الأمرهو طلب الفعل على جهة الاستعلاء والإلزام بفعله وللأمر صيغ أربع وهي:
1 ـ صيغة فعل لأمر قوله تعالى: )يا يحيى خُذِ الكتابَ بقوة( (مريم 19/12)
وقوله: )فخذها بقوة وأمُرْ قومك يأخذوا بأحسنها( (الأعراف 7/145)
وكقوله: )وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين( (البقرة 2/43)
وقوله: )يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين( (آل عمران 3/43)؛
خطاب عامل المدينة مروان بن الحكم للفرزدق:
ودَعِ المدينة، إِنَّها مَرْهوبةٌ واعمَدْ لمكَّةَ أَوْ لبَيْتِ المَقْدسِ
ألق الصحيفة يا فرزدق؛ إنها نكراءُ مثلُ صحيفة المُتَلمِّسِ
2 ـ الفعل المضارع المقرون بلام الأمر:من قوله تعالى: )ليُنْفق ذو سَعَةٍ من سعته( (الطلاق 65/7)؛ وقوله: )وليُوفُوا نُذورَهم؛ وليَطَّوْفُوا بالبيت العتيق( (الحج 22/29)؛ والفعل (ليجلّ ـ ليفدح) من قول أبي تمام:
كذا فليَجِلَّ الخَطْبُ وليفدحِ الأَمْرُ فليس لعَيْنٍ لم يَفِضْ ماؤُها عُذْرُ
3 ـ اسم فعل الأمر:
هو كلمة تدل على ما يدل عليه الفعل، ولا تقبل علامته... وهو يلزم صيغة واحدة إلا ما لحقته كاف الخطاب فيراعى فيه المخاطب (عليكَ، دونكَِ، رويدكَِ) فيمكن أن نقول: عليكما ـ دونكما ـ رويدكما.... عليكم ـ دونكم ـ رويدكم...)
التنوين يلحق بعض صيغه فيفيد معنىً إضافياً وإن لزم حالة واحدة؛ مثل (مَهٍ، وصَهٍ، وإيهٍ).
وقيل في (هاك) ـ بمعنى خذ ـ إنها تتجرد من الكاف وتصبح (ها)، ويجوز أن تلحقها الهمزة، وتتصرف؛ فنقول: للواحد (هاءَ)، وللواحدة (هاءِ)... ولجمع الذكور (هاؤم) كقولـه تعالى: )هاؤم اقرؤوا كتابِيَهْ( (الحاقة 69/19) أي خذوا.
وكذلك ذهب قوم إلى عدم إلزام (هاتِ) حالة واحدة، ومنه كقوله تعالى: )هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين( (البقرة 2/111). ومثله اسم الفعل (هلمَّ: تعال) فنقول: (هلموا إلينا) وإن جاء بصيغة واحدة في قوله تعالى: )قد يعلمُ الله المُعَوَّقين منكم والقائلين لإخوانهم: هَلُمَّ إلينا( (الأحزاب 33/18).
أقسام اسم فعل الأمر ثلاثة :(1) أسماء مرتجلة: (أي وُضعت في أصلها كذلك) ومنها (آمين: استجب) و(صَهْ: اسكت) و(مهْ: اكفف) و(بَلْهَ: دَعْ أو اترك) و(حيَّ: أَقبلْ) و(إيهِ: ازدَدْ، أو أقبل)...
2 ـ أسماء منقولة عن جار ومجرور أو ظرف أو مصدر أو تنبيه، وتتغير الدلالة والإعراب كقولنا: (عليكَ نفسَك): أي الزمها؛ وعليه قوله تعالى: )يا أيها الذين آمنوا عليكم أَنفسَكم لا يضرُّكم مَنْ ضَلَّ إذا اهتديتم( (المائدة 5/105)، وقولنا: (إليكَ عني: أي تنحَّ، وابتعد)... ومن أمثلة ما نقل عن الظرف قولنا: (دونكَ الكتاب: أي خذه) و(دونك النمر: أي ابتعد عنه) و(مكانَك: أي اُُثبت). ومن أمثلة ما نقل عن المصدر قولنا: (رُوْيَدك: تمهَّل) و(بَلْه الشَّرَّ: اتركه ـ).. وقلنا أيضاً: ينقل اسم الفعل من كلمات تفيد التنبيه كما في (ها) كقولنا: (ها الكتابَ: أي خذه). وهذه الأسماء والتي تليها لا تقع إلا في الأمر، فهي لا تقع في الماضي والمضارع...
