هزيمة المغرب أمام طنزانيا رب ضارة نافعة

ذ. الكبير الداديسي

قبل أشهر قليل خلت أقصي منتخبنا في الدور الأول من كأس إفريقيا التي احتضنتها جنوب إفريقيا كما تعود إذا ما تأهل للنهائيات ، وكانت المقابلة الأخيرة كافية يختار المغاربة عبارة انهزمنا بشرف ويدارون خيبتهم رغم قناعتهم أن الخسارة خسارة لا فرق بين الخسارة بشرف والخسارة بإذلال ، فإذا كان إقصاؤنا خرج مشرف فماذا نقول عن هزيمتنا أمام تنزانيا
لم يكن أكثر المتشائمين من المغاربة يعتقد أن المغرب سينهزم أمام طنزانيا بثلاثية وهو الفريق المغمور والذي سبق لمنتخبنا هزمه مرات عدة ، إذا ما عرف الفرق الشاسع والإمكانيات المتوفرة للمنتخبين:فالمنتخب المغربي الذي يعج بالمحترفين ، و يتوفر على إمكانيات مادية يحلم بها أي منتخب عالمي، غالبا ما يتحرك في طائرة خاصة ،أو في الدرجة الأولى ، قضى مدة إعدادية في أرقى ملاعب الرياضية وفنادق خارج التصنيف في الخليج .....بينما المنتخب الطنزاني لم يتمكن من توفير أي لقاء إعدادي ، ولم يجد من الموارد المالية ما ينظم به تربصا خارج البلد، ولا يضم منتخبهم أي لاعب محترف ..
لقد المغاربة البحث عن المبررات وتعيلق الهزيئمة على المدرب الأجنبي تارة وعلى المناخ والارتفاع والتحكيم تارات أخرى... لكن كل ذلك هذه المرة بري ء براءة الذئب من دم يوسف : الظروف المناخية في هذه المقابلة كانت مناسبة ، والحكم كان في المستوى ، والملعب لا بأس ... المشكل إذا كان في منتخبنا أو في من هم مسؤولون عن منتخبنا : فبعد الشوط الأول الذي كان متكافئا ، وضيع فيه المغاربة أهدافا محققة ... جاء الشوط الثاني ( شوط المدربين ) كارثيا ليعكس دهاء المدربين وانتصار المدرب الدنماركي على رشيد الطاوسي فبقدر ما كانت التغييرات الطنزانية فعالة وتمكن أول تغيير من تسجيل الهدف بعد أول لمسة للكرة وزارد الهدف الثاني والثالث تعميق الجرح ، كانت قطع الغيار التي رمى بها الطاوسي سالبة وعديمة الجدوى وكرست أخطاء بدائية وخلقت تشتتا في الدفاع وتباعدا كبيرا بين الخطوط ، وأشعرت الخصم بالارتياح والثقة في النفس فأصبح لعبها ستعراضيا حتى ليمكن القول إن النتيجة النهائية (3- 1) بعد هدية الحارس الطنزاني للاعب العربي في الوقت الميت كانت رحيمة بنا في صالح المغرب خاصة بعد طرد المدافع شاكر إذا كانت شباكنا مرشحة لاستقبال أهداف أخرى .
