التكرار
ا لأمثلة:
1ـ قال محمد الحلوي:
يا بلادي هواك ينساب في قلبـــــي انسياب الدماء في الأجســـــــــــــاد
ملءَ قلبي وملءَ أنفَاسي الوَلْهَـــــ ى وملء الفضَاءِ و الأبعَـــــــــــــــاد
يا بلادي وليس أشهى إلى نفسي وأحلى منْ أَنْ أُنَادِي يا بــــــــــــلادي
2ـ قال البحتري:
صُنت نفسي عما يدنس نفسي وترَفعْتُ عن جَدَى كُلٍ جِبْــــــــــــــسِِ
وتماسكت حين زَعْزَعَنِي الدًهْـــر التِمَاسا منه لتعسي و نَكســـــــــــــي
3ـ قال محمد الشنكيطي:
لِلًهِ لِلًهِ ما أبهـــــــاك مكنــــــــــاسُ خِصْبٌ وَرَخْصٌ وأغراسٌ وأعْـــرَاسُ
مَكْناسُ مَا نظرتْ عيني نظيرتَهَـــا أرضٌ هي الأرضُ بلْ ناسٌ همُ النًاسٌ
ما مر منها امرؤ إلا ومر بــــــــه ريح هو المسك أنفاس بأنــــــفاس
4ـ قال عبد الكريم الطبال:
ليتني كنت دمعةً في جُفُونِ العُشْـــ ــبِ ألهو مع الهَبَاء والضِيَـــــــــــــاء
ليتني كنت بسمة في فم الفجـــــــــ ـــر فأُجْلِي الظلام عن دُنْيَــــــــــــــاء
ليتني كنت عشبة في ضفاف النهــ ــر أسْلُو برقصة الأفْيَــــــــــــــــــــاء
5ـ قال اسماعيل صبري:
طَرَقتُ الباب حتى كَلً مَتْنِــــــــي ولما كَلً مَتْنِي كَلًمَتْنِـــــــــــــــــــــــــــي
فقالت لي أيا إسماعيل صَبْــــــرا فقلت لها أيا أسْمَا عِيلَ صَبْــــــــــــرِي
- ملاحظة الأمثلة:
المثال الأول:في هذا المثال نلاحظ ورود نفس الحروف(س ـ ق ـ ب)والكلمات (يا بلادي ـ قلبي ـ ملء )مرتين أو أكثر، وهذا ما يعرف بالتكرار ،ويكون في الحرف أو اللفظ أو العبارة ولكن يختلف المعنى وإن تعدد التكرار،وهذا ما يعطي للتكرار وظيفة تأكيدية.
المثال الثاني: بملاحظة المثال الثاني نجد أن حرف السين تكرر سبع مرات في البيتين ، وهذا النوع من التكرار يسمى التكرار الحرفي مما يؤكد الحالة النفسية التي يعيشها الشاعر ، إضافة إلى الوظيفة الإيقاعية التي يمثلها.
المثال الثالث: بالإضافة إلى التكرار الحرفي (السين)نجد تكرارا لفظيا (لَله ـ مكناس ـ أرض ـ الناس ـ مرـ أنفاس )
وهو يقوى المعنى الدلالي الذي يرمي إليه الشاعر من خلال تجربته.، والوظيفة هنا تأكيدية أولا.
المثال الرابع: نتجاوز مع المثال التكرار الحرفي والتكرار اللفظي لنكتشف تكرار عبارة بكاملها (ليتني كنت )، وهو تكرار يفيد رغبة الشاعر في التحول وإن كان مستحيلا ، ولكنه تمني يؤكد بتكراره أنه غير راض على وضعه الآني.وهو تكرار يضيف إلى الوظيفة التأكيدية وظيفة إيقاعية من خلال تكرار ألفاظ بعينها بنوع من التوازي الصوتي.
وظيفة إيخلاصة عامة:
تعريف التكرار:التكرار ظاهرة موسيقية ومعنوية تقتضي الإتيان بلفظ متعلق بمعنى ، ثم إعادة اللفظ مع معنى آخر في نفس الكلام.
أنواع التكرار :يتحقق التكرار عبر عدة أنواع:
1ـ تكرار الحرف : وهو يقتضي تكرار حروف بعينها في الكلام ، مما يعطي الألفاظ التي ترد فيها تلك الحروف أبعادا تكشف عن حالة الشاعر النفسية.
2ـ تكرار اللفظة: وهو تكرار يعيد نفس اللفظة الواردة في الكلام لإغناء دلالة الألفاظ ، وإكسابها قوة تأثيرية .
3ـ تكرار العبارة أو الجملة: وهو تكرار يعكس الأهمية التي يوليها المتكلم لمضمون تلك الجمل المكررة باعتبارها مفتاحا لفهم المضمون العام الذي يتوخاه المتكلم.إضافة إلى ما تحققه من توازن هندسي وعاطفي بين الكلام ومعناه.
أغراض التكرار ووظائفه:
1ـ الوظيفة التأكيدية: ويراد بها إثارة التوقع لدى التلقي ، وتأكيد المعاني وترسيخها في ذهنه.
2ـ الوظيفة الإيقاعية: فالتكرار يساهم في بناء إيقاع داخلي يحقق انسجاما موسيقيا خاصا .
3ـ الوظيفة التزينية: وتكون بتكرار ألفاظ مختلفة في المعنى ومتفقة في البنية الصوتية،مما يضفي تلوينا جماليا على الكلام.
