الجنسية في القانون المغربي 03 62
دراسة في مكونات قانون الجنسية


إعداد: أحمد السكسيوي






المبحث الثالث: التجريد من الجنسية المغربية.

زوال الجنسية بالتجريد يفوض على سبيل الجزاء على الشخص الذي تنم بعض تصرفاته عن عدم الولاء لوطنه أو عن دعارة إثمية فهو عبارة عن إبراء صارم ممقوت يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه# فهو مناف "القانون الطبيعي" وللوثيقة العالمية الخاصة بإعلان حقوق الإنسان"# فيتأتى لذلك ما لهذا الإجراء من الصبغة الاستثنائية وضيق النطاق الذي كتب له في القانون الوضعي وبالأخص عدم سريانه على الوطنيين الأصليين.
لكن يوجد في التشريعات العربية بعض الخاصيات منها اتساع نطاق هذا الجزاء بحيث يمكن أن ينال كل وطني سواء اكتسب جنسيته بطريقة الأصل أو بالجنس أو بغيرهما من الطرق، فالتجريد إذن هو تدبير بمقتضاه تنزع الحكومة الجنسية من شخص ما كعقوبة على بعض الأفعال التي تصدر عنه بعد اكتسابه لتلك الجنسية، ولقد نص القانون المغربي عن هذا التدبير في الفصول 22 إلى 24 المقتبسة من الفصول 98 إلى 100 من قانون الجنسية الفرنسية، فما هي شروط التجريد؟ وما هي المسطرة المتبعة في ذلك؟

المطلب الأول: شروط التجريد.

