الحكم بسجن عادل إمام هل هي بداية قتل الفن..؟؟؟
ذ. الكبير الداديسي
في ظل الأزمة التي تعيشها مصر عقب مأساة ملعب بور سعيد ، وفي ظل الحراك العربي الذي جنى ثماره التيار الإسلامي قضت محكمة في القاهرة يوم الخميس 2 فبراير بحبس الممثل المصري عادل إمام ثلاثة أشهر حبسا نافذة بعد إدانته ب "الإساءة إلى الإسلام" في أعماله السينمائية والمسرحية، وعلى الرغم من كون الحكم ابتدائيا وقابلا للاستئناف إذ ستعرض القضية على محكمة الاستئناف في جلسة 3 أبريل المقبل ، وعلى الرغم من عدم إطلاعنا على ملابسات الحكم وظروفه ، وهل الدعوى قديمة رفعت منذ حكم مبارك أم هل هي جديدة ،ورغم أننا لسنا من أنصار ومحبي عادل إمام إلا أن الحكم بدا لنا غريبا لأنه لم يصدر في حق الشخص ولكن على أدوارٍ في أعمال فنية، فالحكم لم يصدر ضد عادل إمام الشخص وإنما ضد الدور الذي لعبه في أفلامه.. إن محاكمة عادل إمام وما أثارته من سخط لدى أنصار حرية التعبير، أو فرح لدى الإسلاميين تبقى قضية حَرِية بالنقاش ونحن سنركز في هذا النقاش على المحاور التالية:
أولا إن أصدرا الحكم قد يكون مفربكا لإبعاد الناس عن مأساة ملعب بور سعيد وإلهائهم بقضية جديدة هامشية فالحكم صدر يوما بعد المأساة وشخصية عادل إمام ومكانتها في مصر قادرة على شغل تفكير الناس وإبعادهم عن مذبحة الملعب فتوقيت إصدار الحكم له دلالاته ...
لا أحد يعرف شيئا عن تاريخ هذه القضية فإذا كانت القضية حديثة ولها علاقة بوصول حزب النور وحزب الحرية والعدالة الإسلاميين للحكم فتلك كارثة قضائية لما يكون في العملية من سرعة وتسرع خاصة والقضايا في مصر تستغرق في المحاكم المصرية سنوات طويلة ، مما يرشح أنها محاكمة سياسية لها علاقة بمواقف عادل إمام من نظام حسني مبارك وموقفه من الثوار بداية الثورة ، وبالتالي فهي محاكمة سياسية غلفت بغلاف ديني وهي بذلك مؤشر على نوعية المحاكمات القادمة في مصر وربما في الدول العربية التي وصل فيها الإسلاميون للحكم عامة ...
محاكمة عادل إمام وحده على أدواره في الأفلام والمسرحيات وإدانته بالحبس والغرامة محاكمة غريبة ومحاكمة مقصودة لأن الذي هدفه معاقبة الجاني - إن رأى في التمثيل جناية - كان عليه إن يحاكم كاتب القصة أولا وبعده كاتب السيناريو و الحوار فالمخرج والمصورين ومختلف التقنيين الذين سهروا على إخراج العمل السينمائي وبعد ذلك محاكمة لجنة الرقابة التي سمحت بعرض الفيلم ، ولجنة الدعم أو التمويل التي مولت الإنتاج .... أما الممثل فهو آخر حلقة في العمل السينمائي والممثل مجرد متقمص لدور معد سلفا ومخطط له مسبقا ومحاكمته كمحاكمة مصور الجريمة بدل الجاني الحقيقي ..
ومحاكمة عادل إمام على أدواره تذكرنا بتلك القصة التي كنا نسمعها ونحن صغارا والتي تروي تعرض الممثل الذي قام بدور وحشي الذي طعن حمزة بن عبد المطلب في فيلم الرسالة للضرب في مطار إحدى الدول الإسلامية ، إذ اعتقد الضاربون أنه وحشي فعلا ،رغم محاولاته إقناعهم أن وحشي مات منذ مئات السنين...
