والمتن الحكائي لرواية الساحة الشرفية مكون من الفصول التالية :
- براندة : بعد سنوات من الاعتقال ،يعود السارد سعد الأبرامي إلى براندة في شهر غشت ، ليكتشف معاناة السكان مع الجفاف ،قسوة الطبيعة ،وندرة الماء الذي(غدا عزيزا يشبه بالكبريت الأحمر )(10) مما أذكى لهيب الصراعات حول المنابع بين قبائل براندة ؛ خاصة بين أولاد بن عبيد وأهل مراح .فغدوا يغيرون على بعضهم البعض ، وقد يغتصبون أو يختطفون الفتيات والفتيان .وكانت السلطات،في شخصية القائد، تستغل هذه الأحداث لإذكاء العصبية والصراع ،وان تظاهرت بعض المرات، كدعوتها إلى صلاة الاستسقاء، بالسعي إلى ما فيه خير البلاد والعباد . وعلى الرغم من الأحقاد التي كانت تفرق بين سكان براندة والاختلاف بين السلطة الدينية الممثلة في (الفقيه العلامة سيدي بن يرماق ) والسلطة السياسية التي يرمز إليها (القائد بن سلام ) فان بعض المصائب كانت توحدهم : كالخروج الجماعي لطلب الغيث ، ومحاولة لمواجهة الجفاف بحفر بئر ذهب ضحيته شابين من أهل مراح وثلاثة شبان من أولاد بن عبيد ليوحدهم يوم الجنازة (كأنما لم يعرفوا من قبل مباذل البغضاء )(11). لقد استغل السارد هذا الفصل ليصف ما شهدته براندة وسكانها من أحداث .كوصف الخروج إلى طلب الغيث الذي لم يحضره القائد بن سلام .هذا الخروج الذي ستموت فيه اليهودية خانة، لتختلف الآراء حول وفاتها ودفنها ؛ بين راغب في دفنها مع المسلمين وإعلان إسلامها نيابة عنها ما دامت عاشت بينهم(بن يرماق)،وراغب في دفنها خارج مقبرة المسلمين( القائد) لأنها غير مسلمة. قبل أن تقرر السلطات ترحيل جثمانها بعيدا عن براندة ليترك هذا القرار السكان في حيرة،لا تختلف عن حيرتهم في شأن حياة خانة وعلاقتها بأحمد شكيب والأحداث التي عرفتها السانية التي عاشت فيها.
- الرنين استراحة المكلوم: على الرغم من كون هذا الفصل هو أ قصر فصول الرواية (أربع صفحات) إلا أنه يكاد يكون أهمها لأنه كتب بضمير المتكلم، ولأنه يكاد يلخص الرواية : ففيه يبين السارد – بأسلوب شاعري – أنه يعيش في زمان غير زمانه فهو القائل : (أنا من زمن آخر يبالغ في الجفوة )(12) (أنا من زمن آخر يبالغ في النكران)13 ...يستعيد زمانه وذكرياته (أستعيده في الأشعار المتبقية )... (أستعيدني في الصورة الملونة المتقادمة ...وأستعيدني في الخرجة ...أستعيدني وقت أن كان الغمام ...أستعيد مواقع الخريطة التي طوحت بي ... )(14)
- إدريس العمراوي: يبتدئ هذا الفصل بتوصل السارد برسالة من إدريس العمراوي– الذي فضل الهجرة بعد إطلاق سراحه- يخبره فيها بانتحار رفيقهما أحمد الريفي ، ليخبرنا السارد كيف أثرت فيه هذه الرسالة، ويرتد السرد القهقرى لنعرف كيف تعرف السارد إلى إدريس و كيف توطدت علاقتهما في المعتقل سنة1984، خاصة وأن إدريس كان مناضلا ماركسيا صارما مؤمنا بالمشاعة .فقد كان في المعتقل ضمن الفرق التي تتحكم في جميع المرافق من الأكل إلى الملبس إلى ما يتصل بالعلاقات العامة إن إدريس درس بفرنسا وفيها تعرف إلى محبو بته سيلبيا الفرنسية التي رافقته إلى المغرب .