب جديد مكتوب ومنظم يعتمد على الحجة والبرهان (اللوغوس) بدل الكلام الشفوي الذي يعتمد على السرد الخيالي (الميتوس).
- ظهور نظام سياسي ديمقراطي هو نظام الدولة المدينة.
-الانتقال من مجتمع مشاعي قبلي إلى مجتمع عبودي طبقي ( عبيد تخصصوا في العمل اليدوي ≠أسياد أحرار تخصصوا في العمل الذهني).
-الانتقال من اقتصاد فلاحي إلى اقتصاد تجاري .
ظهور العملة بدل المقايضة والتطور الملاحي والتجاري.
- تطور العلوم خاصة الرياضيات و الفلك.

بداية فعل التفلسف عند اليونان

بعد إثبات تاريخية العقلانية اليونانية، لابد وأن نرصد المميزات التي اتصفت بها البدايات الأولى للقول الفلسفي عند اليونان، خاصة مع السابقين عن سقراط والذين يسمون بالحكماء الطبيعيين. وقد اشتهر "طاليس" بكونه أول حكيم يوناني فسر أصل الوجود بالماء، واعتبر الماء المبدأ الأول الذي تشكلت منه الطبيعة، ويبرز هذا من خلال قولته المشهورة " العالم يأتي من المحيط ويعود إلى المحيط" أي أن الماء أصل كل الأشياء. أما هيراقليطس فقال بأن أصل العالم نار واعتبر آخرون بان أصله هواء أو تراب، وبالتالي فإن العالم يحتوي على عناصر أربعة ( ماء- نار- هواء- تراب)، وهي علل مادية، أما أنكساغوراس فهو من اكتشف العلة المحركة وهي العقل.
تمكن طاليس من البرهنة بمجموعة من الحجج على أن أصل العالم ماء، لكن برهنته هاته لم تقنع أولئك الذين كانوا يستمعون إليه ويستفيدون من نظرياته وهم تلامذته، ومن بينهم أنكسمندر الذي كتب جوابا مخالفا لأستاذه طاليس يبرز موقفا مخالفا وهو أن ( أصل العالم اللامحدود)، أما أنكسِمانس فقال بأن ( أصل العالم هواء)، وبهذا فبدايات الحكمة سترسخ أن الفكر حوار وبرهنة وحجج .
لقد كان الفكر في مرحلته الأولى حكمة لأن الحكماء حاولوا النظر على الوجود نظرة كلية متكاملة وفسروا الوجود بعناصر من الوجود، وهي ( الماء – النار- التراب- الهواء). ونعت هؤلاء الحكماء أيضا بالطبيعيين لأنهم كما أشرنا فسروا الطبيعة بعناصر من الطبيعة. غير أن تفسيرهم هذا، وبحثهم عن المبدأ الأول، أي المبدأ المؤسس للوجود، أو أصل الوجود، لم يكن مجرد سرد خيالي أو كلام خرافي، وإنما هو حدس فلسفي جعل الفكر الإنساني يخطو نحو مسلمات تفسر أصل هذا الوجود أو الكل أو الطبيعة.
ومن أهم الحكماء السابقين عن سقراط نذكر: طاليس، أنكسِمندرس، أنكسِمانس، هيراقليدس، بارمنيدس، أنبادوقليدس، وأنكساغوراس. ويطلق عليهم " الحكماء السبعة ".
وفي القرن الرابع قبل الميلاد سيتم الانتقال من الحكمة إلى الفلسفة مع سقراط (468-399 ق م) الذي يرجع إليه الفضل في إرساء أسس التفكير الفلسفي القائم على الحوار التوليدي "المايوتيقا"، وسيليه تلميذه أفلاطون، ثم أرسطو وغيرهم..