3 ـ أسماء معدولة:
هي أسماء عُدلت عن فعل الأمر؛ كقولنا: (نَزَالِ) و(حَذَارِ) فهما معدولان عن وقت وقعت شواهد في الشعر لأكثر ما سقناه، ومنها قول المتنبّي: رُوَيْدَكَ أَيُّها الملكُ الجليلُ تَأَيَّ وعُدَّهُ مِمَّا تُنيلُ
وقال الإمام علي (كرم الله وجهه):عليكَ بِبِرِّ الوالدين كليهما وبِرِّ ذوي القُرْبى وبِرِّ الأَباعدِ
4 ـ المصدر النائب عن فعله:
قوله تعالى: )وبالوالدين إحسانا( (البقرة 2/83)؛ فلفظ (إحساناً)
قول قطري بن الفجاءَة (ت 78 هـ):
فصَبْراً في مجال الموت صبراً فما نَيْلُ الخلود بمُسْتطاعِ
قول امرئ القيس: وقوفاً بها صحبي عليَّ مطيَّهم يقولون: لا تَهْلِك أسىً وتجمَّلِ
وقول أَشْجع السُّلَمي: وقوفاً بالمطيِّ ولو قليلاً وهَلْ فيما تجودُ بِهِ قَليلُ
القسم الثاني: يُسْتَخرج المعنى من القرائن الدالة في السياق؛ ولهذا قد يعبّر فيه عن معنى حاصلٍ قبل الطلب...
1 ـ الدعاء: ويتجه الآمر بكلامه إلى من هو أعلى منه على صِفة التضرّع والضَّعف والابتهال والرجاء والاستكانة والاستعطاف، أو الانتقام. فمن التضرع قوله تعالى:
)رَبِّ أوزعني أَنْ أَشكُرَ نِعْمتك التي أَنعمَتْ عليَّ( (النمل 27/19)
وقوله: )ربَّنا آتنا في الدنيا حَسنة وفي الآخرة حسنةً وقِنا عذابَ النار( (البقرة 2/201).)
في قوله تعالى: )ربنا اطمس على قلوبهم، واشدد على قلوبهم( (يونس 10/88)،
ومن الاستكانة والاستعطاف قول النابغة: مَهْلاً، فِداءً لكَ الأقوامُ كلُّهمُ وما أُثَمِّر من مالٍ ومِنْ وَلَدِ
وقال كعب بنزهير: مَهْلاً، هَدَاكَ الذي أَعطاكَ نافلةَ القرآن فيها مواعيظٌ وتَفْصيلُ
وقال المتنبي يخاطب سيف الدولة: أَزِلْ حَسَدَ الحُسَّاد عني بكَبْتهمُ فأنتَ الذي صَيَّرْتَهم لي حُسَّدا
2 ـ الالتماس: كقولنا للذين يماثلوننا: (هاتوا الكتاب)... ويمثله امرؤ القيس في خطاب الاثنين،
قِفَانبكِ من ذكرى حبيبٍ ومَنْزلِ بسِقْطِ اللِّوى بين الدَّخُول فحَوْمَلِ
ومثله قول الشاعر: يا خَليليَّ خلّياني وما بي يا خَليليَّ خلّياني وما بي
فمثاله قول الشاعر: فقُلْتُ: أَجِرْني أبا خالدٍ وإلا فهبني امرأً هالكا
3 ـ التمني: (أمر الأطلال +حديث النفس)
كقول عنترة: يا دارَ عَبْلةَ بالجِواءِ تكلَّمي وعِمِي صباحاً دارَ عبلةَ واسلمي
قول امرئ القيس: ألاعِمْ صباحاً أيُّها الطللُ البالي وهل يَعِمَنْ مَنْ كان في العُصُر الخالي؟
أَلا أيُّها الليلُ الطويل ألا انجلِ بصُبْحٍ وما الإصباحُ منكَ بأَمْثَلِ
أبو العلاء المعري: فيا موتُ زُرْ؛ إنَّ الحياة ذميمةٌ ويا نَفْسُ جِدّي؛ إنَّ دهركَ هازلُ
4 ـ التهديد والإنذار:كقوله تعالى: )تَمتَّعُوا فإنَّ مصيركم إلى النار( (إبراهيم 14/30) وقوله: )اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير( (فصلت 41/40
وعليه قول الشاعر: إذا لم تخشَ عاقبة الليالي ولمْ تَسْتَحيِ، فاصنَعْ ما تَشاءُ