التوازي
لأمثلة:
1- قال البارودي يصف حديقة:
فإذا نظرت ففي السماء غمَامَةٌ ¯ تَدِقُّ الجُمان وفي الفضاء غديرُ
وإذا أصخت فللبلابل نغمـــــــةٌ ¯ تُشْجي الخَليَّ وللحمـام هديــــرُ
2- وقال أيضا مفتخرا :
أنا المرءُ لا يثنيه عن دَرَكِ العلا ¯ نَعيمٌ، ولا تغدو عليه المفَاقــــِرُ
قؤولٌ وأحلام الرِجال عوازب ¯ صَؤُولٌ ، وأفواه المنايا فواغــرُ
3- قال أبو القاسم الشابي :
ولعلعةُ الحقِ الغضوبِ لها صدٌ ¯ ودمْدَمة الحرب الضَّروس لها فَمُ
4- وقال أيضا :
في ظلام الكهوف أشباحُ شؤْم ٍ ¯ وبهذا الفضــاء أطيــاف نَحْــسٍ
5- قال عبد الرحمن شكري :
يـا ريح أيُ زئير فيك يفزعني ¯ كما يروِع زئير الفاتك الضــاري
يا ريح أي أنين حَنً ســامعــه ¯ فهل بليتِ بفقد الصًحب والجـــار
يا ريح مالكِ بين الخلق موحشَة ٌ¯ مثلُ الغريب غريبِ الأهل و الدار
6- قال المتنبي مادحا سيف الدولة:
وقفتَ وما في الموت شك لواقفٍ ¯ كأنك في جفن الرًدى وهو نائــــم
تمر بك الأبطال كلمى هزيمـــــة ¯ ووجهك وضاح وثغرك باســـــم
7- قال جبران خليل جبران :
الخيرفي الناس مصنوع إذا جبروا¯والشر في الناس لا يفنى وإن قبروا
- ملاحظة الأمثلة:
المثال الأول: الشاعر حقق جمالية شعرية وإيقاعية لا جدال فيها ،وإذا تأملنا في البيتين نجد جمالية أخرى تتحقق من خلال التوازي الحاصل بين الحروف (ف/و) والكلمات (نظرت /أصخت،السماء/البلابل، غمامة/نغمة، تدق/تشجي...)
والعبارات (كل شطر في البيت الأول يوازي نفس الشطر في البيت الثاني)
استنتاج : التوازي هو التشابه القائم على تماثل بنيوي في بيت شعري أو أبيات شعرية .وعادة ما يكون التشابه بين المتوازيين باعتبارهما طرفين متعادلين في الأهمية من حيث المضمون والدلالة ، ومتماثلين من حيث الشكل في التسلسل والترتيب.
المثال الثاني: نجد البيت الثاني تحقق في التوازي بين الكلمات (قؤول/ صؤول،أحلام/أفواه،الرجال/المنايا،عوازب /فواغر) وبتأمل هذا التوازي نكتشف وحدات صوتية تخضع لانسجام صوتي، لتقاربها في المخرج أو الصفة وهذا ما يعرف بالتوازي الصوتي.
استنتاج: إن عنصر الانسجام الصوتي يساهم في إغناء الطاقة التخييلية للشعر .وعندما تتردد عناصر هذا الانسجام الصوتي ، بصورة كلية أو جزئية ،وتكون متوازنة في إيقاعها ومتماثلة في بنيتها الشكلية نسميها التوازي الصوتي
المثال الثالث و الرابع: في المثالين نجد أيضا التوازي على مستوى الحروف والكلمات والعبارات ،وبملاحظة المستوى التركيبي نجده يخضع لتواز محكم ودقيق ،ففي المثال الثالث نجد في الشطر الأول:حرف+اسم+اسم +صفة+جار ومجرور+اسم ،نفس التركيب نجده في الشطر الثاني من نفس المثال،وهذا ما يعرف بالتوازي التركيبي
التام.
أما المثال الرابع فالشطر الأول متواز تركيبيا مع الشطر الثاني إلا أن هذا الأخير يبدأ بحرف لا يوجد في الشطر الأول ويسمى بالتوازي التركيبي الجزئي.
استنتاج: التوازي التركيبي نوعان
التوازي التركيبي التام : ويكون عندما تتساوى عناصر البيت في بنيتها التركيبية وتتفق في الوظائف النحوية والصرفية التي تؤديها.
التوازي التركيبي الجزئي :ويكون بالتطابق بين عناصر ومتواليات الطرفين المتوازيين في البنية النحوية ،مع اختلاف في بنيتهما التركيبية ، بالزيادة أو بالحذف أو بالاستبدال.
المثال الخامس:نجد الأبيات الثلاثة تتمركز حول بؤرة واحدة "يا ريح"فهي إذن تشترك في المعنى الدلالي أي تواز دلالي يتمثل في تطابقالبنية النحوية والصرفية التي تؤدي نفس المعنى الدلالي أي النواة المعنوية.
استنتاج: التوازي الدلالي يتحقق باشتراك الكلمات في نفس المعنى الذي يتولد في ذهن التلقي عبر ما يوحي به التقابل والتجاور بين الكلمات من معان ودلالات.
المثال السادس:المتنبي استعمل كلمات مترادفة(الموت/الردى،كلمى/هزيمة،وضاح/باسم)فالتوازي قائم على الترادف.
استنتاج:التوازي بالترادف هو تشابه بين عنصرين متتالين لإثبات نفس المعنى الدلالي،ويكون بصيغة تعبيرية مختلفة شكلا ومتفقة مضمونا.
المثال السابع:الشاعر جبران استعمل التوازي بالتضاد ( الخير≠≠الشر،مصنوع≠≠ لا يفنى )
استنتاج: التوازي بالتضاد تشابه بين طرفين متعادلين ومتتاليين على مستوى البنية التركيبية ،ولكنهما متقابلين تقابلا ضديا من حيث دلالة تلك العناصر.
خلاصة عامة:
تعريف التوازي:
التوازي هو التشابه القائم على تماثل بنيوي في بيت شعري أو أبيات شعرية .وعادة ما يكون التشابه بين المتوازيين باعتبارهما طرفين متعادلين في الأهمية من حيث المضمون والدلالة ، ومتماثلين من حيث الشكل في التسلسل والترتيب.
ويشترط في التوازي عنصر التوالي دون وجود فاصل بين الجمل المتوازية.
