مقدمة:
شهدت مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى 1914-1918 عدة تطورات سياسية واقتصادية واجتماعية، غيرت وجه أوربا والعالم، وأدت إلى توتر العلاقات الدولية، ثم اندلاع الحرب العالمية الثانية 1939.
I. مراحل ونتائج الحرب العالمية الأولى:
مرت ح ع 1 بعدة مراحل انتهت بانتصار الحلفاء:
• الاالمرحلة الأولى: بدء من 1914 إلى انسحاب روسيا من
الحرب بعد وصول البلاشفة إلى الحكم وتأسيس دولة اشتراكية،
حققت ألمانيا عدة انتصارات بعد اكتساح الأراضي البلجيكية،
واحتلال المناطق الشرقية من فرنسا، ثم احتلال أجزاء من روسيا.
تميزت هذه المرحلة بنهج أسلوب حرب الخنادق، والدبابات، مما أدى إلى مجازر بشرية رهيبة، واستنزاف القدرات الاقتصادية والعسكرية لأوربا؛ وقد عرف المشرق العربي خلال هذه المرحلة ثورة عربية كبرى ضد الأتراك بتحريض من بريطانيا
• المرحلة الثانية: بدأت بانسحاب روسيا من الحرب سنة 1917، ودخول و.م.أ الحرب إلى جانب الحلفاء حيث زودتهم بالمؤن والعتاد والجنود مما أدى إلى انهزام ألمانيا.
2 أسفرت الحرب عن خسائر بشرية واقتصادية جسيمة، وفرضت على ألمانيا وحلفائها عقوبات قاسية:
• خسائر بشرية:
- فقدت أوربا 15 مليون قتيل، إلى جانب عدد من المعطوبين والجرحى، وكانت الأضرار قوية عند ألمانيا، النمسا، فرنسا.
- تراجع الفئة النشيطة وحدوث خلل في هرم السكان بنقصان كبير في عدد الذكور.
- ارتفاع نسبة الشيخوخة.
• نتائج اجتماعية:
- تزايد عدد الأرامل واليتامى.
- انتشار البطالة والفقر والبؤس الاجتماعي في أوساط عريضة من المجتمع الأوربي.
- انتشار الأمراض والأوبئة وسوء التغذية.
- خروج المرأة للعمل.

• نتائج اقتصادية:
- انخفاض الإنتاج الفلاحي والصناعي.
- انهيار العملات الأوربية وحدوث تضخم مالي، وبالتالي ارتفاع الأسعار.
- تزايد اقتراض الدول الأوربية من الخارج (و.م.أ).
- عجز في الميزان التجاري .
- تراجع المكانة الاقتصادية لأوربا لصالح دول جديدة: و.م.أ، اليابان..
• الحصيلة السياسية:
عقدت الدول المنتصرة في الحرب (27 دولة) بزعامة (فرنسا، بريطانيا، و.م.أ، إيطاليا)، بين يناير وماي 1919 مؤتمر الصلح (مؤتمر السلام) بفرساي بباريس، مع غياب المنهزمين وروسيا، بهدف تحقيق السلم، وإعادة رسم خريطة أوربا، وأمام تضارب مصالح المؤتمرين، طرحت و.م.أ مشروعا للسلام (مشروع ولسن) تضمن 14 نقطة، أهمها :
- نبذ المفاوضات السرية.
- حرية التجارة والملاحة.
- الحد من التسلح.
- حق الشعوب في تقرير المصير.
- إنشاء عصبة الأمم لتسهر على السلم العالمي.
- فرض الانتداب على بلدان المشرق العربي.
تمخض عن مؤتمر السلام فرض عدة معاهدات للصلح على الدول المنهزمة منها:
o معاهدة فرساي مع ألمانيا ( 28 يونيو 1919) تضمنت:
- عقوبات ترابية: اقتطاع الألزاس واللورين لصالح فرنسا.
- عقوبات عسكرية : تقليص القدرات العسكرية لألمانيا.
- عقوبات مالية : فرض غرامة مالية على ألمانيا (132 مليار مارك ذهبي).
o معاهدة سان جيرمان مع النمسا (شتنبر1919): (فصل النمسا عن المجر، استقلال عدة قوميات).
o معاهدة سيفر مع الأتراك: وضع أراضيها في المشرق العربي تحت الانتداب.
o معاهدة نويي مع بلغاريا (نونبر 1919) : اقتطاع أراضيها لصالح دول جديدة.
o معاهدة تريانون مع بلغاريا : اقتطاع أجزاء من أراضيها رومانيا ويوغسلافيا.