5 ـ التحدي والتعجيز: هو طلب شيء ما من المخاطب لا يَقْدر عليه؛ كقوله تعالى: )وإن كنتم في ريبٍ مما نزّلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله، وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين( (البقرة 2/23) وقوله: )يا معشرَ الجِنّ والإِنس إِن استطعتم أن تنفذُوا من أقطار السموات والأرض فانفذُوا لا تنفذون إلا بسلطان( (الرحمن 55/33) وكقول المهلهل: يا لبَكْرٍ!! أَنْشِروا لي كُليباً يا لبَكْرٍ!! أَنْشِروا لي كُليباً ؟
، وكذا قول الشاعر: أَريني جواداً مات هُزْلاً لعلَّني أرى ما تَرَيْنَ أو بَخيلاً مُخَلَّدا
وعليه قول الآخر في (أرني): أَرِني الذي عاشرتَه فوجَدْتَه متغاضياً لكَ عن أَقَلِّ عِثَارِ
6 ـ التسوية: وهو طلبٌ على جهة المساواة بين أمرين لا على جهة التخيير بينهما؛ كقوله تعالى: )اصبروا أو لا تصبروا....( (الطور 52/16)
وقال المتنبي: عِشْ عزيزاً أو مُتْ وأنتَ كريمُ بيْنَ طَعْن القَنا وخَفْق البُنودِ
ومنه قوله تعالى: )وأَسِرّوا قولكم أو اجهروا به( (الملك 67/13)
7 ـ التخيير: ولا تشترط المساواة بين الأمرين المطلوبين لا في المعنى ولا في اللفظ والتركيب. وفيه يطلب إلى المخاطب أن يختار بين أمرين على جهة المعنى الحقيقي أو المجازي، كقولنا: (تزوج هنداً أو أختها) وقال البحتري: فمَنْ شاء فليبخلْ، ومَنْ شاء فليجُدْ كفاني نَداكم عن جميع المطالبِ
وقد يتساوى الأمران ولا بد من أن يختار المخاطب بينهما كقول بشار:
فَعِشْ واحداً أو صِلْ أَخاكَ فإنَّه مقارفُ ذَنْبٍ مرةً ومُجانِبُهْ
8 ـ الاعتبار والموعظة: فهو طلب على سبيل الموعظة والاعتبار، وليس غايته التنفيذ الفوري؛ وإن تضمّن الإشارة إلى الرغبة في تجنب فعل ما ، كقوله تعالى: )انظروا إلى ثمرِهِ إذا أَثمرَ( (الأنعام6/99).
9 ـ التعجب: ويكون لاستعظام أمرٍ ما ظهر المزية. كقوله تعالى: )انظر كيف نُصَرِّفُ الآيات ثم هُمْ يَصْدِفُون( (الأنعام 6/46).. ويستعمل بصيغ التعجب المخصصة بفعل الأمر وإن كانت دلالته للمضي، ويعرب إعراب الفعل الماضي، كقوله تعالى: )أَسمِعْ بهم( (مريم 19/38)
وقول كعب: أَحْسِنْ بها خُلَّةً لو أنَّها صدَقَتْ موعودَها ولوَانَّ النُّصحَ مَقْبولُ
11 ـ التلهيف والتحسُّر: يفيد التلهف عند المخاطب والتحسر لديه، بينما المتكلم يكون في حالة من الزهو والاستعلاء؛ كقوله تعالى: )موتوا بغيظم( (آل عمران 3/119)
وكقول جرير: موتوا من الغيظ غمّاً في جزيرتكم لن تقطعوا بطنَ وادٍ دونه مُضَرُ
12 ـ التهكُّم والسخرية والاستهزاء:ويتوجه فيه المتكلم إلى السامع أو المخاطب الغافل أو المعاند والمكابر أو المدَّعي...؛ كقوله تعالى: )قل: فادرؤوا عن أنفسِكم الموتَ إن كنتم صادقين( (آل عمران 3/167
عليه قول أبي نواس: فامضِ لا تَمْنُن عليَّ يداً مَنُّكَ المعروف مِنْ كَدَرِهْ
13 ـ الإهانة والتحقير:
كقوله تعالى (السَّحَرة): )أَلْقُوا ما أنتم مُلْقون( (يونس 10/80). وكقولـه: )ذُقْ إنَّك أنتَ العزيز الكريم( (الدخان 44/49).. فالأمر في (ذُق) لم يكتف بالاستهزاء وإنما وصل إلى مرتبة التقريع والإِهانة لذلك الكافر الذي لم يرتدع ولم يؤمن بأنه سيبعث في الآخرة...