أنواع التوازي:
ينقسم التوازي إلى ثلاثة أنواع :
أ ـ التوازي الصوتي ب ـ التوازي التركيبي(تام وجزئي) ج ـ التوازي الدلالي
صيغ التوازي:
يتحقق التوازي بصيغتين: ـ التوازي بالترادف ـ التوازي بالتضاد
الصورة الشعرية وظائفعا ومكزناتها
المكونات الأمثلة:
1ـ قال البارودي: أرْعَى الكَواكِبَ في السماء كأن لي عند النُّجومِ رَهِينِةً لم تُدْفَــــــــــــــــعِ
زُهْرٌ تَأَلُّقُ بالفضاء كأنهــــــــــــــــا حَبَبٌ تردًدَ في غديرٍ مُتـــــــــــــــــرَعِ
2ـ قال محمد بن إبراهيم: قَريضِي تُوحيه إليً قَرِيحَتِـــــــــــي فأشدوا به شَدْوا به يُخْلَبُ اللُـــــــــبُّ
معانيه لي قد أسْفَرَتْ عن لِثَامِهَـــا ويأتي ذَلُولا منه لِي يسْهُلُ الصعــــبُ
3ـ قال علال الفاسي: حمامةَ الرَّوْضِ ،قد هَيَّجْتِ أشْجَانِي لَمََّا شَدَوْتِ بلحن منك أبكانــــــــــــي
هل أنت مثلي في وَجْدٍ وفي شَجَـنٍ نَأََيْتِ قبلي عن أَهْلٍِ وجيــــــــــــــرانِ
هيا نُرَدِّدٌ أهازيجا مُرَوِّعَــــــــــــــة نَعْزِفُ على وَتْرٍ في القلب رَنَّـــــــــانِ
فكل ما هنا يدعو لأغنيــــــــــــــــة أسِيفَـــــة ، من فؤاد مِثْلِ بُرْكَـــــــــانِ
- ملاحظة الأمثلة:
المثال الأول:في البيت الثاني من المثال نلاحظ الشاعر شبه النجوم في الفضاء بالفقاعات المتلألئة فوق سطح الماء،فشبه صورة النجوم بصورة الفقاعات .
فهذه صورة شعرية شكلتها الكلمات عبر تركيب لغوي، عاطفي ، خيالي، لتصوير معنى عقلي يجمع بين شيئين من خلال علاقة المشابهة ، وقد تكون تجسيدا أو تشخيصا أو تجريدا . وقد جاءت الصورة عبر تشبيه مفرد بمفرد .فهي صورة مفردة
المثال الثاني: بملاحظة المثال الثاني نجد أن الشاعر اعتمد نفس المكونات التي تشكل الصورة وهي اللغة والعاطفة والخيال، فجعل موهبته الشعرية، وهي صورة معنوية، تشبه في وضوحها وجلائها صورة المرأة وهي تظهر محاسن وجهها ، وهي صورة مجسدة،فالصورة جاءت مركبة بين ما هو معنوي وما هو مادي (جسدي)، فجاءت عناصرها متداخلة ، تعكس تجربة الشاعر المعقدة .
المثال الثالث: الشاعر وظف صورة الحمامة للتعبير عن مجموعة من المعاني التي يعانيها الشاعر :الغربة والوحدة والشجن إلى حد تمازج مشاعره بصورة الحمامة بكل مكوناها فهي إذن صورة شعرية كلية.وجاءت مركبة تجمع بين صورة معنوية مشاعر الشاعر وصورة الحمامة بما تحمله من صفات مادية ومعنوية.
خلاصة عامة:
تعريف الصورة الشعرية:
الصورة الشعرية تركيب لغوي بمكن الشاعر من تصوير معنى عقلي وعاطفي متخيل ليكون المعنى متجليا أمام المتلقي، حتى يتمثله بوضوح ويستمتع بجمالية الصورة التزينية.وتعتمد التجسيد والتشخيص والتجريد والمشابهة
أنواع الصورة الشعرية :
تتشكل الصورة الشعرية بعدة مستويات:
1ـ الصورة المفردة : وتعتمد التصوير الحسي الموجود بين المتشابهين في الظاهر دون النفاذ إلى المعاني النفسية.
2ـ الصورة المركبة : وتكون عبر تصوير يجمع بين ما هو حسي وما هو نفسي عاطفي تتداخل فيها العناصر.
3ـ الصورة الكلية : وتعتمد على تكثيف كل عناصر الصورة عبر التنسيق بينها في سياق تعبيري واحد، والجمع بين ما هوتجسيدي وما هو نفسي، في تشكيل يعكس تجربة الشاعر.
مكونات الصورة الشعرية:
تعتمد الصورة الشعرية على ثلاث مكونات أساسية :
مكون اللغة: نسيج الألفاظ في التعبير الشعري يشكل الصورة التي يعبر بها الشاعر عن تجربته، فاللغة هي عماد الصورة الشعرية.
مكون العاطفة: تعتبر العاطفة هي الروح التي تنفخ في اللفظة التي تأخذ القالب النفسي الوجداني لحالة الشاعر.
مكون الخيال: وهو الذي يمكن اللغة والعاطفة من تحديد معالم الصورة فيتفاعل معها المتلقي شكلا ومضمونا .
الوظائف الأمثلة:
1 ـ قال إدريس الجاي:
عُودي إَليً خَوَاطِرَ الذٍكْــــرَى كالعِــــــطرِ بين السًوْسَنِ الذًابِــــــــلِِ
كاللمحة المشْدوهَةِ الحَيْـــرَى منْ جَفْنِ مَحْمومِ الرٌؤَى الذًاهِــــــــلِ
كالمُقْلَةِ المَحْزونَةِ السًكْــــرَى بعد الحَبِيبِ الغَادِرِ الراحِــــــــــــــــلِ
2 ـ قال سليمان العيسى:
كالبحر نحنُ ، وصَدٍقِيــــــــــ ــني، أننا أبْقَى ثَبَاتَـــــــــــــــــــــــــا
ماذا؟ إذا مِتْنَـــــــــــــا ، إذا ما الجَيْلُ والجَيْلان مَاتـــَـــــــــــــا
مَنْ قـــــــــال : إن الأرض أر ضُ المَجْدِ لا تُسْــــــقَى رُفَاتــــــَـــــا
مِنْ قَلْبِ هذا الجَذْبِ ، هــــــــ ــــذا الموت أنْتَظِرُ الحَيَـــــــــــــــــاةَ
- ملاحظة الأمثلة:
القسم الأول من الأمثلة:
الأبيات الثلاثة تعبر عن الحالة النفسية التي يعيشها الشاعر تبدأ بالالتماس عبر فعل الأمر(عودي)، التماس يبين عمق الغربة والحنين التي يعيشها الشاعر، مما جعله يلتمس الذكرى كالعطر،كاللمحة،كالمقلة ،لنفسه الذابلة ، الحيرى، السكرى.فشبه خواطر الذكرى وهي حالة معنوية بمتعدد حسي العطر بين السوسن واللمحة المشدوهة والمقلة المحزونة . فالصورة هنا جاءت كلية لكون عناصر التشبيه معنوية لا تدرك مباشرة،ووظيفتها نفسية تعبر عن نفسية الشاعر.