محطات من تاريخ الفلسفة


تمهيد: لقد سلمنا سابقا بأن ميلاد الفلسفة كان مع بلاد اليونان، غير أن الفلسفة اليونانية لا تعتبر الشكل الوحيد الذي عرفه الفكر الفلسفي الإنساني، بل لقد تعاقبت عن الحضارة اليونانية بعد أفولها حضارات أخرى مثلت هي الأخرى محطات أساسية في تطور الفكر الفلسفي، فما هي هذه المحطات؟ وبماذا اتصفت وتميزت عن بعضها البعض؟

الفلسفة اليونانية:تبدأ الفلسفة عند اليونان مع الفلاسفة الطبيعيين الأوائل حوالي القرن السادس قبل الميلاد، وكانت فلسفتهم متجهة نحو تفسير الطبيعة والبحث عن المبدأ الأول، وبعدهم جاء فريق من الفلاسفة أطلق عليهم اسم " السفسطائيين" في القرن الخامس ق م. وعلى رأسهم جورجياس وبروتاغوراس وهيبياس.

برزت الحركة السفسطائية كحركة تعليمية لفن الخطابة، إذ عمل رجالها على تعليم تلامذتهم فنون النجاح السياسي مقابل أجور جد مرتفعة، مما لم يساعد العامة من الشباب على أن يتعلموا على أيدي السفسطائيين، وبالتالي اقتصر هذا النوع من التعليم على أبناء الطبقة الغنية (الأوليغارشية) على وجه الخصوص، كما كانوا يروجون لإيديولوجية الديمقراطيين بعد فوزهم في موقعة " سلاميس" 480 ق م. التي نشبت بين اليونان والفرس. غير أن أكثر ما يوجد في الكتب والمراجع، أن السفسطائيين كانوا مفسدين ومحطين للقيم والمثل العليا، لذلك عوملوا معاملة جد سيئة من أبرزها عمل الزعماء الكبار للقضاء على مواجهة الفكر السفسطائي، ونذكر على سبيل المثال مقتل الخطيب السفسطائي " هيبياس" إثر مؤامرة سياسية مدبرة من طرف الأوليغارشية، وبروتاغوراس الذي أحرقت كتبه في الساحة العمومية وأُريد قتله لولا هربه.
من بين الأفكار التي كان السفسطائيين يعملون على ترويجها؛ دعوة الإنسان إلى عدم قبول ما هو موجود من أجل الإرتقاء، كما أن الإنسان المبدع للقوانين والدساتير مطالب باستمرار بتنقيحها وتعديلها، وتجاوز الحيف والظلم ونشر المساواة بين المواطنين اليونانيين وغيرهم من الناس، وفي إطار هذه الحقيقة التي عمل السفسطائيون على إخراجها إلى أرض الواقع عن طريق التوعية، تمكنوا من كشف الغطاء عن قوانين الأوليغارشيين التي تخدم فقط مصلحتهم، وبالتالي فهذه القوانين ينبغي أن تخضع للتعديل مادام يشوبها نوع من الحيف لتحقيق المساواة بين الإنسان اليوناني وانه لا معنى للعبودية والرق.
هذه الحقيقة السفسطائية لم تكن لترضي الأوليغارشيين لأنها ليست في مصلحتهم، كما أحرجت الديمقراطيين الذين التحموا مع الأوليغارشية ضد السفسطائيين، وبالتالي سعوا إلى تشويه أفكارهم والتنكيل بهم .
سقراط: عاصر المرحلة السفسطائية، لكنه لم يخلف لنا آثارا مكتوبة نتعرف بواسطتها عليه، لكن نستطيع التعرف عليه من خلال تلميذه أفلاطون الذي يعترف أنه قضى معه عدة سنوات ويقول عنه " أجمل من رأيت وأعدل من رأيت ".
يعرف عن سقراط كثرة الحركة وعدم الاستقرار في مكان واحد، كان عمله هو توليد الأفكار، فهو يقول : أنا أمي مولدة، فهي تولد النساء وأنا أولد الرجال" وأسلوب التوليد هذا، كان يسمى ب " المايوتيقا". كما عرف عنه أنه ورث عن والده حرفة نحث التماثيل. وكان يرى أن القيم الحضارية لا ينبغي أن تكون غيبية، بل ينبغي أن تكون إنسانية مصدرها العقل، وكانت كل الأفكار التي يتوصل إليها يضعها موضع النقد والتساؤل مؤكدا أنه " كعامة الناس الذين لا يعرفون شيئا، وما يميزه عنهم أنه " يعرف أنه لا يعرف شيئا" ومعنى هذا أننا لا نملك حقائق مطلقة. لهذا كان سقراط لا يتعب من طرح الأسئلة وهذا أمر فيه نوع من الحيرة لذلك نجده يقول: "إن اللوم الذي يوجه إلي لوم عادل لأني إن كنت أحير الناس فإن بنفسي حيرة كبرى". وترتبط فلسفة سقراط بنظريته حول المعرفة، حيث كان يرى أن المعرفة لا تُلقن من شخص لآخر، بل تكون عن طريق الذات" أيها الإنسان اعرف نفسك بنفسك".
أفلاطون: ينتمي سقراط إلى أسرة أرستقراطية عريقة، تعرف على سقراط وأعجب به وبفلسفته، وظل مصاحبا له إلى أن حكم على سقراط بالإعدام سنة 399 ق م. أبدى أفلاطون رغبته في بناء مجتمع عادل من خلال محاورته " الجمهورية"، كما ميز في الوجود بين عالمين: عالم مثالي يتكون من أفكار مطلقة، وعالم مادي هو عالمنا المحسوس الوهمي المزيف. لذلك فالمعرفة عند أفلاطون ليست حسية، بل حدسية نصل إليها عن طريق الرؤية غير المباشرة وهي التي يسميها بالجدل. والجدل هنا يتحقق عبر الانتقال من المحسوس إلى المعقول، لأن المحسوس لا يمكن أن يزودنا إلا بمعارف ظنية.
أرسطو: ينحدر من أسرة ارستقراطية، التحق بأكاديمية أفلاطون، وهناك تعرف عليه، وكان أرسطو يقول بأنه يحب أستاذه لكنه يحب الحقيقة، ( قال: "أفلاطون عزيز علي لكن الحقيقة أعز منه" ). إن البحث عن الحقيقة أكثر هو شيء دفعه إلى التصدي للفلسفة الأفلاطونية. وتتميز الفلسفة الأرسطية بكونها فلسفة موسوعية، تتضمن إلى جانب الميتافيزيقا دراسات في الله والنفس والطبيعة وعلم الحياة والسياسة والشعر والمسرح والخطابة والمنطق.