وعليه قول جرير في هجاء الراعي النميري
فغُضَّ الطَّرْفَ إنَّكَ من نُمَيْرٍ فلا كَعْباً بلغَتْ ولا كِلابا
وقال آخر: أرى العنقاءَ تكبُرُ أن تُصادا فعَانِدْ مَنْ تطيقُ لـه عِنادا
14 ـ التبكيت أو التوبيخ: كقولـه تعالى: )كونوا قردة خاسئين( (الأعراف 7/166). وقوله تعالى: )كونوا حجارةً أو حديداً( (الإسراء 17/50). بعدما استبعد الكفار بعثهم
دَعِ المكارمَ لا تَرحَلْ لبُغْيتها واقعُدْ فإنكَ أَنْتَ الطاعمُ الكاسي
15 ـ التحدي:
قال تعالى لملائكة )أَنبئوني بأسماءِ هؤلاءِ إن كنتم صادقين( (البقرة 2/31)؛ وقَرَّع الله بني إِسرائيل ووبّخهم على كذبهم الذي يخفونه؛ فيزعمون أنهم يؤمنون بالآخرة فقال سبحانه: )فتمنَّوا الموتَ إِنْ كنتم صادقين( (البقرة 2/94). فالأمر هنا يتجه إلى مجرد الأمنيّة، ولن يفعلوا؛ لكفرهم وعنادهم كما قال عَزَّ وجَلَّ: )ولن يَتَمنُّوه أبداً بما قَدَّمت أيديهم( (البقرة 2/95)
16 ـ النصح ولإرشاد:
نحو (كُلْ ممّا يليك) ونحو (دَعْ ما يَرْيبُك إلى ما لا يريبك) وكقوله تعالى: )خذِ العفو وأمُرْ بالعُرْف وأَعْرِض عن الجاهلين( (الأعراف 7/199)
وكقول الشاعر: كن ابنَ مَنْ شِئْتَ واكتسبْ أَدَبا يُغنيكَ محمودُهُ عن النَّسَبِ
وقال أبو العتاهية يوجه النصح إلى كل من تولى أمراً بأن يكون رفيقاً بالناس:
واخفِضْ جناحَكَ إن مُنِحْت إمارةً وارغَبْ بنفسك عن رَدَى اللذّاتِ
وقال الشاعر وكنْ على حَذرٍ للناس تستُرُه ولا يَغُرُّكَ منهم ثَغْرُ مُبْتسمِ
17 ـ التفويض والإباحة كقوله تعالى: )كلُوا واشربُوا حتى يتبيَّنَ لكم الخَيطُ الأبيضُ من الخيط الأسود من الفَجر( (البقرة 2/187).( اختر ما تشاء). كقوله تعالى: )فاقضِ ما أنت قاضٍ( (طه 20/72) وقوله: )افعلْ ما تُؤْمَر( (الصافات 37/102). وقوله: )أَنْ أفيضوا علينا من الماءِ أو مما رزقكم الله( (الأعراف 7/50
قوله: )يا بني آدم خذوا زيْنَتكم عند كل مَسْجدٍ وكلُوا واشربوا ولا تُسْرفوا إنَّه لا يحبُّ المسرفين( (الأعراف 7/31). كقوله تعالى: )فإذا قُضِيتِ الصلاة فانتشروا في الأرض( (الجمعة 62/10) وقوله تعالى: )فإذا طَعِمْتم فانتشروا( قال تعالى: )وإذا حَلَلْتم فاصطادوا( (المائدة 5/2)
18 ـ المَشُورة: قوله تعالى: )فانظر ماذا ترَى( (الصافات 37/102). وقوله: )والأَمْرُ إِليكِ فانظري ماذا تأمرين( (النمل 27/33).
وقال طرفة بن العبد : وإنْ نابُ أَمْرٍ عليكَ التَوى فشاوِرْ لبيباً؛ ولا تَعْصِهِ
19 ـ التكوين والإيجاد: قوله تعالىوإذا قضى أَمْراً فإنّما يقول له: كُنْ فيكون( (البقرة 2/117) ونحو هذه الآية في (آل عمران 3/47 ومريم 19/35 وغافر 40/68) وقوله: )إنما أَمْرُهُ إذا أراد شيئاً أن يقول له: كن فيكون( (يس 36/82).