القسم الثاني من الأمثلة:
هذه الأبيات الأربعة المشبه نحن وهو حسي والمشبه به البحر وهو أيضا حسي يشخص وجه الشبه الثبات والقوة ،ولترسيخ الفكرة توسل الشاعر بالاستفهام والتوكيد ليبين أن الموت يغذي الأرض ليبعث منها الإنسان أكثر قوة وعزيمة عن ذي قبل.
فالصورة الشعرية لها وظيفة تأثيرية تجعل المتلقي يقتنع بموقف الشاعر، ويتفاعل مع أفكاره
خلاصة عامة:
الصورة الشعرية تؤدي وظيفتين أساسيتين:
وظيفة نفسية : ومن خلالها يسعى الشاعر إلى التعبير عن عواطفه وأحاسيسه، وتتميز بالخصائص التالية:
ـ التدرج في التعبير عن نفسية الشاعر بدءا من نفسيته والغرض الذي يرمي إليه من ورائها.
ـ التركيز على مشاعر الشاعر الداخلية، وتجربته الوجدانية .
ـ هيمنة البعد النفسي على تشكيل الصورة فكريا وفنيا جماليا .
وظيفة تأثيرية : وتسعى إلى إشراك المتلقي وإقناعه بمواقف الشاعر وأفكاره، ومن مميزاتها ك
ـ تجسيد المجردات وتشخيص المعاني حتى يتأثر المتلقي مباشرة مع الصورة .
ـ إقناع المتلقي بالفكرة أو المعنى المراد من الصورة .
ـ إثارة الاستجابة الفنية في المتلقي بتحريك مخيلته وما يختزنه من أفكار ودلالات.
ـ تحقيق التناسب الوجداني بين حالة الشاعر والصورة الشعرية.
وتستمد الصورة الشعرية وظيفتها التأثيرية من ثلاث أسس:
ـ تجارب الشاعر الشخصية وتأملاته في الحياة .ـ استثمار تجارب الآخرين والتواصل الوجداني معها.
ـ مهارات الشاعر الإبداعية القادرة على احتواء المتلقي والتأثير فيه.
السطر الشعري
مثال الإنطلاق: قال الشاعر محمود درويش في قصيدة "قتلوك في الوادي" :
أهديك ذاكرتي على مرأى من الزمن
أهديك ذاكرتي
ماذا تقول النار يا وطني؟
ماذا تقول النار؟
هل كنت عاشقتي
أم كنت عاصفة على أوتار؟
وأنا غريب الدار في وطني
غريب الدار.
- ملاحظة المثال:
ـ الشاعر في هذا المقطع يعبر الشاعر عن مظاهر الغربة والتشرد في المنفى بعدما سلبت أرضه فلسطين ، ولم يبق له إلا ما يختزنه في ذاكرته من شوق وحنين.
ـ وليعبر الشاعر عن تجربته أختار بناء إيقاعيا يختلف عن البناء التقليدي،وذلك بخرق نظام الشطرين وتعويضه بنظام السطر الشعري التفاوت في الطول بتفاوت عدد التفعيلات من سطر لأخر .
ـ وبتقطيع الأسطر الشعرية تقطيعا عروضيا نجدها نجدها جاءت على وزن "متفَاعِلُن " وهي تفعيلة وزن بحر الكامل.
السطر الأول يحتوي على أربع تفعيلات،والسطر الثاني يحتوي على تفعيلتين،وهذا ما يبرر الاختلاف في التوزيع الشكلي للأسطر.
ـ أما القافية فجاءت متنوعة الروي بين النون في السطر الأول والثلث والسابع،والتاء في السطر الثاني والخامس،والراء في السطر الرابع والسادس والثامن.
ـ والملاحظ على السطر الشعري أنه لا ينتهي مع انتهاء المعنى ،وإنما مع انتهاء الدفقة الشعورية التي يفجرها الشاعر ، وهي التي تتحكم في طول السطر وعدد تفعيلاته.
خلاصة عامة:
السطر الشعري تركيبة إيقاعية تتسم بتكرار وحدة موسيقية (التفعيلة) دون الإلتزام بعدد محدد من هذه التفعيلات.
ويتميز السطر الشعري في الشعر الحديث بما يلي:
ـ يتيح السطر الشعري للشاعر حرية اختيار عدد الوحدات (التفعيلات) تبعا لرؤيته الشعرية ،ودفقاته الشعورية.
ـ السطر الشعري لا ينحصر في جملة تامة ،وإنما قد يكون كلمة أو أكثر حسب التجربة الشعورية للشاعر.
ـ قد لا يحتوي السطر الشعري على الحشو عندما تشغل تفعيلة واحدة سطرا كاملا فتكون عندئذ ضربا بدون حشو.
ـ القافية في السطر الشعري تعتمد على الحاسة الموسيقية لدى الشاعر فتتنوع بتنوعها .
ـ يمكن للمعنى أن يتجوز السطر الشعري إلى عدة أسطر تشترك في الخصائص الإيقاعية والدلالية ،وقد تكون القصيدة بأكملها جملة شعرية.
الرمز والاسطورة
1ـ قال بدر شاكر السياب:
رحلَ النهار
ها إنـَّـه انطفأت ذبالته على أفقٍ توهجَ دونَ نار
و جلستِ تنتظرينَ عودة سندبادَ منَ السـِّـفار
و البحرُ يصرخُ من ورائكِ بالعواصفِ و الرعود.