الفلسفة الإسلامية:قامت الفلسفة العربية الإسلامية بعد أفول نجم الفلسفة اليونانية ودخول أوربا فترة القرون المظلمة، إذ تحول إشعاع الفكر من أوربا إلى بلاد المشرق، وقد تزامن ذلك مع ميلاد الدين الإسلامي ونزول القرآن الكريم سنة 610 م، والذي استمد منه الفيلسوف المسلم خطوط فكره وقضاياه، إلى جانب الترجمات التي عمل الحكام العرب على تشجيعها خاصة ترجمة كتب الأمم التي سبقت العرب في المدنية ولا سيما اليونان والهند وفارس. من طب وهندسة وفلسفة بفروعها المختلفة من طبيعيات وإلهيات ومنطق ونفس وسياسة وأخلاق، ولم يكتف الفلاسفة المسلمون بالترجمة فحسب بل بحثوا في الكتب المترجمة وعملوا على شرحها، وكانوا في طريقتهم متأثرين تأثرا عظيما بفلسفة أرسطو والأفلاطونية الحديثة. وأول من اشتهر من المسلمين بالفلسفة :
أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي: كان الكندي أول فيلسوف عربي مسلم، يعرف ب- "فيلسوف العرب". اشتغل في بداية حياته بالترجمة من اليونانية إلى العربية وبمراجعة ترجمات غيره. تأثر بالأفلاطونية المحدثة وبفلسفة أرسطو وبآرائه في المادة والصورة والزمان والمكان والحركة والعقل والنفس. مارس التأليف في علم الكلام على مذهب المعتزلة، و عالج موضوعات عديدة إلى جانب الفلسفة, كالطب والفلك والهندسة والموسيقى. انطلق الكندي ككل الفلاسفة المسلمين من إشكالية التوفيق بين العقل والنقل، من آثاره "إلهيات أرسطو", و "الأدوية المركبة", و"رسالة في الموسيقى".
أبو نصر الفارابي: يُعرف بالمعلم الثاني. ولد في مقاطعة فاراب من بلاد الترك سنة 261هـ، رحل إلى إيران فتعلّم اللغة الفارسية، وانتقلت به الأسفار إلى أن وصل إلى بغداد، فتعلّم فيها اللغة العربية، ودرس على أيدي كبار الأساتذة في مجال الفلسفة والمنطق وعلوم الطبيعة والرياضيات والموسيقى. تناول جميع كتب أرسطو، وسهر باستخراج معانيها، والوقوف على أغراضه فيها، وكان من أكبر فلاسفة المسلمين، ولـم يكن منهم من بلغ رتبته في فنونه، هو أوّل من حمل المنطق الصوري اليوناني تاماً منظماً إلى العرب، وكذلك هو أوّل المسلمين الذين عنوا عناية خاصة بقانون التناقض الذي يظهر به للعقل صدق قضية أو كذبها. كما حاول التوفيق بين الفلسفة والدين، من مؤلفاته : المدينة الفاضلة – تحصيل السعادة – كتاب الموسيقى الكبير ...
أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا: ملقب بالشيخ الرئيس، فيلسوف، طبيب وعالم، ومن عظام رجال الفكر في الإسلام ومن أشهر فلاسفة الشرق وأطبائه. غاية الفلسفة عنده معرفة الله، وهو يستعير من الفارابي برهان واجب الوجود لإثبات وجود الله ويفضله على برهان المحرك الأول لأرسطو. ترك ابن سينا مؤلفات متعدّدة شملت مختلف حقول المعرفة في عصره، وأهمها: الشفاء – النجاة –الإشارات والتنبيهات في الفلسفة – والقانون في الطب.
أبو الوليد محمد بن رشد: من أشهر فلاسفة الإسلام وأكثرهم أثرا في الفكر الأوربي والمسيحي، عاصر فترة من أرقى فترات الحضارة الإسلامية بالأندلس والمغرب الأقصى، زمن حكم دولة الموحدين، اشتغل ابن رشد بالقضاء وكان طبيبا في بلاط السلطان الموحدي، لقب بالشارح لشروحه على كتب أرسطو التي ترجمها وزاد عليها التعليق، حاول ابن رشد التوفيق بين الدين والفلسفة معتبرا إياهما أختان شقيقتان، فالحقيقة واحدة لا تتجزأ وإذا كانت الشريعة حقا وداعية إلى النظر المؤدي إلى معرفة الحق، فالنظر البرهاني أيضا لا يؤدي إلى مخالفة ما ورد به الشرع، فالحق لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد له.
نلاحظ أن كل الفلاسفة المسلمين الذين أوردناهم كنموذج للفلسفة العربية الإسلامية سواء بالمشرق أو المغرب، كلهم يعالجون من بين ما وقفوا عنده، إشكال العلاقة بين الفلسفة والدين، فكل واحد عمل جاهدا على إثبات التوافق والانسجام بين الفلسفة والشريعة ونفي الصراع والتضاد بينهما، لأن الشرع يدعو إلى الفلسفة . من هنا نلمس أن اهتمام الفلسفة العربية الإسلامية انصب على مسلة التوفيق بين الحكمة والشريعة بالأساس.

