مغرب 1912 -2012 :الثابت والمتحول في قرن من الزمن
ذ. الكبير الداديسي
يودع العالم مع نهاية ألأسبوع سنة 2011 وهي سنة ليست كغيرها من السنين ، سنة قد لا يتكرر لها مثيل ، سنة جعلت من العربي مصدرا لا غناء عنه في الثورات بعدما كان يطالع بمرارة بعض أخبار الثورات في الكتب والمقررات الدراسية ، سنة جعلت من الشيخ غوغل وبناته خاصة بنته البكر السيدة فيسبوك زعيمة وصانعة للتغيير... ليودع العرب سنة 2011 متبخترة تجرجر أذيالها فرحة بالتخلص من طغاة تجبروا ونسوا أن لهم شعوبا لها مطالب بسيطة تتمثل في الكرامة والشغل ... تنتهي سنة 2011 لتأخد معا أحداث مأساوية كثيرة كتسونامي اليابان وزلازل تركيا ... أحداث مفرحة لشعوبها كزواج الأمير تشارل شيخ العزاب
تنتهي سنة 2011 بانقسام السودان وسقوط نظام ابن علي والقذافي وحسني مبارك وزعزة عرش الأسد وصالح وقرص آذان آخرين
مضت سنة 2011 في المغرب على وقع الاحتجاج والإصلاح لكن بينت مدى تحكم المغرب في تدبير أزماته وكيف حقق بالسلم وعبر الصناديق ما حققه آخرون بالدم والقتل وصول الإسلاميين لحكم
نستقبل سنة 2012 في المغرب لنكون قطعنا قرنا عن دخول الاستعمار.... قرن من الزمن طرفاه 1912 -2012 تتوسطهما سنة 1956 سنة إعلان الاستقلال .... قرن من الزمن قضى منه المغاربة 44 سنة تحت نير الاحتلال وبراثن الاستعمار و56 سنة في ظل الاستقلال فماذا تتغير في هذا القرن ؟؟ وماذا قد يكون تصور مغربي من سنة1912 زار مغرب 2012 ؟؟
أكيد سيلاحظ اتساع رقعة مدن كثيرة وعلو بناياتها : زينت بعض شوارعها بعمارات زجاجية ورخامية .. لكن لازال بجانبها أحياء قصديرية تتناسل ليتجاوز سكانها سكان دول وأكثر منها ما وجده أو أوجده الاستعمار( كاريان سنترطرال) ولازال يطل برأسه شامخا ساخرا من تعالي أبنية الزجاج
وقد يستغرب زائر 1912 من لباس اليوم وأكله وعاداته : و كيف تخلى معظم المغاربة عن الجلابية والعمامة والشكارة وكيف نسي معظمهم البلغة والكمية والحايك ... لتعم السراويل والقمصان الطويلة والقصيرة والأحذية العالية والواطية ...
وقد يكون استغرابه أكثر إذا حضر العرس المغربي الذي تحول من عرس يدوم أسبوعا تشارك فيه العائلة بكاملها ينزل كل أفرادها ضيوفا على صاحب العرس شيبا وولدانا عليه إعالتهم أكلا ومبيتا .وتكون الدخلة أو الختان صبيحة الجمعة .إلى عرس مختزل في ساعات ليلة السبت يتلقي فيه المدعوون في قاعة بعيدة عن المنازل كلهمم غرباء عن المكان يتفرقون كما التقوا يوزعون الابتسامات الصفراء
كما قد يستغرب من المكانة التي غدت تحتلها المرأة في المجتمع ، فلم يكن يخطر على بال أحد من زمانه أن المرأة قد تحضر في الشارع بهذه الكثافة ، وتتوالى المناصب التي تتولاها اليوم وأنها قد تطلق نفسها و تعطي اسمها وجنسيتها لابنها وأنها قد تطرد الزوج من البيت إذا قرر رميها مع أولادها للشارع ... وهي التي كانت لا تغادر البيت إلا مرتين ولا يظهر منها إلا حركات رموش من وراء خمار شفاف
أما إذا أراد الاستماع للأغنية فقد يصاب بالصمم لما غشيها من أنغام وآلات تساقطت عبر الأسلاك وصخبيزعزع الآركان فيحن للحراز والشمعة والملحون والأهازيج المعتمدة على الصوت والدف والمقص نافرا من من آلات يصعب عليه نطق أسمائها
وقد يصاب بخيبة أمل إذا عرف كيف أصبح يُعامل المعلم والشرطي والطبيب ،والموظف عامة ، فإذا كان للمعلم والشرطي .. في زمانه هيبة تجعلهم شبه مقدسين ومنزهين مهابي الجانب بدراجته العادية يضع في سلة أمام صحيفة يخرج يوم الأحد مع أبنائه للسير أو التنزه تحت أشجار تجعل غير الموظف يحسب ذلك نعيما .فإنهم أصبحوا اليوم مسخرة الأجيال يرددون ( أنا من ضيع في الأوهام عمره ) مع ظهور جيل عرف تؤكل الكتف واكتشف أن النملة كانت غبية لأنها قضت معظم عمرها تكد وتجتهد من أجل تأمين لقمة العيش بعدما عاد الصرار بسيارات الرفاهية التي غنمها من غنائها في ليلة واحدة غير أبه بجدية النملة
ولكن إذا خرج للبادية وجد بناياتها كما تركها ،معظم البدو لا زالوا يسكنون منازل شبيهة بمنازل ما قبل التاريخ أساسها الطوب والحجارة وسقفها من القش والقصب وعيدان الأشجار بعدما ضيعوا ما كانوا ينعمون فيه من حليب ولبن وزبدة وحبوب ، يخرج البدوي هو الآخر لشراء نصف لتر من الحليب والزيت وبعض البيض الرومي لم يبق له من البادية إلا الاسم ، ضائع تائه لا يعرف هل هو من البدو أم من أهل الحضر
وقد يبكي على ضياع قيم ( الجورة من الجيران) واحترام الكبير ، والآسرة الكبيرة المتكافلة تحت كنف الجد ينهر بعصاه الأخ والابن والحفيد ونساءهم وأولادهم يعمل الكل ليقدموا له الميزانية يصرفها على الجميع دون حساب أو محاسبة فالكل يلبس ينام ويعمل فلم النقاش والخلاف ، قيم تحولت إلى أنانية وفردانية وأسرة نووية لا تعرف جيرانها ، ولا تتواصل مع أقاربها ، لا يشاركها أفراحها وأحزانها غير من تدعوهم للفرح أو الحزن ، ولا يزورها إلا من حدد موعدا مسبقا ....
1912- 2012 قرن من الزمن في المغرب تغيرت فيه أشياء كثيرة في السلوك والقيم والمواقف والعادات واللباس والأكل والتفكير وبقي أشياء كثيرة راسخة جذورها لم تتزحزح من مكانها هي ما يشكل جوهر الهوية المغربية