لكنه سرعان ما اعتقل - كما اعتقل غيره كثير- (بسبب وشايات مجانية لاحقتهم بعد أن شرع البوليس يحصد الأعضاء الفعليين والمنتسبين والمحتملين والعاطفين المفترضين والذين هم على العاطفين عاطفين ...(15).كانت لإدريس مواهب متعددة ( العزف الموسيقى الكتابة..) لكنه غدا في السجن يفضل العزلة والكتابة خاصة بعد بعده عن سييبيا وشعوره بأنه المسئول عن معاناتها وهو الذي استدرجها الى المغرب بعدما (كانت تفضل النضال في منظمة فرنسية والبقاء في فرنسا )(16) .وأمام طول مدة اعتقاله لم تجد سيلبيا بدا من أن تعيش حياتها الخاصة ، بعد أن أطلق سراحه ضاقت به السبل(كان بدون عمل إلا ما يكتبه بين الفينة والأخرى في جريدة تصدر بالدار البيضاء فلا يقيم الأجر الذي يتلقاه منها أوده بالمرة)ص(98) لذلك قرر شد الرحال نحو الغرب
- مصطفى الدرويش: يبتدئ هذا الفصل والسارد متوجه إلى طنجة لزيارة رفيقه مصطفى الدرويش، وهروبا من الحزن الذي يخيم عليه في براندة . لعله يستعيد توازنه،ويستريح من معاناته أمام( نفزة) التي - رغم تعلقها به - غدت تفضل جسد صديقتها (روادة) على جسده. يقول السارد:( بدأت أستعجل الرحيل...ولعلها كانت السبب الأكبر ) (17) ذلك أن العلاقة التي تجمعهما أضحت تؤرقه( فكنت أفهم تلقائيا علتي فتنكسر معنوياتي...لفتور فيّ يحجبها عني )(18). وفي طنجة سيحضر السارد حفلة فنية يقيمها جوق العظمة بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان ،ومناسبة خروج الرفيق فردوس .إن فرقة العظمة تخلد الذكرى الرابعة لتأسيس الكنفدرالية الديمقراطية للشغل . وقد اتخذ ت هذه الفرقة كنية مصطفى الدرويش اسما لها. فمصطفى الدرويش (العظمة) وملوع بموسيقى الآلة تعرف إليه السارد – الذي كان يشبهه بكتاب الحايك - في المعتقل ( جاء مصطفى الدرويش إلى السجن بين رفاق الدفعة الأولى معي ومع أحمد الريفي ...)(19).لقد اعتقل ليلا من منزله بحي الدريسية بالبيضاء فهو القائل:( كنت أتهيأ للنوم فانتزعني البوليس من مرقدي ،انتقلت من ليل إلى آخر..)(20) . لم يكن يعرف شيئا عن الدار البيضاء، فقد كان يسكن مع صديق له ولما عاد إلى المنزل ولم يجده خرج يبحث عنه طول اليوم يقول:(قضيت اليوم بطوله وأنا أدور كالحمار ثم عدت إلى المنزل ،ربما بعد الثامنة ليلا،...وعندما طاب لي النوم وقع ما وقع)(21) وفي المعتقل عاش مثل رفاقه الحرمان وعانى من قسوة الحراس كالرقيب بوعلام ودودو مما جعل بعض المعتقلين يحاول الهروب من السجن لكن المحاولة باءت بالفشل .
- عبدا لعزيز صابر : على الرغم من تقديمه للاستقالة من منظمة 23 مارس فانه لم يسلم من الاعتقال سنة 1975 ،بل أوقع معه حبيبته فهيمة - التي تعرف عليها في خلية من خلايا النقابة الوطنية- في المصيدة . كان عبد العزيز صابر ثائرا في وجه قياديي المنظمة ، فثار في وجه المشاعة البدائية التي دعا إليها القياديون الصامدون وطبقها "عملاؤهم بكثير من التشدد(22) . بل تمرد على المنظمة و التحزب عامة معتبرا (كل تنظيم سياسي يسعى إلى الحد من حرية الفرد، ووجود الفرد فيه هو تضحية منه لصالحه بل انه يقدم استقالته من (شخصيته ) ويتحول إلى عبد مسير وفق قواعد الانضباط الصارمة المحكومة بما يسمى القواعد المركزية الديمقراطية )(23).