الفلسفة الحديثة:قامت الفلسفة الحديثة على تأسيس تصورات جديدة مخالفة للتوجه الذي سارت عليه الفلسفة اليونانية ولا الفلسفة الإسلامية، وقد ساهم في ميلاد هذا النوع الجديد من التفكير الفلسفي، النهضة التي عرفتها أوربا، وارتفاع الدعوات التحررية من سلطة الكنيسة، مع أهمية استعمال العقل وتحقيق الأنوار. وقد خلفت هذه الثورة الفكرية الجديدة فلاسفة أنداد، ساهموا في بناء منهج يستند إلى مجموعة من القواعد العقلية ( المنطقية والرياضية) تمكن الفلسفة، كعلم كلي، من اكتشاف معرفة يقينية لا يطالها الشك. ومن ابرز رواد الفلسفة الحديثة نذكر مثلا:
رينيه ديكارت: يعد ديكارت بحق أبو الفلسفة الحديثة، لأنه أول من استعمل العقل. عرفت فلسفته بعملية الشك التي قام بها من أجل الوصول إلى اليقين، وقد قدم حول ذلك مثال؛ أنه من أجل التعرف على التفاح الفاسد و الصالح لابد من إفراغ السلة بأكملها ثم يتم بعد ذلك ترتيبها بعد إزالة التفاح الفاسد. ومن جهة أخرى علينا لإفراغ أدمغتنا من كل الأفكار التي تعلمناها ثم إعادة ترتيبها من جديد بواسطة استعمالنا لهذا الشك المنهجي. وهو صاحب القولة الشهيرة " أنا أشك، أنا أفكر، إذن أنا موجود" ترك مجموعة من الكتب من أبرزها "مقال في المنهج" .
إذن الفلسفة الحديثة اهتمت بضرورة تأسيس طريقة جديدة تقوم على قواعد محددة لقيادة العقل وتعتمد على آليات لبناء المعرفة. ومن أبرز فلاسفة هذه الفترة، على جانب كل من ديكارت نجد اسبينوزا وكانط وهيجل وآخرون...