لا يمكن أن يقع التجريد إلا إذا توفرت بعض الأسباب المنصوص عليها في القانون، وكانت مقترنة ببعض الشروط العامة الجوهرية والشكلية.
أولا: أسباب التجريد.
تقدم القول بأن التجريد يفرض كعقوبة بسبب صدور بعض الأفعال عن الشخص المعني بالأمر، وهذه الأفعال على نوعين:
إما تصرفات تدل على عدم ولاء الشخص للمغرب الذي اكتسب جنسيته، وإما بتصرفات إجرامية عادية وبعض هذه الأفعال تحتاج إلى صدور حكم سابق، وبعضها لا تحتاج إلى صدور حكم بل يرجع أمر تقديرها إلى الحكومة.
أ – التصرفات المثبتة بحكم قضائي:
1 – اتخاذ القرار بإزالة الجنسية بالتجريد يقع بعد صدور محاكمة جنائية ففي ذلك ضمان مزدوج للأجانب الذين أصبحوا وطنيين ذلك أنه من جهة لا يكمن سبب الإزالة في الأفعال الجنائية نفسها وإن في المحاكمة التي صدرت زجرا لها، ومن جهة أخرى يلغى الإقرار إذا صدر العفو عما للأفعال المرتكبة من الصبغة الجنائية.
إن الأفعال الناشئة عنها إزالة الجنسية أتت بها قوانين الجنسية التي تحيل على القوانين الجنائية فهي أفعال عادية ينم عن انقطاع الولاء للوطن من طرف الشخص الذي هو حديث الاكتساب للجنسية ومن تلك الأفعال:
- صدور الحكم من أجل اعتداء أو إهانة نحو الملك أو إعفاء الأسرة المالكة مهما كانا لعقاب المحكوم به على المتهم فهذه الأفعال التي انفرد بها التشريع المغربي لا طائلة تحتها لأنها من الجرائم ضد أمن الدولة الداخلي التي نصت عليها المجلة الجنائية المغربية، وقد ينجز عنها إزالة الجنسية ومما ينبغي ملاحظته أن القانون التونسي وضع زمن النظام الملكي لا يحتوي على نص خاص في هذا الموضوع.
2 – صدور الحكم من أجل عمل يعد جناية أو جنحة تمس بسلامة الدولة الداخلية أو الخارجية وفي ذلك أعظم مظهر لانقطاع الولاء بالوطن، وهي الأعمال المنصوص عليها في الفصل 181 إلى 207 ق.ج، ولتطبيق هذا النص يجب الرجوع إلى القانون الجنائي الذي ينص في الفصول من 281 إلى 200 (الفرع II من الباب الأول من الجزاء الأول من الكتاب الثالث) على "الجنايات والجنح ضد أمن الدولة الخارجي، وفي الفصول 201 إلى 207 (الفرع III ) على الجنايات والجنح ضد سلامة الدولة الداخلية.
3 – إذا صدر عليه حكم من أجل عمل يعد جناية ترتبت عليها عقوبة تزيد على خمس سنوات سجنا وتنطبق هذه الحالة على الجرائم العادية أيا كان نوعها والغرض منها تمكين الحكومة المغربية من نزع الجنسية المغربية من الشخص الذي اكتسبها ثم تبين من تصرفاته أنه عنصر غير صالح ليكون عضوا في المجتمع المغربي.
هذا وإنه لا يكفي ان يكون الفعل موصوفا بأنه جناية، بل يشرط أن تكون العقوبة التي صدرت من أجل هي عقوبة سجن لمدة تزيد على خمس سنوات.
وحيث أنه من المبادئ القانونية أن النصوص الزجرية لا يجوز التوسع في تفسيرها، فينتج عن ذلك أن الحكم بالإقامة الإجبارية أو بالتجريد من الحقوق الوطنية كعقوبة جنائية أصلية لا يمكن اعتباره سببا للتجريد من الجنسية المغربية.
ومن جهة أخرى فإن القانون لم ينص صراحة على أنه يجب أن يكون الحكم صادرا عن محكمة مغربية ولذلك تطرح على بساط البحث مسألة ما إذا كان الحكم صادر من دولة أجنبية يعتبر سببا للتجريد ونحن نميل إلى الجواب بالإيجاب لاسيما أن الفصل 762 من قانون المسطرة الجنائية يعتبر الحكم الصادر في دولة أجنبية عنصرا من عناصر العود، وأن الفصل 92 ق.ج، الفرنسي – المقتبس منه النص المغربي – ينص على ذلك صراحة – ولكن شرط أن يكون الفعل الذي صدر من أجله الحكم الأجنبي معتبرا في نظر القانون المغربي جناية أيضا تستوجب عقوبة السجن لمدة خمس سنوات على الأقل، وأخيرا فإن انقضاء العقوبة بسبب العفو أو العفو الشامل أو الإفراج المؤقت لا ينزع عنها الصفة الجنائية التي تجعلها سببا للتجريد.
ب – التصرفات التي تدل على عدم الولاء للمغرب ولا تحتاج إلى الإثبات بحكم قضائي:
إن انقطاع الولاء للوطن في الحالات السابقة يستوجب الزجر لأنه يتكون من أفعال صدر من أجلها الحكم بالإدانة أما النصوص فلا تثير أدنى صعوبة إذ أن الحالات المذكورة هي محدودة وفوق ذلك فللحاكم الجنائي إطلاق النظر يمكن إصدار القرار بإزالة الجنسية ولو لم تصدر محاكمة جنائية ويكون ذلك في صورة ما إذا وقع محو المحاكمة، أو صبغة الأفعال الجنائية# ففي هذه الحالة يستطاع تقرير إزالة الجنسية إذا توفرت بعض الشروط.
إن التشريع المغربي يشير إلى الشخص الذي تهرب من القيام بوجباته العسكرية وهو وضع عديم التطبيق في الميدان العملي لأن الخدمة العسكرية لم تؤسس في المغرب وعلى كل فإن التهرب من الواجبات العسكرية تتكون من جريمة منصوص عليها وعلى عقاب مرتكبها، ولذا كان من الصواب لو اشترط إثباته بالمحاكمة، هناك صورة أخرى يشترك فيها القانون المغربي والقانون التونسي وهي تتعلق بالشخص الذي يقوم بأفعال لفائدة دولة أجنبية تتنافى مع صفته الوطنية وتمس بصالح الوطن ففي هذه الصورة يجب توفر ثلاثة شروط وهي: القيام بأعمال لفائدة دولة أجنبية تتنافى وصفة الوطني وتضر بمصالح البلاد، على أنه يتجه الجمع بين هذين الشرطين الأخيرين حتى يتكون منهما شروط واحد إذ لا يتصور عقلا أن القيام بعمل مضر بالوطن لفائدة دولة أجنبية ليس بمتناف والصفة الوطنية ويدل على ذلك أن القانون التشريع المغربي لم يجعل من ذلك شرطا خاصا# والخلاصة التي يمكن الخروج بها هنا هي أن المساس بمصالح المغرب تتنافى مع صفة كل مغربي.
ثانيا: الشروط العامة للتجريد.
أ – الشروط الجوهرية:
1 / أن تكون الجنسية المغربية متكسبة اكتسابا وأيا كانت طريقة الاكتساب: بحكم القانون أو التجنيس، وعليه فلا يمكن تطبيق التجريد على الشخص الحاصل للجنسية المغربية كجنسية أصلية سواء كانت مترتبة على الرابطة الدموية، أو على الرابطة الترابية.
هذا وأن التجريد قابل للتطبيق على حامل الجنسية المغربية عن طريق الاكتساب حتى ولو كان قد فقد جنسيته الأصلية، وفي هذه الحالة ما يترتب على التجريد وهي من أهم المطاعن التي يرمي بها.
2 / أن تكون الأفعال التي يؤاخذ بها المعني بالأمر قد ارتكب ضمن أجل عشر سنين اعتبارا من تاريخ اكتسابه الجنسية المغربية.
وتعني العبارة الأخيرة التاريخ الذي أصبح فيه ممكنا تمتع الشخص بصفة مغربي بصرف النظر عن الأثر الرجعي الذي يحدثه هذا الاكتساب في بعض الحالات، لاسيما حين يحصل بحكم القانون.
فمثلا بالنسبة للمرأة الأجنبية التي تتزوج بمغربي فإنها لا يمكنها أن تكتسب الجنسية المغربية إلا بعد إبرام الزواج سنتين على الأقل، ومع ذلك فإن الاكتساب يحدث أثرا رجعيا يعود إلى تاريخ إبرام الزواج، فأجل العشر سنين بالنسبة إليها لا يبدأ من تاريخ إبرام الزواج بل من تاريخ اليوم الذي أصبحت فيه مغربية.
3 / أن يقع الإعلان عن التجريد ضمن أجل خمس سنين اعتبارا من تاريخ ارتكاب الأفعال (الفصل 22 الفقرة 3 القانون الجنائي) فنقطة ابتداء هذا الأجل ليست إذا تاريخ الاكتشاف القيام بتلك الأفعال، ولا تاريخ صدور حكم بشأنها بل تاريخ ارتكابها.
وعليه فإن التجريد يخضع لأجلين: واحد بالنسبة لتاريخ اكتساب الجنسية، والآخر بالنسبة لتاريخ ارتكاب الأفعال، ويجب أن يتوفر الأجلان معا مما يجعل التجريد ممكنا داخل خمسة عشر سنة ابتداء من تاريخ اكتساب الجنسية، وذلك في حالة ارتكاب الفعل في آخر يوم من أجل العشر السنوات، الذي يبتدئ من تاريخ اكتساب الجنسية فإن التجريد يمكن أن يقع في آخر يوم من أجل عشر سنوات.
وعلى العكس من ذلك قد يصبح التجريد غير ممكن قبل أن ينتهي أجل العشر سنوات، فمثلا إذا ارتكب الفعل في آخر يوم من السنة الأولى الموالية لتاريخ اكتساب الجنسية فإنه بعد انتهاء السنة السادسة يصبح التجريد غير ممكن.