لهذا ترك الماركسية واعتبر نفسه غير منظم فلم يشارك في الإعداد للإضراب عن الطعام الذي خاضه مع المعتقلين ، و تسبب في وفاة فهيمة بعد 45 يوما من الامتناع عن الأكل ، ليعتبر موتها حكما عليه بالموت البطيء خاصة وقد اعتبر نفسه المسئول عن موتها (مشكلته أنه بقي على شعوره الدائم بأن فهيمة لم تمت إلا لأنه أقحمها في الخلية أولا ثم ترتب عن هذا الإقحام أن كان اعتقالها ...و بأنه قدمها طعما سائغا للبوليس )(24) هكذا بعدما ماتت فهيمة التي كانت تملأ وحدته - على الأقل من خلال تبادل الرسائل - فضل الانعزال. وحتى بعد مرور خمس سنوات عن خروجهم من السجن لا زال عبد العزيز يبحر في عزلته وانطوائه، بل يبدو أنه ندم على التجربة التي يقول فيها (هذه التجربة كلها خراء)(25)
- أحمد الريفي: يتلقى السارد خبر انتحار أحمد الريفي من خلال مهاتفة مصطفى الدرويش له ، ومن خلال رسالة إدريس العمراوي ويفكر في إخبار باقي الرفاق و في الذهاب إلى العرائش لحضور التأبين عساه يتخلص من نفزة التي أصبحت علاقته بها تضنيه كلما فكر في مستقبل هذه العلاقة. وهو القائل :فقد رأيت أن لي جسما لا يطاوع رغباتي ...أنا مهدد بهذا الضعف الذي يلابسني (26) وأمام شعوره بافتقاد صديقه - وهو يتصفح الصورة الملونة والرسالة – غدا يستحضر صورة أحمد الريفي وذكرياته : لقد كان أحمد دائم العزلة .كان يقفل عليه الباب لايرى أحدا ولا يكلم أحدا (امتنع في عزلته هذه عن الأكل والخروج والمقابلة ثم جاءت فترة أقفل باب زنزانته لا يرى أحدا ولا يكلم أحدا... نفس الخلوات التي تدرب عليه)(27) خاصة ; وأنه تأذى كثيرا من (رواج تلك الأقاويل المغرضة التي راجت عنه ...فيقذف بها من كل جانب .قيل أنه من الذين كتبوا العفو )(28 )هكذا انعزل أحمد الريفي يملأ فراغه بكتابة مذكراته
سعد الأبرامي : في هذا الفصل يحكي السارد سعد الأبرامي عن نفسه وكيف يتعذب في علاقته بنفزة فهو يهمس لها بالحب ويعرف أنه بائس. يود لو أن اللقاء الذي تلح عليه كل يوم تباطأ في الزمن قليلا وهي التي تراه هادئا فاقد الشهوة الأولى ومستسلما للضياع انه بدون شهوة لا أحد يعرف(التخريب الذي في النفس والتصدع الذي في الجسد والفراغ الذي في الروح واليباس الذي في مرقد الشهوات)(29) . كما يحكي عن بلدته التي عاد إليها بعد سنوات الاعتقال وما تحمله من ذكريات . حتى إذا خرج إلى المقبرة للبحث عن قبر أبيه الذي توفي يوم الجمعة13 شعبان 1387الموافقل13أكتوبر 1987م عاد دون أن يبلغ المراد من بحثه لقد(خرج يبحث عن نبع فإذا به في منتهى العطش )(30)
- الخروج: بعد خروج السارد من السجن وقضائه ليلة صاخبة مع مصطفى الدرويش على الشاطئ في مطعم الجوهرة يصل إلى براندة في وقت متأخر من يوم الخميس الذي تلا احتفالات 20غشت ،فيما توجه مصطفى الدرويش إلى طنجة . لقد كانت هموم الماضي وتخوفات المستقبل تتقاذفانه وهو يكرر نفس السؤال إلى أين سنذهب الآن أيها الرفيق ؟ فلا هو قادر على نسيان الماضي يقول سائلا صديقه:(ألا ترى أننا بمجرد أن نلتقي تنثال علينا ذكريات سجنك هذا؟...ما الذي يجعلك تغرق في هذا الماضي الذي يلح على الجميع؟)(31) .