الفلسفة المعاصرة:ظهرت الفلسفة المعاصرة كاستمرارية للفلسفة الحديثة في الحضارة الغربية، لكن بمعطيات ومنطلقات مخالفة ومختلفة، أحيانا جاءت كرد فعل على الفلسفة العقلانية التي ميزت الفلسفة الحديثة، إذ ظهرت تيارات ومدارس فلسفية مختلفة نذكر على سبيل المثال: الفلسفة الوجودية التي تلح بشدة على إبعاد العقل عن الهيمنة على الإنسان، وتدعو إلى مبدأ حرية الإنسان، بحيث أنه حر في اختياراته وفي نفس الوقت مسؤول عن هذا الاختيار. ومن ابرز رواد هذا الاتجاه الفلسفي مؤسسه الفيلسوف الدانمركي "سورين كيركجارد" وغابرييل مارسيل و جون بول سارتر.
إلى جانب اهتمام الفلسفة المعاصرة بالإنسان، اهتمت أيضا بقضية العلاقة بين الفلسفة والعلم، باعتبار أن النظريات العلمية فانية، لكون تاريخ المعرفة العلمية ليس فقط تاريخ تراكم وتوسع، إنه أيضا تاريخ تحولات وقطائع وانتقالات من نظرية إلى أخرى، وبالتالي فحركة العلم ليست حركة في اتجاه امتلاك الحقيقة وتوسيع نطاقها، وإنما هي حركة ناجمة عن صراع بين بلوغ الحقيقة والصراع ضد الخطأ. إلى غير ذلك من القضايا التي اهتمت بها الفلسفة المعاصرة كالفينومينولوجيا والوضعية المنطقية ومدرسة فرانكفورت.


أدوات فعل التفلسف

تمهيد:
بعد أن تم التوقف عند نشأة الفلسفة، ومحطات من تاريخها المجيد، لا بد إذن من الوقوف عند عوامل فعل التفلسف، فما الدافع إلى التفلسف؟ هل ينبع فعل التفلسف من التساؤل أم الدهشة أم الشك أم هي مغامرة استكشافية هدفها البحث عن الحقيقة وامتلاكها؟
يعتمد فعل التفلسف على مجموعة من الآليات هي الدافع الأول والأصل لذلك، وهي التي مكنت الفيلسوف من إنتاج معرفة فلسفية، وتتضمن هذه الآليات ثلاثة مستويات هي:

الدهشة: حسب شوبنهاور تفترض في الفرد درجة أعلى من العقل، أما أرسطو فيذكر " أن الدهشة هي التي دفعت الناس إلى التفلسف" إنها ناتجة عن عدم اقتناع الإنسان بالأجوبة المألوفة والمتداولة، أو حين الشعور بالجهل والتعجب والاستغراب الذي يغري نفوس البشر بحب الاستطلاع والتساؤل الدائم.