هوَ لن يعود،
أوما علمتِ بأنهُ أسرتهُ آلهة البحار
في قلعةٍ سوداءَ في جزرٍ من الدمِ و المحار.
هو لن يعود،
"رحل النهار" 2ـ قال أدونيس :
أقسمت أن اكتب فوق الماء
أقسمت أن احمل مع سيزيف
صخرته الصماء
أقسمت أن أظل مع سيزيف
اخضع للحمى وللشرار
ابحث في المحاجر الضريرة
عن ريشة أخيرة
تكتب للعشب وللخريف
قصيدة الغبار
أقسمت أن أعيش مع سيزيف
"إلى سيزيف"
- ملاحظة الأمثلة:
المثال الأول:
بملاحظة جملة "رحل النهار" نجدها تمثل انزياحا دلاليا لتنافر "رحل"فعل متعلق بكائن حي و"النهار" ظاهرة فيزيائية غير عاقلة ،ولاختزال التنافر نؤَوٍل "النهار" الذي يعني العمر والحياة عند السياب، فالنهار يرمز للعمر .
كما أن السندباد في القصص العربية رمز للرحلة والمغامرة ويتقاطع مع الشاعر في طول رحلته عبر الحياة إلا أنه لن يعود للحياة كما كان يعود السندباد من رحلاته البحرية المحفوفة بالمخاطر.
المثال الثاني:
"شعر سيزيف باقتراب الموت فأقنع زوجته بأن لاتدفنه. والآن هو ميت !نجح بأخذ الإذن بالعودة إلى الحياة وبعد أن وعد بالرجوع إلى عالم الموتى حيث هيديس الملك ، ليطلب من زوجته أن تدفنه بطريقة صحيحة ، لكنه عندما رأى ضوء الشمس وجمال الحياة ، بدأ يخادع ولا يفكر بالرجوع ! و عاش حتى أصبح هرما ومن ثم مات . لكن العقاب برفع الصخرة كان بالمرصاد جزاء لخداعه."
هذه الأسطورة رديفة لمعنى الاستمرار والعمل والتفاؤل وتكرار الفعل وقد وردت في النصوص كما لدى أدونيس بمثابة إعادة دورة الحياة كل صباح على أمل الخلاص.
وهذه الأسطورة يعبر بها الشاعر عن موقفه الفردي من النضال في الحياة ،كما يعبر عن موقف الجماعة ألأمة العربية في نضالها ضد الظلم والإحتلال.
خلاصة:
1ـالرمز يعرف في الأدب باستعمال كلمة تحمل دلالات مشتركة بين مجموعة وذلك للتعبير عن تجربة شعورية بكل دقة ،واختزال لمعاني دلالية عميقة .
والرمز قد يأتي على نوعين : مفردا عندما يحيل على مدلول مباشر (الميزان رمز للعدل)، أو يأتي مركبا عندما يكون المدلول متعددا ويتطلب منا التأويل بحسب مقام النص.
ويعتمد الرمز على مصادر متعددة فيكون كلمة عادية (النهارـ حمامة ـ ميزان)أو مستوحاة من التاريخ أو التراث أو الدين أو الأسطورة.
والرمز يسعى في وظيفته إلى تكثيف الصورة الشعرية و إغنائها ،كما يزيد من أبعاد الجمالية الفنية للقصيدة .
2ـ الأسطورة قصة تجمع بين والواقع والخيال فتحول الظواهر والأشخاص إلى كائنات غير عادية تصل إلى حد الخرافة .
وقد استمد الشاعر والمبدع عامة أساطير من التاريخ العالمي ووظفها لما تحيل عليها من معان ودلالات ورموز للتعبير عن تجربته ،وقد يشحنها بمعان ودلالات جديدة تتماشى مع رؤياه
الخطاطة السردية
ة الانطلاق:
1ـ قالت شجيرة الورد: "كنت في قديم الزمان كما قلت لك شجيرة ورد أبيض، وكان يقال عن وردي أنه يشبه الثلج وغيوم الصيف. وفي يوم من الأيام جاء رجل وقعد قريباً مني، وبكى بحرارة، فسألته عن السبب، فقال لي أن ثلاثة أيام مرت عليه دون أن يأكل أي طعام، فآلمني كلامه، وقررت مساعدته، وقلت له: وردي أجمل من الخبز، فاقطف وردة من وردي واجعلها طعامك، ولا بد من أنها ستسكت جوعك بعض الوقت. فقال الرجل لي: أنت بالتأكيد شجيرة حمقاء، فهل الوردة الجميلة تشبع معدة جائع؟ وابتعد عني غاضباً، فخجلت خجلاً عظيماً إلى حد أن لوني الأبيض اختفى، وصرت منذ تلك اللحظة شجيرة تنبت ورداً أحمر اللون".
2ـ "كان زيد ثريا،وأصبح فقيرا،ثم صار مرة أخرى ثريا".
- ملاحظة الأمثلة:
المثال الأول:
بعد قراءة وتدبر المثال الأول نجده يتكون من ثلاث مقاطع:.
ـ المقطع الأول : ويمثل بداية القصة بتحديد زمن الحدث(في قديم الزمان) وهوية الشخصيات(شجيرة ورد أبيض).
ـ المقطع الثاني :ويبدأ بالحدث(جاء رجل وقعد قريباً مني، وبكى بحرارة)وتطور الحدث(فسألته ـ فقال لي ـ وقلت له)وتأزم الحدث(فقال الرجل لي: أنت بالتأكيد شجيرة حمقاء ـ وابتعد عني غاضباً)والنتيجة(فخجلت خجلاً عظيماً إلى حد أن لوني الأبيض اختفى).
المقطع الثالث : نهاية القصة (وصرت منذ تلك اللحظة شجيرة تنبت ورداً أحمر اللون).
من خلال المقاطع المشكلة للقصة نجد أنها تخضع لتراتبية زمنية متسلسلة: البداية ـ الوسط ـ النهاية .
المثال الثاني:
هذا المثال جاء مختصرا ومركزا بدون تفاصيل أو جزئيات ومع ذلك نجد البداية(كان زيد ثريا)والوسط(وأصبح فقيرا)والنهاية(ثم صار مرة أخرى ثريا).