ولا هو قادر على عيش الحاضر والإقبال على المستقبل بعدما خيب الخروج أفق انتظاره. فغدا يحلم بالهجرة إلى زمن آخر،واضطر إلى الاقتناع بصواب قرار أحمد الريفي عندما اختار الانتحار يقول: ( عندما انتحر أحمد الريفي أدركت أنه استعجل حياته المنتظرة الآن أشعر أنه فهم كل شيء... أحس منذ الأيام الأولى لخروجنا أن كل شيء صار له طعم المرارة .لا عمل ،لا أصدقاء ،لا شؤون يمكن أن تعالج بالوقت الفائض لا سياسة . العائلة المنكسرة خلفه العلاقات من حوله باردة ...)(32).ويقول في فصل مصطفى الدرويش عن قرار أحمد الريفي (واننا جميعا الا أحمد الريفي الذي اختار لنفسه الدواء تفرقت بنا السبل الى غير ما رجعة)(33 ) فغدا يحلم هو الآخر بالهجرة فهو القائل:(أحس بتك الرغبة المعتلقة في الهجرة إلى زمن آخر)(34) ويضيف (الحقيقة المرة التي تطالعي أنا الذي أريد الهروب هكذا كأنني ممسوس بهوى الاغتراب)(35)
- براندة : بعد سنوات من الاعتقال ،يعود السارد سعد الأبرامي إلى براندة في شهر غشت ، ليكتشف معاناة السكان مع الجفاف ،قسوة الطبيعة ،وندرة الماء الذي(غدا عزيزا يشبه بالكبريت الأحمر )(10) مما أذكى لهيب الصراعات حول المنابع بين قبائل براندة ؛ خاصة بين أولاد بن عبيد وأهل مراح .فغدوا يغيرون على بعضهم البعض ، وقد يغتصبون أو يختطفون الفتيات والفتيان .وكانت السلطات،في شخصية القائد، تستغل هذه الأحداث لإذكاء العصبية والصراع ،وان تظاهرت بعض المرات، كدعوتها إلى صلاة الاستسقاء، بالسعي إلى ما فيه خير البلاد والعباد . وعلى الرغم من الأحقاد التي كانت تفرق بين سكان براندة والاختلاف بين السلطة الدينية الممثلة في (الفقيه العلامة سيدي بن يرماق ) والسلطة السياسية التي يرمز إليها (القائد بن سلام ) فان بعض المصائب كانت توحدهم : كالخروج الجماعي لطلب الغيث ، ومحاولة لمواجهة الجفاف بحفر بئر ذهب ضحيته شابين من أهل مراح وثلاثة شبان من أولاد بن عبيد ليوحدهم يوم الجنازة (كأنما لم يعرفوا من قبل مباذل البغضاء )(11). لقد استغل السارد هذا الفصل ليصف ما شهدته براندة وسكانها من أحداث .كوصف الخروج إلى طلب الغيث الذي لم يحضره القائد بن سلام .هذا الخروج الذي ستموت فيه اليهودية خانة، لتختلف الآراء حول وفاتها ودفنها ؛ بين راغب في دفنها مع المسلمين وإعلان إسلامها نيابة عنها ما دامت عاشت بينهم(بن يرماق)،وراغب في دفنها خارج مقبرة المسلمين( القائد) لأنها غير مسلمة. قبل أن تقرر السلطات ترحيل جثمانها بعيدا عن براندة ليترك هذا القرار السكان في حيرة،لا تختلف عن حيرتهم في شأن حياة خانة وعلاقتها بأحمد شكيب والأحداث التي عرفتها السانية التي عاشت فيها.
- الرنين استراحة المكلوم: على الرغم من كون هذا الفصل هو أ قصر فصول الرواية (أربع صفحات) إلا أنه يكاد يكون أهمها لأنه كتب بضمير المتكلم، ولأنه يكاد يلخص الرواية : ففيه يبين السارد – بأسلوب شاعري – أنه يعيش في زمان غير زمانه فهو القائل : (أنا من زمن آخر يبالغ في الجفوة )(12) (أنا من زمن آخر يبالغ في النكران)13 ...يستعيد زمانه وذكرياته (أستعيده في الأشعار المتبقية )... (أستعيدني في الصورة الملونة المتقادمة ...وأستعيدني في الخرجة ...أستعيدني وقت أن كان الغمام ...أستعيد مواقع الخريطة التي طوحت بي ... )(14)