السؤال: اشتهرت الفلسفة أول ما اشتهرت بممارسة السؤال، وأشهر من مارس السؤال في الفلسفة هو أبو الفلسفة " سقراط". غير أن السؤال الفلسفي لم يتخذ له شكلا واحدا فقط، وإنما نميز فيه بين شكلين إثنين.
يميز طه عبد الرحمن بين نوعين من السؤال الفلسفي، فهناك السؤال الفلسفي اليوناني القديم، والسؤال الأوربي الحديث.
فأما الأول، فقد كان عبارة عن عملية فحص وتمحيص، تبدأ بسؤال عام عن مفهوم ما يليه جواب ينبع عنه سؤال آخر وهكذا... وخير شاهد على هذا النوع من السؤال الفيلسوف اليوناني سقراط، التي كانت تنتهي به أسئلته التي تطول وتتشعب إلى إبراز التناقض بين أجوبة المحَاوَر. إن السؤال بهذا المعنى يولد الأفكار كما كان يقول سقراط، إنه خطاب المستقبل الذي يسعى نحو الامتلاء والاكتمال.
أما السؤال الثاني وهو السؤال الفلسفي الأوربي الحديث، يؤكد طه عبد الرحمن أنه سؤال النقد لا الفحص، لكونه يميل نحو تقليب القضايا والتحقق من تمام صدقها اعتمادا على العقل، إنه سؤال يوجب النظر في المعرفة ويقصد الوقوف على حدود العقل، وخير مثال على هذا النقد فلسفة كانط حيث سمي قرنه بقرن النقد.
السؤال الفلسفي عموما يفترض مسبقا شكا في الجواب باعتباره معرفة، وهو لا يمكن أن يطرح إلا على الشخص الذي يمتلك المعرفة.

الشك : إن امتلاك الإنسان للمعرفة لم يكن امتلاكا يقينيا، بل سرعان ما نهض الإنسان إلى فحص هذه المعارف فحصا نقديا خاصة وان هناك أحكام كثيرة تمنعنه من الوصول إلى الحقيقة، ومن المحال التخلص منها ما لم يشرع هذا الإنسان في الشك في جميع الأشياء التي قد يجد فيها أدنى شبهة من قلة اليقين. وممارسة الشك هو مُضي نحو اليقين لأنه - في أساسه- فحص نقدي صادق لكل معرفة، فليست ثمة فلسفة حقيقية دون أن يكون هنالك شك في الأصل. ونجد ديكارت من أكبر الفلاسفة وأشهرهم اعتمادا على الشك المنهجي الذي يستتبع فحصا نقديا لكل المعارف.
إن الخطاب الفلسفي بوجه عام يتشكل من آليات فكرية محددة هي الأصل في فعل التفلسف، غير أن هذا الفعل وإن كان أساسه دهشة، سؤال، شك، فإن الخطاب الفلسفي في بنائه يعتمد على مجموعة من أدوات الاشتغال يمكن أن نطلق عليها إسم أدوات منهج الخطاب الفلسفي وهي:

المفهوم والإشكال والحجاج، والتحليل والتركيب ثم النسقية.