من هنا يتبين أن طول النص أو قصره لا يغير من بنية الخطاطة السردية في الحكاية أو القصة في حالتي التوسيع والتلخيص.
خلاصة:
الخطاطة السردية تمثيل مبسط ومختصر لمختلف العمليات التحويلية الكبرى في مجرى السرد والتي تنتظم وفق البنية التالية :البداية والوسط والنهاية.
وكل بنية ترتبط بوضعية خاصة:
البداية : وتمثل الوضعية الأولية أي وضعية الانطلاق ،تقدم الفرش العام للحكاية وتتميز في الغالب بالسكون والهدوء.
الوسط: ويمثل وضعية السيرورة والتحول وفيها يكون التحول والتغيير بطرقة تصاعدية لتعود إلى وضع مستقرمن خلال الحدث وتطور الحدث ثم النتيجة.
النهاية : وهي الوضعية النهائية التي تعرفها الحكاية حيث تعود إلى السكون والهدوء بحسب نهاية الحدث.
ثلة الانطلاق:
1ـ حمل الرجل ذو الوجه المجدور الحقيبة الحمراء ، وانحدر مع شارع "سميحة" ،انعطف إلى اليمين وسار بضع خطوات ثم وقف ،مزق الحقيبة الجلدية بسكينه فوجد بداخلها ورقة بيضاء ...ورقة بيضاء فقط وحيدة ،ولا شيء آخر في الحقيبة الحمراء، بصق.... ورمى الورقة في سطل الزبل المجاور ثم طوى الحقيبة الجلدية بعناية ودسها تحت معطفه وتابع طريقه... ".
مقطع من قصة "اللوح المحفوظ" لأحمد بوزفور من مجموعته القصصية "النظر في الوجه العزيز" ـ منشورات الرابطة الدار البيضاء 1995 ص 112
2ـ "كان زيد ثريا ثم بدر أموالا كثيرة ، ومنذ ذلك الحين صار فقيرا".
- ملاحظة الأمثلة:
المثال الأول:
بعد قراءة وتدبر المثال الأول نجده يتكون من متواليات سردية جاءت كالتالي:
ـ الوضعية الأولية: (حمل الرجل الحقيبة وسار في الشارع)
ـ سيرورة التحول: وتبدأ بالحدث(توقف ومزق الحقيبة ليجد بها ورقة بيضاء)وتطور الحدث(بصق ورمى الورقة)و النتيجة(طوى الحقيبة).
ـ الوضعية النهائية (وضع الحقيبة تحت معطفه وتابع السير).
من خلال المتواليات السردية المشكلة للقصة نجد أنها تخضع لتراتبية زمنية متوالية: حمل،انحدر، انعطف،وقف، مزق،وجد،بصق،رمى،طوى ،دس،تابع .
المثال الثاني:
هذا المثال جاء مختصرا ومركزا بدون تفاصيل أو جزئيات ومع ذلك فهو يخضع للمتواليات سردية التالية:
ـ الوضعية الأولية: كان زيد ثريا.
ـ سيرورة التحول: بدر أموالا كثيرة.
ـ الوضعية النهائية :ومنذ ذلك الحين صار فقيرا.
من هنا يتبين من خلال المتواليات السردية المشكلة للقصة أنها تخضع لتراتبية زمنية متوالية تحكمها علاقة منطقية فالتبذير كان سببا في الفقر.
*نستخلص من الخطاطة فائدة تحليلية تمكننا من تقسيم النص إلى متواليات سردية،نصنفها زمنيا ومنطقيا.
كما تحقق الخطاطة وظيفة تركيبية تمكننا من اختزال مضمون النص وتكثيفه.
خلاصة:
الخطاطة السردية تتتبع متواليات النص السردية انطلاقا من الوضعية الأولية ثم سيرورة التحول والوضعية النهائية.
والمتواليات في الخطاطة السردية نجدها تنتظم وفق طريقتين :
ـ طريقة التتابع الزمني : وذلك عندما تتعاقب الأحداث زمنيا عبر مشيرات تفيد الزمن.
ـ طريقة التلازم المنطقي : وتكون بترابط المتواليات عبر العلة أو السببية، حيث كل وضعية تنتج عنها وضعية جديدة.
وبتتبع متواليات النص السردية عبر الخطاطة السردية تتحقق عدة مزايا منها:
ـ التمكن من تقطيع النص تقطيعا سليما ، وتركيز الأحداث في ذهن التلقي، والتعرف على العلاقات التي تربط بينها .
ـ تحقق وظيفة تحليلية تجعلنا نتعرف سيرورة الحدث والعناصر المتحكمة في تسلسل متوالياته زمنيا ومنطقيا.
ـ تحقق الوظيفة التركيبية التي تجعلنا نكثف مضمون النص واختزال وقائعه وأحداثه في مقولات مجردة ومركزة.
الانسجام والاتساق
مثلة الانطلاق:
"إن مؤرخي الآداب العرب ، وإن اتفقوا على القول بتأثير الوسط الاجتماعي في الأدب العربي الذي يظهر فيه ، لم يتفقوا على أي العوامل الاجتماعية يؤثر أكثر من غيره في الآداب ،فذهب زيدان والزيات إلى أن العامل السياسي هو المؤثر الأقوى في الأدب (...) ولكن طه حسين لم ير في ذلك رأيهما ، إذ العامل السياسي عنده لا يعدو أن يكون مؤثرا من بين مؤثرات أخرى عديدة في الأدب (...) وأما الرافعي فإن العامل السياسي عنده يؤثر في الأدب حينا ، ولا يؤثر فيه حينا آخر ."
حسين الواد " في تاريخ الأدب ـ مفاهيم ومناهج " المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ بيروت 1993 ط3 ص 76
- ملاحظة الأمثلة:
بقراءة النص يتبين أنه تحققت فيه شروط الاتساق تركيبيا ودلاليا ومعجميا عبر روابط ووسائل لغوية.