- إدريس العمراوي: يبتدئ هذا الفصل بتوصل السارد برسالة من إدريس العمراوي– الذي فضل الهجرة بعد إطلاق سراحه- يخبره فيها بانتحار رفيقهما أحمد الريفي ، ليخبرنا السارد كيف أثرت فيه هذه الرسالة، ويرتد السرد القهقرى لنعرف كيف تعرف السارد إلى إدريس و كيف توطدت علاقتهما في المعتقل سنة1984، خاصة وأن إدريس كان مناضلا ماركسيا صارما مؤمنا بالمشاعة .فقد كان في المعتقل ضمن الفرق التي تتحكم في جميع المرافق من الأكل إلى الملبس إلى ما يتصل بالعلاقات العامة إن إدريس درس بفرنسا وفيها تعرف إلى محبو بته سيلبيا الفرنسية التي رافقته إلى المغرب .لكنه سرعان ما اعتقل - كما اعتقل غيره كثير- (بسبب وشايات مجانية لاحقتهم بعد أن شرع البوليس يحصد الأعضاء الفعليين والمنتسبين والمحتملين والعاطفين المفترضين والذين هم على العاطفين عاطفين ...(15).كانت لإدريس مواهب متعددة ( العزف الموسيقى الكتابة..) لكنه غدا في السجن يفضل العزلة والكتابة خاصة بعد بعده عن سييبيا وشعوره بأنه المسئول عن معاناتها وهو الذي استدرجها الى المغرب بعدما (كانت تفضل النضال في منظمة فرنسية والبقاء في فرنسا )(16) .وأمام طول مدة اعتقاله لم تجد سيلبيا بدا من أن تعيش حياتها الخاصة ، بعد أن أطلق سراحه ضاقت به السبل(كان بدون عمل إلا ما يكتبه بين الفينة والأخرى في جريدة تصدر بالدار البيضاء فلا يقيم الأجر الذي يتلقاه منها أوده بالمرة)ص(98) لذلك قرر شد الرحال نحو الغرب
- مصطفى الدرويش: يبتدئ هذا الفصل والسارد متوجه إلى طنجة لزيارة رفيقه مصطفى الدرويش، وهروبا من الحزن الذي يخيم عليه في براندة . لعله يستعيد توازنه،ويستريح من معاناته أمام( نفزة) التي - رغم تعلقها به - غدت تفضل جسد صديقتها (روادة) على جسده. يقول السارد:( بدأت أستعجل الرحيل...ولعلها كانت السبب الأكبر ) (17) ذلك أن العلاقة التي تجمعهما أضحت تؤرقه( فكنت أفهم تلقائيا علتي فتنكسر معنوياتي...لفتور فيّ يحجبها عني )(18). وفي طنجة سيحضر السارد حفلة فنية يقيمها جوق العظمة بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان ،ومناسبة خروج الرفيق فردوس .إن فرقة العظمة تخلد الذكرى الرابعة لتأسيس الكنفدرالية الديمقراطية للشغل . وقد اتخذ ت هذه الفرقة كنية مصطفى الدرويش اسما لها. فمصطفى الدرويش (العظمة) وملوع بموسيقى الآلة تعرف إليه السارد – الذي كان يشبهه بكتاب الحايك - في المعتقل ( جاء مصطفى الدرويش إلى السجن بين رفاق الدفعة الأولى معي ومع أحمد الريفي ...)(19).لقد اعتقل ليلا من منزله بحي الدريسية بالبيضاء فهو القائل:( كنت أتهيأ للنوم فانتزعني البوليس من مرقدي ،انتقلت من ليل إلى آخر..)(20) . لم يكن يعرف شيئا عن الدار البيضاء، فقد كان يسكن مع صديق له ولما عاد إلى المنزل ولم يجده خرج يبحث عنه طول اليوم يقول:(قضيت اليوم بطوله وأنا أدور كالحمار ثم عدت إلى المنزل ،ربما بعد الثامنة ليلا،...وعندما طاب لي النوم وقع ما وقع)(21) وفي المعتقل عاش مثل رفاقه الحرمان وعانى من قسوة الحراس كالرقيب بوعلام ودودو مما جعل بعض المعتقلين يحاول الهروب من السجن لكن المحاولة باءت بالفشل .