فأما المفهوم: يعتبر المفهوم نشاط أساسي في التفكير الفلسفي وهو مدخل أساسي لتأسيس خطاب معرفي، يهدف إلى استنطاق الكلمة وتحديدها بما يكفي من الدقة حتى تصبح مجالا للتفكير الفلسفي وأداة للتفلسف، ومن أبرز الفلاسفة الذين تأسست فلسفتهم على المفاهيم، نذكر سقراط الذي كان يسأل محاوريه عن مفاهيم لم يكن يرم من تحديدها جزئيتها وإنما الإحاطة والشمول. وليس غريبا أن نجد الدرس الفلسفي يعتمد على مفاهيم يتطلب تحديد دلالتها والإحاطة بها في كليتها وليس في جزئيتها كمفاهيم اللغة، العقل، الحقيقة، الحق، الشغل...
الإشكال: يعتبر ركن أساس في التفكير الفلسفي، وهو يتكون من طرفين من السؤال أو أكثر، يمتازان بعلاقة التقابل والتضاد ويشترط فيهما الانسجام أي؛ أن يكونا من نفس الطبيعة والجنس أو الموضوع.
الإشكال إذن قضية تساؤلية تنطلق مما هو جوهري في الموضوع، هدفه إحداث التقابل والإحراج بين الطرفين " الموقفين" والهدف من هذا التقابل والتناقض هو معالجة مختلف الإجابات الممكنة. مثلا في مفهوم السعادة يمكن أن نحدث التقابل في طرح إشكالي كما هو واضح من خلال هذا الإشكال:
هل السعادة إرضاء للبدن أم للعقل أم للقلب؟
الإشكال هنا ينصب داخل نفس الطبيعة، وهو البحث عن مصدر السعادة، ويمتاز بالتقابل بين أطراف أسئلته المكونة له، والتي تتفرع إلى ثلاثة أسئلة نفصل بينها ب " أَمْ ". وتروم إحداث التقابل والتناقض بين الأطراف التي يتشكل منها هذا الإشكال، وذلك بغية معالجة مختلف الإجابات الممكنة، وبهذا نخلص أن الإشكال يهدف هو الآخر الإحاطة بالكل وليس بالجزء .
الحجاج: فكثيرا ما يقال أن حقل الفلسفة هو حقل توليد المشكلات وإثارة الأسئلة، وهو أيضا حقل تتواجد فيه الأجوبة بنفس قدر تواجد الأسئلة والإشكالات، غير أن طبيعة الجواب في الفلسفة مبرهن عليه، يقوم على الحجاج والمحاجة. وهو يتميز عن البرهان، لأن هذا الأخير يشكل خاصية للعلم، في حين يشترط الحجاج استهداف إقناع المتحاور أو المتلقي وإحداث أثر لديه، وبالرغم من هذا التمييز فإمكانية حضورهما معا في الخطاب الفلسفي واردة مع غلبة الجانب الحجاجي.
إن الحجاج تقنية يستعملها الفيلسوف من أجل حمل/ دفع أكبر عدد من ممكن من المتلقين على قبول خطابه والاقتناع بآرائه، إنه عملية إقناعية تأثيرية بطريقة عقلية. من جهة، ومن جهة أخرى، الحجاج عملية تستعمل لدحض وتفنيد أطروحة الخصوم وذلك بإظهار ضعفها أو عدم صلاحيتها ...ومن آليات الحجاج الأشكال التالية:
حجاج برهانية: حجة البرهان المنطقي، حجة البرهان الاستدلالي، حجة البرهان بالخلف.
حجاج بلاغية: توظيف التشبيه، المجاز، الاستعارة، المماثلة...
حجة توظيف المثال والأساطير والقصص...، والحجاج باللجوء إلى السلطة الموثوقة إلخ...

التحليل والتركيب: عملية التحليل في الفلسفة غايتها، تفكيك الكل إلى عناصره المكونة الواحد تلو الآخر وفق نظام وتسلسل محكم، كما يؤكد ذلك الأستاذ " مصطفى بلحمر"، وتسعى عملية التحليل إلى شرح وتوضيح وإبراز محتوى كل عنصر من تلك العناصر.
أما التركيب فهو إعادة تشكيل الكل انطلاقا من العناصر التي تم تحليلها بأسلوب خاص يسمح بتبيين أفضل للعناصر ومركزا على ما هو جوهري في الكل. أي تجميع جديد للعناصر التي تم تفكيكها وتحليلها.
وقد ألح ديكارت على عمليتي التحليل والتركيب ضمن منهج التفلسف الذي اقترحه وبالتالي فهما خطوتين ضروريتين لأنهما أساس الشرح والتوضيح والفهم والبرهنة.