1 ـ صيغة فعل لأمر قوله تعالى: )يا يحيى خُذِ الكتابَ بقوة( (مريم 19/12)
وقوله: )فخذها بقوة وأمُرْ قومك يأخذوا بأحسنها( (الأعراف 7/145)
وكقوله: )وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين( (البقرة 2/43)
وقوله: )يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين( (آل عمران 3/43)؛
خطاب عامل المدينة مروان بن الحكم للفرزدق:
ودَعِ المدينة، إِنَّها مَرْهوبةٌ واعمَدْ لمكَّةَ أَوْ لبَيْتِ المَقْدسِ
ألق الصحيفة يا فرزدق؛ إنها نكراءُ مثلُ صحيفة المُتَلمِّسِ
2 ـ الفعل المضارع المقرون بلام الأمر:من قوله تعالى: )ليُنْفق ذو سَعَةٍ من سعته( (الطلاق 65/7)؛ وقوله: )وليُوفُوا نُذورَهم؛ وليَطَّوْفُوا بالبيت العتيق( (الحج 22/29)؛ والفعل (ليجلّ ـ ليفدح) من قول أبي تمام:
كذا فليَجِلَّ الخَطْبُ وليفدحِ الأَمْرُ فليس لعَيْنٍ لم يَفِضْ ماؤُها عُذْرُ
3 ـ اسم فعل الأمر:
هو كلمة تدل على ما يدل عليه الفعل، ولا تقبل علامته... وهو يلزم صيغة واحدة إلا ما لحقته كاف الخطاب فيراعى فيه المخاطب (عليكَ، دونكَِ، رويدكَِ) فيمكن أن نقول: عليكما ـ دونكما ـ رويدكما.... عليكم ـ دونكم ـ رويدكم...)
التنوين يلحق بعض صيغه فيفيد معنىً إضافياً وإن لزم حالة واحدة؛ مثل (مَهٍ، وصَهٍ، وإيهٍ).
وقيل في (هاك) ـ بمعنى خذ ـ إنها تتجرد من الكاف وتصبح (ها)، ويجوز أن تلحقها الهمزة، وتتصرف؛ فنقول: للواحد (هاءَ)، وللواحدة (هاءِ)... ولجمع الذكور (هاؤم) كقولـه تعالى: )هاؤم اقرؤوا كتابِيَهْ( (الحاقة 69/19) أي خذوا.
وكذلك ذهب قوم إلى عدم إلزام (هاتِ) حالة واحدة، ومنه كقوله تعالى: )هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين( (البقرة 2/111). ومثله اسم الفعل (هلمَّ: تعال) فنقول: (هلموا إلينا) وإن جاء بصيغة واحدة في قوله تعالى: )قد يعلمُ الله المُعَوَّقين منكم والقائلين لإخوانهم: هَلُمَّ إلينا( (الأحزاب 33/18).
أقسام اسم فعل الأمر ثلاثة :(1) أسماء مرتجلة: (أي وُضعت في أصلها كذلك) ومنها (آمين: استجب) و(صَهْ: اسكت) و(مهْ: اكفف) و(بَلْهَ: دَعْ أو اترك) و(حيَّ: أَقبلْ) و(إيهِ: ازدَدْ، أو أقبل)...
2 ـ أسماء منقولة عن جار ومجرور أو ظرف أو مصدر أو تنبيه، وتتغير الدلالة والإعراب كقولنا: (عليكَ نفسَك): أي الزمها؛ وعليه قوله تعالى: )يا أيها الذين آمنوا عليكم أَنفسَكم لا يضرُّكم مَنْ ضَلَّ إذا اهتديتم( (المائدة 5/105)، وقولنا: (إليكَ عني: أي تنحَّ، وابتعد)... ومن أمثلة ما نقل عن الظرف قولنا: (دونكَ الكتاب: أي خذه) و(دونك النمر: أي ابتعد عنه) و(مكانَك: أي اُُثبت). ومن أمثلة ما نقل عن المصدر قولنا: (رُوْيَدك: تمهَّل) و(بَلْه الشَّرَّ: اتركه ـ).. وقلنا أيضاً: ينقل اسم الفعل من كلمات تفيد التنبيه كما في (ها) كقولنا: (ها الكتابَ: أي خذه). وهذه الأسماء والتي تليها لا تقع إلا في الأمر، فهي لا تقع في الماضي والمضارع...