الهزيمة عكرت صفو معظم المغاربة ، لكن رب ضارة نافعة ، فهذه الهزيمة ستريح أعصاب كثير من عشاق كرة القدم المغاربة وتتيح لهم التمتع باللعب الراقي دون توثر الأعصاب ، كما أن هذه الهزيمة ستجعل المغرب أموالا كثيرة كانت ستصرف على التربصات الإعدادية ، والمقابلات الودية ، والسفريات المتعددة ، فإذان كان إقصاؤنا من الدور الأولي في كأس إفريقيا مع إيريك كيريتس ببلد مثل مالي حوالي 14 مليار سنتيم فينبغي أن نحمد الله على هذه الهزيمة لأن المغاربة قد يعجزون عن تخيل المصاريف التي كانت ستتكبدها الدولة إذا حدث – لا قدر الله – وتأهلنا لنهائيات كأس العالم في بلد مثل البرازيل . خاصة وأن تعادلين وهزيمة مذلة مع طنزانيا البلد المتواضع إفريقيا كلف المغرب ما يقارب 6 مليار سنتيم حسب ما يروج في الصحافة الوطنية منها: 22 يوما في فنادق وملاعب ومطاعم دبي ب 800 مليون سنتيم و يومان بتنزانيا ب 80 مليون سنتيم .... فبالله عليكم كم كانت ستكلفنا هزيمة مع منتخب مثل ألمانيا أو الأرجنتين في البرازيل
الهزيمة أصابت عدد من المغاربة بالغبن ، وهم يرون القطط تسخر بالأسود ، وكثير منهم رأى الكرة المغربية تهوي إلى الهاوية ، وتدخل نفقا يصعب عليها الخروج منه في الأمد القريب ... لكن الحقيقة هي أن واقع كرتنا ليس إلا انعكاسا آليا لواقع يعاني فيه التعليم مثلما يعاني الاقتصاد ، والصحة والصناعة وكافة القطاعات ، مما يجعل المرء يتساءل لماذا لا يتجاوب المغاربة مع هزائما التعليمية والسياسية والاقتصادية مثل تجاوبهم مع الهزيمة في كرة القدم ، فإذا كان المغرب يصنف في المرتبة السبعين في كرة القدم فهو يصنف ضمن الرتبة 130 في التنمية البشرية وربما في مراتب أدنى في مستويات اخرى وتبقى رتبتنا في كرة القدم أحسن ،
إن هذه الهزيمة ستفتح لا شك نقاشا حول كرتنا ، وقد تعجل بقطف بعض الرؤوس التي تجاوزها موسم القطف فتلوثت ولم يعد أحد قادر على الاقتراب منها بعدما فاحت رائحتها ، وقد بدأت تباشير هذا الزلزال تلوح في الأفق من خلال الاتصال بالمدرب الإيطالي ليبي وإن كنت من معارضي المدرب الأجنبي ، فإن كانت نتائج منتخبنا هي الإقصاء فمن الأحسن الإقصاء مع مدرب محلي يمكن أن نرى دموعه مع كل إقصاء وذلك أحسن للمغاربة من إقصاء مع مدرب أجنبي : التعاقد معه يكلف الملايين ، وفسخ عقده إن انهزم يكلف أضعاف مبلغ التعاقد ، والمغاربة لا زالوا يتذكرون مأساة أجرة كريتس
اليوم بعد هذه النكسة كثيرة هي المبررات التي سردها أنصار المدرب الوطني والمدافعين عن السيد الطاوسي ، ومتعددة هي الانتقادات التي وجهها له معارضوه في اختياراته ... ونحن هنا لسنا في مرحلة التشفي ، ولا مرحلة النقد من أجل النقد ، ولكن يجب الاقتناع أن التأهيل لنهائيات كأس العالم بالبرازيل اصبح شبه مستحيل ، لكن المغرب مقبل على احتضان كأس إفريقيا سنة 2015 وهي الفرصة الأقرب للمغاربة للظفر بكأس قارية ثانية أمام جماهيرهم وعلى أرضهم ، وإن لم يفعلوا سيكون من الصعب تحقيقها على أرض الخصم أو في ملاعب محايدة ، لذلك ينبغي أن تكون هذه الهزيمة درسا مفيدا للملمة الأوراق وترتيب الصفوف والاستعداد لهذه الكأس القارية فالمغاربة لن يهضموا بسهولة خروجهم من الدور الأول كما حصل في الدورات الأخيرة على أرضهم ، كما يبدو من غير المقبول البداية من الصفر والدخول في الدوامة المعهودة : المدرب الأجنبي / المدرب الوطني ... اللاعب المحلي / اللاعب المحترف ... الوقت وقت عمل وليس وقت محاسبة علينا الاعتراف بإمكانيات لاعبينا والدفع بهم في لقاءات إعدادية قوية في المغرب وليس في الفنادق سبعة نجوم