وبتمعن مضمونه نعرف أنه نص نقدي يتناول قضية تأثير الوسط الاجتماعي في الأدب العربي ،فمكونات النص تجمع بينها علاقات متينة يدركها المتلقي، ويستطيع تأويلها تأويلا مناسبا ،وهو ما يحقق انسجامنا مع النص .
وهذا الانسجام تم عبر عدة مستويات أو مبادئ وعلى رأسها:
مبدأ السياق : فعند قراءة النص عرفنا أنه نص نثري نقدي ويركز على قضية نقدية محددة وهي أي العوامل الاجتماعية أكثر تأثيرا في الأدب العربي.وهذا قربنا من النص وجعلنا ننسجم معه .
وهناك أيضا التأويل المحلي : ويتجلى ذلك من خلال قدرتنا على تأويل ما جاء في النص من مفردات تجمع بينها علاقات جعلتها منسجمة مع بعضها ومع القارئ فمؤرخي الأدب العربي نجد منهم في النص (طه حسين وأحمد الزيات وزيدان ثم الرافعي)وكلهم اهتموا بقضية تأثير الوسط الاجتماعي في الأدب العربي.
وبقراءة النص نجده يتشابه مع نصوص نقدية أخرى تهتم بالجانب الاجتماعي في الأدب العربي ،كالتي رأينا في درس النصوص ("علم اجتماع الأدب" ، لحميد لحمداني )،فتحقق الانسجام من خلال مبدأ التشابه.
وبقراءة النص نجده يتمحور حول تيمة مركزية تتكرر عبر النص وهي الأدب العربي محور الدراسة في النص وفيه تصب كل المحاور الجزئية المطروحة في النص ،فتحقق الانسجام عبر هذا المبدأ مبدأ التغريض (الكلمة المحور).
وبتتبع مبادئ الانسجام المحصلة نجد أنها تحققت عبر مجموعة من العمليات التي قربت بين النص والمتلقي وأول هذه العمليات المعرفة الخلفية ،وهي المخزون الفكري والثقافي الذي يجعلنا نفكك ونأول المفردات المختزلة في النص فنتعرف دلالاتها وأبعادها الفكرية (تاريخ الأدب ـ الوسط الاجتماعي ـ طه حسين ـ العامل السياسي ..).
وهذه المعرفة الخلفية تمكننا من تنظيم أفكار النص من العام إلى الخاص حسب الأهمية فالنص دراسة أدبية نقدية تهتم بتاريخ الأدب العربي ،واختلاف المؤرخين حول أي العوامل الاجتماعية يؤثر أكثر من غيره في الآداب ،وكل هذه الخطوات تمت عبر العملية التنظيمية.
خلاصة:
الانسجام في اللغة هو ضم الشيء إلى الشيء، و في الاصطلاح هو مجموع الآليات/ العمليات الظاهرة والخفية التي تجعل قارئ خطاب ما قادرا على فهمه وتأويله،وهناك مجموعة من المبادئ والعمليات التي تساهم في تحقيق الانسجام:
مبدأ السياق: ويتشكل من علاقة النص بالقارئ مما يمكنه من تحيد ظروف القضية وزمانها ومكانها ...
مبدأ التأويل المحلي : ويرتبط بقرائن النص التي يؤول بعضها بعضا ،فنعرف موضوع النص والعلاقات والقرائن التي تربط بين عناصره .
مبدأ التشابه: ويتم ذلك عبر تشابه النص مع نصوص أخرى في القضية التي يقاربها.
مبدأ التغريض: ويقصد به الموضوع الرئيسي/ [النواة الرئيسية] الذي يتمحور حوله الخطاب المدروس.
وهذه المبادئ ساهمت في تحققها عمليات أساسية ساهمت في بناء الانسجام منها:
ـ الخلفية المعرفية :وهي ما يحمله المتلقي من معلومات ومعارف تمكنه من التأويل والتفسير والتحليل .
ـ الخلفية التنظيمية : وهي ما نستحضره من تمثلات حول النص مرتبة بانتظام كتحديد مجال النص وجنسه ونمطه وخلفيته النظرية، مما يساعد على فهم النص والانسجام مع معطياته
مثلة الانطلاق:
1 ـ شرعت في الصعود إلى القمة ، الصعود سهل للغاية .
2 ـ شرعت في الصعود إلى القمة ، التسلق سهل للغاية.
3 ـ شرعت في الصعود إلى القمة ، العمل سهل للغاية.
4 ـ شرعت في الصعود إلى القمة ، الشيء سهل للغاية.
5 ـ لماذا يتوجع هذا الولد الصغير في كل وقت وحين ؟ البنات لا تتوجعن .
- ملاحظة الأمثلة:
كل مثال من الأمثلة يتكون من جملتين تحقق بينهما الاتساق الذي وحد بينهما، إلا أن الاتساق بين كل جملتين لم يتحقق بالوصل أو الإحالة .
فالمثال الأول نجد كلمة (الصعود) تكررت في الجملتين ،فالتكرار اللفظي حقق الاتساق بين الجملتين.
أما المثال الثاني فقد تكررت كلمة (الصعود) في الجملة الثانية من خلال مرادفها (التسلق) فحقق بذلك الترادف الاتساق.
والمثال الثالث تكررت كلمة (الصعود )في الجملة الثانية عبر كلمة(عمل) وهي تدل على معنى عام وهو ما ضمن الاتساق بين الجملتين.
وفي المثال الرابع نجد في الجملة الثانية كلمة (الشيء) تعود على كلمة (الصعود) الواردة في الجملة الأولى وهي أعم وأشمل من كلمة (عمل)،فتحقق بذلك الاتساق.
وبملاحظة المثال الخامس نجد أن الاتساق بين الجملتين يعود إلى علاقة معجمية أيضا ،ولكن ليس عبر التكرار، وإنما هنا عبر علاقة التضاد أو التعارض (الولد ≠ البنات ) ،وهناك علاقات أخرى يتحقق عبرها الاتساق كعلاقة الجزئية (إصبع/يد) ،وعلاقة الكلية (بستان /زهرة) ،وعلاقة الترتيب في العدد(واحد/اثنان)،وعلاقة الترتيب الإداري(الناظر/المدير).... وهذا النوع من الاتساق المعجمي يسمى التضام .