3 ـ أسماء معدولة:
هي أسماء عُدلت عن فعل الأمر؛ كقولنا: (نَزَالِ) و(حَذَارِ) فهما معدولان عن وقت وقعت شواهد في الشعر لأكثر ما سقناه، ومنها قول المتنبّي: رُوَيْدَكَ أَيُّها الملكُ الجليلُ تَأَيَّ وعُدَّهُ مِمَّا تُنيلُ
وقال الإمام علي (كرم الله وجهه):عليكَ بِبِرِّ الوالدين كليهما وبِرِّ ذوي القُرْبى وبِرِّ الأَباعدِ
4 ـ المصدر النائب عن فعله:
قوله تعالى: )وبالوالدين إحسانا( (البقرة 2/83)؛ فلفظ (إحساناً)
قول قطري بن الفجاءَة (ت 78 هـ):
فصَبْراً في مجال الموت صبراً فما نَيْلُ الخلود بمُسْتطاعِ
قول امرئ القيس: وقوفاً بها صحبي عليَّ مطيَّهم يقولون: لا تَهْلِك أسىً وتجمَّلِ
وقول أَشْجع السُّلَمي: وقوفاً بالمطيِّ ولو قليلاً وهَلْ فيما تجودُ بِهِ قَليلُ
القسم الثاني: يُسْتَخرج المعنى من القرائن الدالة في السياق؛ ولهذا قد يعبّر فيه عن معنى حاصلٍ قبل الطلب...
1 ـ الدعاء: ويتجه الآمر بكلامه إلى من هو أعلى منه على صِفة التضرّع والضَّعف والابتهال والرجاء والاستكانة والاستعطاف، أو الانتقام. فمن التضرع قوله تعالى:
)رَبِّ أوزعني أَنْ أَشكُرَ نِعْمتك التي أَنعمَتْ عليَّ( (النمل 27/19)
وقوله: )ربَّنا آتنا في الدنيا حَسنة وفي الآخرة حسنةً وقِنا عذابَ النار( (البقرة 2/201).)
في قوله تعالى: )ربنا اطمس على قلوبهم، واشدد على قلوبهم( (يونس 10/88)،
ومن الاستكانة والاستعطاف قول النابغة: مَهْلاً، فِداءً لكَ الأقوامُ كلُّهمُ وما أُثَمِّر من مالٍ ومِنْ وَلَدِ
وقال كعب بنزهير: مَهْلاً، هَدَاكَ الذي أَعطاكَ نافلةَ القرآن فيها مواعيظٌ وتَفْصيلُ
وقال المتنبي يخاطب سيف الدولة: أَزِلْ حَسَدَ الحُسَّاد عني بكَبْتهمُ فأنتَ الذي صَيَّرْتَهم لي حُسَّدا
2 ـ الالتماس: كقولنا للذين يماثلوننا: (هاتوا الكتاب)... ويمثله امرؤ القيس في خطاب الاثنين،
قِفَانبكِ من ذكرى حبيبٍ ومَنْزلِ بسِقْطِ اللِّوى بين الدَّخُول فحَوْمَلِ
ومثله قول الشاعر: يا خَليليَّ خلّياني وما بي يا خَليليَّ خلّياني وما بي
فمثاله قول الشاعر: فقُلْتُ: أَجِرْني أبا خالدٍ وإلا فهبني امرأً هالكا
3 ـ التمني: (أمر الأطلال +حديث النفس)
كقول عنترة: يا دارَ عَبْلةَ بالجِواءِ تكلَّمي وعِمِي صباحاً دارَ عبلةَ واسلمي
قول امرئ القيس: ألاعِمْ صباحاً أيُّها الطللُ البالي وهل يَعِمَنْ مَنْ كان في العُصُر الخالي؟
أَلا أيُّها الليلُ الطويل ألا انجلِ بصُبْحٍ وما الإصباحُ منكَ بأَمْثَلِ
أبو العلاء المعري: فيا موتُ زُرْ؛ إنَّ الحياة ذميمةٌ ويا نَفْسُ جِدّي؛ إنَّ دهركَ هازلُ
4 ـ التهديد والإنذار:كقوله تعالى: )تَمتَّعُوا فإنَّ مصيركم إلى النار( (إبراهيم 14/30) وقوله: )اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير( (فصلت 41/40
وعليه قول الشاعر: إذا لم تخشَ عاقبة الليالي ولمْ تَسْتَحيِ، فاصنَعْ ما تَشاءُ