غيرت هذه المعاهدات الخريطة السياسية لأوربا باختفاء الإمبراطوريات، وظهور دول جديدة (بولونيا، تشيكوسلوفاكيا، يوغوسلافيا)
كما أنشأت عصبة الأمم للسهر على الأمن العالمي، ومنع تجدد الحروب.

II. التطورات التي شهدتها أوربا من نهاية ح ع 1 إلى غاية أزمة 1929
1. شهدت روسيا ميلاد النظام الاشتراكي السوفياتي:
ساهمت الفوارق الطبقية في ظل النظام الإقطاعي، وسيادة النظام الاستبدادي القيصري، وخسائر روسيا في ح ع 1، إلى جانب الأزمة الاقتصادية، في قيام الثورة البولشفية الاشتراكية بزعامة لينين سنة 1917 الذي أصدر عدة مراسيم ثورية:
- مرسوم حول الأرض: وضع أراضي الإقطاعيين، والكنيسة بيد لجان الفلاحين.
- مرسوم حول القوميات : حق القوميات في تقرير المصير، والمساواة بينها.
- مرسوم حول الحرب : الانسحاب من الحرب العالمية 1.
كل ذلك أدى إلى قيام معارضة (ثورة مضادة): ( الإقطاعيون، الكنيسة، البورجوازية..) + معارضة خارجية (الدول الرأسمالية) للقضاء على الثورة مما أدى إلى قيام حرب أهلية 1919-1921 انتهت بانتصار الثورة وتوطيد النظام الاشتراكي.
2 عرفت الديمقراطيات الغربية هزات سياسية، وأزمات اجتماعية خطيرة:
o فرنسا: عاشت فرنسا عقب الحرب أزمة اقتصادية، حيث ارتفع مؤشر أسعار المواد الغذائية والصناعية، وساد التضخم الاقتصادي في البلاد. أما من الناحية السياسية فقد تكونت حكومة للوحدة الوطنية. إلى جانب الخطر الشيوعي، وتصاعد موجة الإضرابات والاحتجاجات النقابية.
o إيطاليا: عرفت عجزا تجاريا كبيرا لاعتمادها على الاستيراد، مما أدى إلى ارتفاع الديون، وانهيار العملة، ثم تراجعت أجور العمال، فظهرت اضطرابات سياسية واجتماعية، فتمكن الحزب الفاشي بزعامة موسوليني من الوصول إلى السلطة سنة 1922 فجمع بين يديه كل السلطات (ديكتاتورية).
o ألمانيا: كون الحلفاء بألمانيا حكومة فيمار سنة 1919، من أجل فرض الديمقراطية، لكن هذه الحكومة واجهت معارضة قوية من طرف تحالف الاشتراكيين والوسط المسيحي، ومن طرف الشيوعيين (ثورة السبارطاكيين)، فاستغل الحزي الوطني الاشتراكي العمالي (النازي) الوضعية بزعامة أدولف هتلر للوصول إلى السلطة عبر الانتخابات، وتأسيس حكم ديكتاتوري.
3. تأثرت أوربا كثيرا بأزمة 1929 الاقتصادية:
عاش العالم الرأسمالي سنة 1929 أزمة اقتصادية كبرى انطلقت من و.م.أ لتشمل بلدان أوربا الرأسمالية وكذا المستعمرات التابعة لها، بسبب العلاقات الوثيقة بين الأطراف والمراكز الاقتصادية في النظام الرأسمالي.
بدأ اقتصاد أوربا ينتعش تدريجيا بعد ح ع 1، وعندما اندلعت الأزمة ب و م أ عمدت هذه الأخيرة إلى سحب رساميلها من هذه الدول واسترداد قروضها، فضربت الأزمة تباعا: النمسا(1930) ألمانيا(1931) انجلترا(1931) فرنسا(1932).
تجلت مظاهر الأزمة في:
- انهيار النظام البنكي.
- تضرر كل القطاعات الاقتصادية.
- تراجع قيمة الصادرات.
- عجز الميزان التجاري.
- عجز ميزان الأداءات.
- انهيار قيمة العملات وارتفاع التضخم.
- ارتفاع البطالة وتزايد حدة الاضطرابات الاجتماعية.
- توطيد النظام الفاشي بإيطاليا، والنظام النازي بألمانيا.
خلاصة:
شكلت مرحلة ما بين الحربين فترة عصيبة في تاريخ أوربا، حيث تزايدت الاضطرابات الاجتماعية ، والأزمات السياسية والاقتصادية في ظل نظام عالمي قائم على سلم هش مما سيفجر حربا عالمية ثانية.