ب – الشروط الشكلية: (الفصل 23)
1 – لا يجوز صدور الأمر بالتجريد من الجنسية إلا بعد إطلاع المعني على المنوي اتخاذه ضده وإعطائه الفرصة ليقدم ملاحظاته.
وهذا الإجراء ضروري، سواء كان الشخص مستوطنا أو موجودا في المغرب أو في بلاد أجنبية، أما كيفية الاطلاع على أجراء التجريد المنوي اتخاذه فيمكن أن تتم بأية طريقة كانت إما بالبريد المضمون مع الإشعار بالتوصل، وإما بالإعلام مباشرة بواسطة أعوانا لسلطة أو الممثلين الدبلوماسيين أو القنصليين.
وإنما تنشأ صعوبة في حالة جهل موطن المعني بالأمر لأن القانون لم ينص على هذه الحالة. وفي نظرنا، يمكن في هذه الحالة الاقتصار على إعلان في الجريدة الرسمية ويفترض أنه اطلع من خلالها على التدبير المقصود اتخاذه، إذ أن القانون لا ينص على "التبليغ" الذي له شكليات معينة، وإنما ينص على "الاطلاع دون تعين طريقة معينة، وإنما يبقى للمعني بالأمر الحق بأن يثبت أنه في الواقع لم يطلع، ولم يكن بوسعه أن يطلع على التدبير المذكور.
2 / أما الشكل الذي يصدر به الأمر بالتجريد، فهو مبدئيا مرسوم يتخذ بظهير أيضا.
وللحكومة سلطة تقديرية مطلقة لإصدار أو عدم إصدار الأمر بالتجريد حتى ولو توفرت أسبابه والأمر بالتجريد إذا صدر بشكل مرسوم يكون قابلا للطعن بسبب الشطط في استعمال السلطة أما إذا صدر بشكل ظهير فهو لا يقبل الطعن السابق الذكر.#
وأخيرا يجب أن ينشر الأمر بالتجريد من الجنسية في الجريدة الرسمية.