5 ـ التحدي والتعجيز: هو طلب شيء ما من المخاطب لا يَقْدر عليه؛ كقوله تعالى: )وإن كنتم في ريبٍ مما نزّلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله، وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين( (البقرة 2/23) وقوله: )يا معشرَ الجِنّ والإِنس إِن استطعتم أن تنفذُوا من أقطار السموات والأرض فانفذُوا لا تنفذون إلا بسلطان( (الرحمن 55/33) وكقول المهلهل: يا لبَكْرٍ!! أَنْشِروا لي كُليباً يا لبَكْرٍ!! أَنْشِروا لي كُليباً ؟
، وكذا قول الشاعر: أَريني جواداً مات هُزْلاً لعلَّني أرى ما تَرَيْنَ أو بَخيلاً مُخَلَّدا
وعليه قول الآخر في (أرني): أَرِني الذي عاشرتَه فوجَدْتَه متغاضياً لكَ عن أَقَلِّ عِثَارِ
6 ـ التسوية: وهو طلبٌ على جهة المساواة بين أمرين لا على جهة التخيير بينهما؛ كقوله تعالى: )اصبروا أو لا تصبروا....( (الطور 52/16)
وقال المتنبي: عِشْ عزيزاً أو مُتْ وأنتَ كريمُ بيْنَ طَعْن القَنا وخَفْق البُنودِ
ومنه قوله تعالى: )وأَسِرّوا قولكم أو اجهروا به( (الملك 67/13)
7 ـ التخيير: ولا تشترط المساواة بين الأمرين المطلوبين لا في المعنى ولا في اللفظ والتركيب. وفيه يطلب إلى المخاطب أن يختار بين أمرين على جهة المعنى الحقيقي أو المجازي، كقولنا: (تزوج هنداً أو أختها) وقال البحتري: فمَنْ شاء فليبخلْ، ومَنْ شاء فليجُدْ كفاني نَداكم عن جميع المطالبِ
وقد يتساوى الأمران ولا بد من أن يختار المخاطب بينهما كقول بشار:
فَعِشْ واحداً أو صِلْ أَخاكَ فإنَّه مقارفُ ذَنْبٍ مرةً ومُجانِبُهْ
8 ـ الاعتبار والموعظة: فهو طلب على سبيل الموعظة والاعتبار، وليس غايته التنفيذ الفوري؛ وإن تضمّن الإشارة إلى الرغبة في تجنب فعل ما ، كقوله تعالى: )انظروا إلى ثمرِهِ إذا أَثمرَ( (الأنعام6/99).
9 ـ التعجب: ويكون لاستعظام أمرٍ ما ظهر المزية. كقوله تعالى: )انظر كيف نُصَرِّفُ الآيات ثم هُمْ يَصْدِفُون( (الأنعام 6/46).. ويستعمل بصيغ التعجب المخصصة بفعل الأمر وإن كانت دلالته للمضي، ويعرب إعراب الفعل الماضي، كقوله تعالى: )أَسمِعْ بهم( (مريم 19/38)
وقول كعب: أَحْسِنْ بها خُلَّةً لو أنَّها صدَقَتْ موعودَها ولوَانَّ النُّصحَ مَقْبولُ
11 ـ التلهيف والتحسُّر: يفيد التلهف عند المخاطب والتحسر لديه، بينما المتكلم يكون في حالة من الزهو والاستعلاء؛ كقوله تعالى: )موتوا بغيظم( (آل عمران 3/119)
وكقول جرير: موتوا من الغيظ غمّاً في جزيرتكم لن تقطعوا بطنَ وادٍ دونه مُضَرُ
12 ـ التهكُّم والسخرية والاستهزاء:ويتوجه فيه المتكلم إلى السامع أو المخاطب الغافل أو المعاند والمكابر أو المدَّعي...؛ كقوله تعالى: )قل: فادرؤوا عن أنفسِكم الموتَ إن كنتم صادقين( (آل عمران 3/167
عليه قول أبي نواس: فامضِ لا تَمْنُن عليَّ يداً مَنُّكَ المعروف مِنْ كَدَرِهْ
13 ـ الإهانة والتحقير:
كقوله تعالى (السَّحَرة): )أَلْقُوا ما أنتم مُلْقون( (يونس 10/80). وكقولـه: )ذُقْ إنَّك أنتَ العزيز الكريم( (الدخان 44/49).. فالأمر في (ذُق) لم يكتف بالاستهزاء وإنما وصل إلى مرتبة التقريع والإِهانة لذلك الكافر الذي لم يرتدع ولم يؤمن بأنه سيبعث في الآخرة...