خلاصة:
الاتساق المعجمي مظهر من مظاهر اتساق النص يربط بين جمله بدون وصل أو إحالة ،وإنما عبر العلاقات المعجمية القائمة بين مفردات النص ووحدات من جمله ،ويحققها التكرار والتضام .
ـ الاتساق المعجمي بواسطة علاقة التكرار: ويتم بتكرار عنصر معجمي بعينه ،أو بمرادفه ، أو عنصر مطلق أو عام شامل له.
ـ الاتساق المعجمي بواسطة علاقة التضام : ويتم عبر توارد زوج من الكلمات ترتبط بعلاقة معجمية غير التكرار كالطباق ،والجزئية، والكلية، والعموم ،والخصوص ،والترتيب ،والمجاورة،وغيرها من العلاقات الممكنة بين مفردات النص ووحداته
الحجاج
ثلة الانطلاق:
"كان التراث بالنسبة لكثير من الحداثيين العرب أمرا من شؤون الماضي،الماضي الذي يجب أن نحقق معه قطيعة معرفية ،أليس هذا هو أبرز شروط الحداثة الغربية؟ بهذا وضعنا تراثنا البلاغي أمام "مرايا مقعرة "صغرت من حجمه .وقللت من شأن انجازات العقل العربي ،وما أفعله في الدراسة الحالية ليس أكثر من محاولة لإنصاف البلاغة العربية والعقل العربي، أردت بها أن أستبدل بالمرايا المقعرة مرايا عادية ،ليست محدبة تضخم من حجم تلك البلاغة وانجازاتها .كما أنها ليست مقعرة تقلل من شأنها وتصغر من حجمها ،مرايا تعكس الحجم الحقيقي لإنجازات العقل العربي والبلاغة العربية ،وفي ذلك لا أرى إلا أنني صاحب قضية أحاول إثباتها...
وتقديم البديل المقنع هو في الحقيقة مقدمة أهدافنا الثقافية ،إذ إن الواقع الثقافي العربي يؤكد عدم صحة المقولة التي يرددها البعض ،والتي ترى أننا تحولنا من استهلاك الحداثة الغربية المستوردة في الثمانينات ،إلى إنتاج حداثة عربية خاصة بنا في تسعينيات القرن العشرين ،وقد سبق لي أن وضعت الحداثيين العرب أمام تحد محدد:"فليحدد أحدكم تلك الحداثة العربية التي أنتجتموها؟!".
وما أفعله هنا أيضا بالدعوة إلى "وصل ما انقطع "هو محاولة رأب الصدع ،ووضع نهاية لثقافة الشرْخِ...".
ذ.عبد العزيز حمودة :المرايا المقعرة .نحو نظرية نقدية عربية .سلسلة عالم المعرفة ـ الكويت غشت 2001الصفحة 13
- ملاحظة الأمثلة:
بقراءة النص يتبين أن الكاتب له موقف من التراث ،يدافع عنه بالرد على الحداثيين الذين تعمدوا إقصاء التراث باعتباره جزءا من الماضي،كما أنه لا يؤيد من يضخم التراث أكثر مما يستحق،معتبرا موقفه وسطا موضوعيا منصفا
ومن خلال هذا العرض يجادل الكاتب الموقفين مقترحا موقفا ثالثا ،وهذا ما يعرف بالخطاب الحجاجي حيث أورد الأطروحة (موقف الحداثيين المعارض للتراث) ونقيض الأطروحة (موقف المقدسين للتراث)ثم جاء بالتركيب الذي يطالب فيه بوضع التراث في حجمه الحقيقي دون حيف أو تحيز .
وبملاحظة طريقة بناء الكاتب لموضوعه نجد أنه توسل بمجموعة من مشيرات التلفظ كالضمائر التي تحدد أطراف الحجاج (الكاتب من خلال ضمير المتكلم : أفعله، أردت، لا أرى، أحاول، سبق لي، أفعله)و(والحداثيون من خلال ضمير المخاطب والغائب : كثير من الحداثيين العرب، فليحدد أحدكم ..،التي أنتجتموها).
وهناك أيضا الاستفهام (أليس هذا هو أبرز شروط الحداثة الغربية؟)،والأمر(فليحدد أحدكم تلك الحداثة العربية) والتشبيه(مرايا مقعرة) والشرح(إذ إن الواقع الثقافي العربي يؤكد عدم صحة المقولة التي يرددها البعض) والتفسير واستعمال المعجم الدال على الموقف (التصغير ،التقليل ،الصدع، /الإنصاف ، البديل المقنع ،رأب الصدع..)
ولأجل الدفاع وتحقيق الإقناع اعتمد الكاتب مشيرات تنظيمية منطقية تبدأ باستدلال عقلي عبر الاستنباط الذي يحكم به الكاتب على موقف الحداثيين من التراث، ثم الاستقراء من خلال تتبع وضعية التراث بين الحداثيين والمضخمين للتراث وما يصاحب ذلك من شرح وتفسير واستشهاد بوضعية الحداثة العربية، ومقارنة الحداثة عند العرب بين زمنين ...
خلاصة:
الحجاج لغة : مصدر حاجَجَ أي نازع بالحجة، واصطلاحا هو نشاط إقناعي واستدلالي ، على شكل خطاب يوظف تقنيات لغوية وتنظيمية تسعى للتأثير في المتلقي لكسب تأييده ، وقد تعددت مجالات استعمال الحجاج بين الخطب والمناظرات والمرافعات القضائية والمقالات ،فتعددت بذلك الأساليب والإجراءات الموظفة في الإقناع ومنها:
1 ـ مشيرات التلفظ : وتمثلها العناصر النحوية والمعجمية ومنها "الضمائر وحروف الشرط والتوكيد والنفي والتفسير والاستدراك والتشبيه والاستعارة والطباق والأساليب الإنشائية التي تستجيب لخصوصيات العملية الحجاجية .
2 ـ مشيرات التنظيم : وتتعلق بمستوى الخطاب والمهارات الاستدلالية المنطقية كالتدرج في عرض المناقشة وفق أسلوب استنباطي واستقرائي مع التحليل والمقارنة والتعليل والاستشهاد