محاكمة عادل إمام غيابيا على أدواره تقتضي محاكمة كل الفنانين الذي أدّوا دور الكفار كدور (أبو جهل ، ومسيلمة الكذاب ...) ومحاكمة الممثلين ألذي أدوا دور الشيطان في مختلف الأفلام والمسلسلات التاريخية لأنهم شخصوا أدوار تخالف تعاليم الإسلام وقيمه السمحة ومحاكمة كل الشخصيات التي شخصت الأقوام التي كفرت برسالات الأنبياء في أفلام إبراهيم الخليل ومريم العذراء ويوسف الصديق .... وهي محاكمة قد تفتح الباب لمحاكمة ممثلين يعتقدهم البعض مسيئين للأخلاق والآداب فكل ممثل قبّل ممثلة في شريط سينمائي قد يتعرض محاكمة بتهمة الإخلال بالأدب
عندما سمعت الحكم حاول استرجاع الأفلام التي قد يعتقد البعض أن عادل إمام قد أساء فيها إلى الإسلام فتذكرت (الإرهابي ،الإرهاب والكباب، طيور الظلام ، مرجان أحمد مرجان ومسرحية الزعيم ....) وهي أفلام في معظمها لا تمس الإسلام كدين وإنما تعالج بعض القضايا و المعتقدات المتفشية في المجتمعات العربية والإسلامية والتي فيها خلاف بين الفقهاء كمسألة الحجاب ، والأكل باليد اليمنى لأن الأكل باليد اليسرى علامة شيطانية ، والدخول إلى الحمام لقضاء الحاجة بالرجل اليمنى لأن الشيطان يدخل باليسرى، وفتوى إرضاع الكبير خمس رضعات لكل من يشتهي امرأة حتى تصبح أمه في الرضاعة ويحق له الخلوة بها في العمل ، وقضية هدية الله 72 حويرة لمن يَقتل أو يُقتل في سبيل الله ... هذه أهم القضايا التي قد يعتقد البعض أن عادل إمام أساء فيها للإسلام بتشخيصها في أفلامه وهي قضايا يناقشها عامة الناس وخاصتهم في حياتهم اليومية ويحق للفنان والفيلسوف والمفكر مناقشتها ودحضها إن بدت له بدعا في الدين أو خرافة لا يقبلها العقل ....
إن محاكمة عادل إمام على أدواره السينمائية تعكس بحق المستوى المتدني الذي وصل إليه العقل والفكر والقضاء العربي إذ يخيل للمتتبع أن كل القضايا والجنح والجنايات انتهت... ولم يبق سوى محاكمة ممثل على دور قام به في شريط سينمائي والأكيد أن هذه المحاكمة ستزيد من شهرة عادل إمام ، ولنا في تاريخ الإسلام علماء وفقهاء ومتصوفة كبار طرقوا قضايا دينية لو نوقشت اليوم ربما لتم تدمير القبيلة التي ينتمي إليها الكاتب ...كالحلاج وابن عربي وابن رشد وابن حزم والجاحظ وغيرهم كثير ومنهم من أعدم وصلب وتم تشويه جثته لكن التاريخ خلد اسمه أكثر من تخليد اسم جلاده ألم يكتب الحلاج كتاب الطواسين مدافعا عن إبليس وأنه رفض السجود لأدم لأنه وعد الله أن يسجد إلا لله وفي سجود لآدم شرك بالله...وحوكم الحلاج وقطعت يداه ورجلاه وهو حي قبل أن يقتل . وتبين فيما بعد أم محاكمته كانت سياسية بسبب مولاته للقرامطة ... فعلا عادل إمام لا يرقى إلى مستوى الحلاج ، ولكن نخشى أن يكتشف الناس بعد فوات الأوان أن المحاكمة سياسية وكان الفن ضحيتها ...
بمحاكمة فنان على دور شخصه في أفلام سينمائية نقدم للعالم صورة مخيفة ، تجعل كل ممثل قام بدور تاريخي في شريط ديني يفكر ألف مرة قبل زيارة أي بلد إسلامي. فماذا سيقول القضاء المصري في ممثلين عالمين قاموا بدور الأنبياء ( يوسف إبراهيم عيسى ...) هل سيتم اعتقالهم بمجرد ما أن تطأ أقدامهم أرض مصر ، وما أن ينزل أحدهم مصر حتى يجد شخصا رافعا لدعوى ضده يتهمه فيها بالإساءة للأديان التي تحرم تشخيص الأنبياء ... قد يكثر الكلام حول هذه المحاكمة ولن أجد ما أختم بهذا المقال خير من قول الراهب مارتن نيمولر وهو يفسر كيفت استعبدت النازية الشعب الألماني Sadعندما أخذوا الشيوعيين لم أقل شيئا لأنني لم أكن شيوعيا، وعندما أخذوا اليساريين والنقابيين لم أقل شيئا لأني لم أكن اشتراكيا، وعندما أخذوا اليهود لم أقل شيئا لأني لم أكن يهوديا، و حين جاءوا لأخذ الكاثوليك لم أعترض لأنني بروتستانيا، وعندما جاءوا لأخذي لم يقل أحد شيئا لأنه لم يبق هناك أحد ليعترض )