وعليه قول جرير في هجاء الراعي النميري
فغُضَّ الطَّرْفَ إنَّكَ من نُمَيْرٍ فلا كَعْباً بلغَتْ ولا كِلابا
وقال آخر: أرى العنقاءَ تكبُرُ أن تُصادا فعَانِدْ مَنْ تطيقُ لـه عِنادا
14 ـ التبكيت أو التوبيخ: كقولـه تعالى: )كونوا قردة خاسئين( (الأعراف 7/166). وقوله تعالى: )كونوا حجارةً أو حديداً( (الإسراء 17/50). بعدما استبعد الكفار بعثهم
دَعِ المكارمَ لا تَرحَلْ لبُغْيتها واقعُدْ فإنكَ أَنْتَ الطاعمُ الكاسي
15 ـ التحدي:
قال تعالى لملائكة )أَنبئوني بأسماءِ هؤلاءِ إن كنتم صادقين( (البقرة 2/31)؛ وقَرَّع الله بني إِسرائيل ووبّخهم على كذبهم الذي يخفونه؛ فيزعمون أنهم يؤمنون بالآخرة فقال سبحانه: )فتمنَّوا الموتَ إِنْ كنتم صادقين( (البقرة 2/94). فالأمر هنا يتجه إلى مجرد الأمنيّة، ولن يفعلوا؛ لكفرهم وعنادهم كما قال عَزَّ وجَلَّ: )ولن يَتَمنُّوه أبداً بما قَدَّمت أيديهم( (البقرة 2/95)
16 ـ النصح ولإرشاد:
نحو (كُلْ ممّا يليك) ونحو (دَعْ ما يَرْيبُك إلى ما لا يريبك) وكقوله تعالى: )خذِ العفو وأمُرْ بالعُرْف وأَعْرِض عن الجاهلين( (الأعراف 7/199)
وكقول الشاعر: كن ابنَ مَنْ شِئْتَ واكتسبْ أَدَبا يُغنيكَ محمودُهُ عن النَّسَبِ
وقال أبو العتاهية يوجه النصح إلى كل من تولى أمراً بأن يكون رفيقاً بالناس:
واخفِضْ جناحَكَ إن مُنِحْت إمارةً وارغَبْ بنفسك عن رَدَى اللذّاتِ
وقال الشاعر وكنْ على حَذرٍ للناس تستُرُه ولا يَغُرُّكَ منهم ثَغْرُ مُبْتسمِ
17 ـ التفويض والإباحة كقوله تعالى: )كلُوا واشربُوا حتى يتبيَّنَ لكم الخَيطُ الأبيضُ من الخيط الأسود من الفَجر( (البقرة 2/187).( اختر ما تشاء). كقوله تعالى: )فاقضِ ما أنت قاضٍ( (طه 20/72) وقوله: )افعلْ ما تُؤْمَر( (الصافات 37/102). وقوله: )أَنْ أفيضوا علينا من الماءِ أو مما رزقكم الله( (الأعراف 7/50
قوله: )يا بني آدم خذوا زيْنَتكم عند كل مَسْجدٍ وكلُوا واشربوا ولا تُسْرفوا إنَّه لا يحبُّ المسرفين( (الأعراف 7/31). كقوله تعالى: )فإذا قُضِيتِ الصلاة فانتشروا في الأرض( (الجمعة 62/10) وقوله تعالى: )فإذا طَعِمْتم فانتشروا( قال تعالى: )وإذا حَلَلْتم فاصطادوا( (المائدة 5/2)
18 ـ المَشُورة: قوله تعالى: )فانظر ماذا ترَى( (الصافات 37/102). وقوله: )والأَمْرُ إِليكِ فانظري ماذا تأمرين( (النمل 27/33).
وقال طرفة بن العبد : وإنْ نابُ أَمْرٍ عليكَ التَوى فشاوِرْ لبيباً؛ ولا تَعْصِهِ
19 ـ التكوين والإيجاد: قوله تعالىوإذا قضى أَمْراً فإنّما يقول له: كُنْ فيكون( (البقرة 2/117) ونحو هذه الآية في (آل عمران 3/47 ومريم 19/35 وغافر 40/68) وقوله: )إنما أَمْرُهُ إذا أراد شيئاً أن يقول له: كن فيكون( (يس 36/82).