النسقية: يتألف النسق من عدد من النظريات الفلسفية، تحتوي كل نظرية منها على موقف معين من مشكلة معينة، بحيث تكون كل نظريات النسق مترابطة ومتماسكة البناء. إنه – أي النسق- الإطار الفكري الكامل، الذي يربط أفكار الفيلسوف بعضها ببعض في وحدة عضوية دون أن يحتويها تناقض أو تقاطع، بل شرط النسق الفلسفي تحقيق الوحدة والانسجام بين عناصره التي يتكون منها هذا النسق...

الفلسفة والقيم

تمهيد: من بين المباحث التي اهتمت بها الفلسفة، نذكر مبحث الأكسيولوجيا Axiologie ، أو مبحث القيم، حيث أن الفلسفة تسعى إلى إنتاج قيم إنسانية نبيلة ومثل عليا باعتبارها غايات قصوى للوجود الإنساني، وبهذا فالفلسفة لها علاقة واضحة بالواقع الإنساني ومرتبطة بحياته ومصيره.، فكيف ينظر الفيلسوف للحياة الإنسانية؟ وما هي القيم التي يدافع عنها؟

القيمة هي الخاصية التي إذا وجدت في شيء جعلته مرغوبا فيه، أو جديرا بان يكون كذلك، وأحكام القيمة هي الأحكام التي تفيد الاستحسان أو الاستهجان نتيجة خاصية حسنة أو خاصية سيئة في الإنسان، وبالتالي فالقيم التي تدعو إليها الفلسفة في إطار اهتمامها بالإنسان، هي قيم روحية معنوية تثير في النفس حب الكمال الأخلاقي وتسمو بالنفس نحو عالم الحق والخير والجمال. ومن بين هذه القيم نذكر مثلا:

التسامح : يعتبر التسامح شرطا ضروريا لإمكانية قيام علاقة أخلاقية بين الأنا والآخر، وهو يتأسس على مبدأ الاعتراف بالغير اعترافا تاما، وغايته الامتناع عن استعمال كل وسائل العنف والإهانة والخداع.

إن التسامح لا يعني تقبل الظلم الاجتماعي أو تخلي المرء عن معتقداته أو التهاون بشأنها، بل يعني التسامح أن الإنسان حر في معتقداته، وبأن البشر مختلفين في مظهرهم وأوضاعهم ولغاتهم وقيمهم ودينهم، لهم الحق في العيش بسلام.

وبهذا فالفلسفة من خلال دعوتها للتسامح فهي تنبذ العنف وتدعو إلى السلام عبر تجنب الحروب والاقتتال، وخلق ظروف للتعايش والترابط بين الأفراد والجماعات سواء كانت إثنية أو عرقية أو ثقافية أو دينية أو لسانية ...
الكرامة : بين الكرامة والفلسفة علاقة وطيدة تتمثل في الأسس التي بني عليها صرح حقوق الإنسان، وبهذا فالكرامة وجدت لها أرضا خصبة داخل حقل الفلسفة، خصوصا مع فلاسفة عصر النهضة وفلاسفة عصر الأنوار، وما الثورة الفرنسية إلا تجسيد عميق لمفهوم الكرامة الذي يحيل على الحرية التي تضمن إرادة البشر واستقلالهم الذاتي في إطار قوانين الواجب الأخلاقي والخير والفضيلة، لا هيمنة الغرائز والأهواء وسيادة الأنانية والاستبداد. فالحرية هي شرط إمكانية الكرامة أصلا، وسبيل نحو تأسيس العدل والسلام في العالم.
إن الكرامة هي اللبنة الأساس التي بني عليها ميثاق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لكونها الحامل لكافة المبادئ الأخرى لحقوق الإنسان، كالتسامح والتضامن والتعايش...