المطلب الثاني: آثار ومسطرة التجريد.
أولا: آثار التجريد.
أ – الآثار الفردية.
التجريد ينزع الجنسية المغربية من المعني بالأمر ابتداء من تاريخ نشر القرار في الجريدة الرسمية لكنه لا يحدث أي أثر رجعي، وكل الآثار التي ترتبت على الصفة المغربية التي كان يتمتع المعني بالأمر قبل التجريد تبقى صحيحة، ومن أهم هذه الآثار إسناد الجنسية المغربية كجنسية أصلية للأولاد الذين ازدادوا له خلال هذه المدة، وإذا كان المعني بالأمر لم يحتفظ بجنسيته الأجنبية السابقة إذا كانت له جنسية فيصبح عديم الجنسية.
لا يحدث التجريد أي أثر جماعي بحكم القانون ولكن يجوز أن يمددوا قرار التجريد إلى الزوجة والأبناء القاصرين إذا توفرت فيهم الشروط الآتية:
- أن يكونوا من أصل أجنبي، وعليه فإن الزوجة التي كانت تحمل الجنسية المغربية كجنسية أصلية قبل الزواج والأبناء المولدون بعد اكتساب أبيهم الجنسية المغربية لا يمكن أن يمثلهم قرار التجريد.
-أن يكونوا محتفظين بجنسية أجنبية، وعليه إذا كانوا قد وقفوا جنسيتهم الأجنبية الأصلية أو كانوا قبل اكتساب الجنسية المغربية عديمي الجنسية فلا يمكن أن يشملهم قرار التجريد، وعلى كل حال فإن التجريد يمكن أن يكون جزئيا في بعض الحالات، وتمديده إلى الزوجة دون الأبناء القاصرين، وكذلك الأبناء القاصرين المتزوجين دون الأم، لكنه لا يجوز تمديده إلى الأبناء القاصرين الغير متزوجين إذا لم يكن شاملا الأم أيضا.
ثانيا: مسطرة التجريد.
إزالة الجنسية بالتجريد إجراء خطير خطارة خاصة إذ يصير من يناله من عديمي الجنسية ولهذا اشترط بعض الشروط حتى يكتسي هذا الإجراء صبغة مشروعة ومن تلك الشروط لزوم إعلام الشخص بما صدر عليه من الجزاء، وفي هذا الصدد ينص القانون التونسي، على أن وزير العدل يعلم المعني بالأمر بهذا الإجراء ويكون الإعلام إما لذاته أو لمقره وإن لم يعرف له مقر ينشر بالراشد الرسمي، أما القانون المغربي فلم يتعرض لما يكون العمل فيما إذا استحال الإعلام ومن جهة الشكل فإن التجريد من الجنسية يصدر بمرسوم يتخذه المجلس الوزاري في المغرب.
أما إذا كانت الجنسية قد منحت بظهير شريف فإن التجريد منها يتم كذلك بظهير، وأخيرا فإن التجريد يجب الإعلان عنه ضمن أجل خمس سنين اعتبارا من تاريخ القيام بالأعمال المنسوبة للمعني بالأمر.
ومما يمكن ملاحظته في خاتمة المطاف إن هذا الإجراء وإن كان عرضة للانتقاد إلا أنه ينم عما للمشرع من الحرص على احترام جانب المشروعية ويدل على هذا الضمانات المعطاة لما يسلط عليه هذا الإجراء وما هي عليه الروح التجريد الذي يقصد به تصحيح اكتساب الجنسية إذا أنتج عنه مالا يحمد عقباه، وخلافا لما عليه الحال في التشريعات المذكورة فإن جل القوانين العربية الأخرى تتصف بفرط الشدة في ميدان التجريد فيها، لا يحصر في خدود ما هو لائق، والضمانات جد قليلة بحيث يصبح التجريد سلاحا خطيرا يطلق العنان لأهواء السلطة التنفيذية لتسلط العقاب على من وقف موقف مضادا للوطن، إلا ما كان من القانون السوري الذي يشترط في كل صورة من الصور للتجريد إصدار حكم قضائي.

نشكركم ونرجو الله العلي القدير ان يوفقنا لما فيه الخير