- عبدا لعزيز صابر : على الرغم من تقديمه للاستقالة من منظمة 23 مارس فانه لم يسلم من الاعتقال سنة 1975 ،بل أوقع معه حبيبته فهيمة - التي تعرف عليها في خلية من خلايا النقابة الوطنية- في المصيدة . كان عبد العزيز صابر ثائرا في وجه قياديي المنظمة ، فثار في وجه المشاعة البدائية التي دعا إليها القياديون الصامدون وطبقها "عملاؤهم بكثير من التشدد(22) . بل تمرد على المنظمة و التحزب عامة معتبرا (كل تنظيم سياسي يسعى إلى الحد من حرية الفرد، ووجود الفرد فيه هو تضحية منه لصالحه بل انه يقدم استقالته من (شخصيته ) ويتحول إلى عبد مسير وفق قواعد الانضباط الصارمة المحكومة بما يسمى القواعد المركزية الديمقراطية )(23).لهذا ترك الماركسية واعتبر نفسه غير منظم فلم يشارك في الإعداد للإضراب عن الطعام الذي خاضه مع المعتقلين ، و تسبب في وفاة فهيمة بعد 45 يوما من الامتناع عن الأكل ، ليعتبر موتها حكما عليه بالموت البطيء خاصة وقد اعتبر نفسه المسئول عن موتها (مشكلته أنه بقي على شعوره الدائم بأن فهيمة لم تمت إلا لأنه أقحمها في الخلية أولا ثم ترتب عن هذا الإقحام أن كان اعتقالها ...و بأنه قدمها طعما سائغا للبوليس )(24) هكذا بعدما ماتت فهيمة التي كانت تملأ وحدته - على الأقل من خلال تبادل الرسائل - فضل الانعزال. وحتى بعد مرور خمس سنوات عن خروجهم من السجن لا زال عبد العزيز يبحر في عزلته وانطوائه، بل يبدو أنه ندم على التجربة التي يقول فيها (هذه التجربة كلها خراء)(25)
- أحمد الريفي: يتلقى السارد خبر انتحار أحمد الريفي من خلال مهاتفة مصطفى الدرويش له ، ومن خلال رسالة إدريس العمراوي ويفكر في إخبار باقي الرفاق و في الذهاب إلى العرائش لحضور التأبين عساه يتخلص من نفزة التي أصبحت علاقته بها تضنيه كلما فكر في مستقبل هذه العلاقة. وهو القائل :فقد رأيت أن لي جسما لا يطاوع رغباتي ...أنا مهدد بهذا الضعف الذي يلابسني (26) وأمام شعوره بافتقاد صديقه - وهو يتصفح الصورة الملونة والرسالة – غدا يستحضر صورة أحمد الريفي وذكرياته : لقد كان أحمد دائم العزلة .كان يقفل عليه الباب لايرى أحدا ولا يكلم أحدا (امتنع في عزلته هذه عن الأكل والخروج والمقابلة ثم جاءت فترة أقفل باب زنزانته لا يرى أحدا ولا يكلم أحدا... نفس الخلوات التي تدرب عليه)(27) خاصة ; وأنه تأذى كثيرا من (رواج تلك الأقاويل المغرضة التي راجت عنه ...فيقذف بها من كل جانب .قيل أنه من الذين كتبوا العفو )(28 )هكذا انعزل أحمد الريفي يملأ فراغه بكتابة مذكراته
سعد الأبرامي : في هذا الفصل يحكي السارد سعد الأبرامي عن نفسه وكيف يتعذب في علاقته بنفزة فهو يهمس لها بالحب ويعرف أنه بائس. يود لو أن اللقاء الذي تلح عليه كل يوم تباطأ في الزمن قليلا وهي التي تراه هادئا فاقد الشهوة الأولى ومستسلما للضياع انه بدون شهوة لا أحد يعرف(التخريب الذي في النفس والتصدع الذي في الجسد والفراغ الذي في الروح واليباس الذي في مرقد الشهوات)(29) . كما يحكي عن بلدته التي عاد إليها بعد سنوات الاعتقال وما تحمله من ذكريات . حتى إذا خرج إلى المقبرة للبحث عن قبر أبيه الذي توفي يوم الجمعة13 شعبان 1387الموافقل13أكتوبر 1987م عاد دون أن يبلغ المراد من بحثه لقد(خرج يبحث عن نبع فإذا به في منتهى العطش )(30)
- الخروج: بعد خروج السارد من السجن وقضائه ليلة صاخبة مع مصطفى الدرويش على الشاطئ في مطعم الجوهرة يصل إلى براندة في وقت متأخر من يوم الخميس الذي تلا احتفالات 20غشت ،فيما توجه مصطفى الدرويش إلى طنجة . لقد كانت هموم الماضي وتخوفات المستقبل تتقاذفانه وهو يكرر نفس السؤال إلى أين سنذهب الآن أيها الرفيق ؟ فلا هو قادر على نسيان الماضي يقول سائلا صديقه:(ألا ترى أننا بمجرد أن نلتقي تنثال علينا ذكريات سجنك هذا؟...ما الذي يجعلك تغرق في هذا الماضي الذي يلح على الجميع؟)(31) .ولا هو قادر على عيش الحاضر والإقبال على المستقبل بعدما خيب الخروج أفق انتظاره. فغدا يحلم بالهجرة إلى زمن آخر،واضطر إلى الاقتناع بصواب قرار أحمد الريفي عندما اختار الانتحار يقول: ( عندما انتحر أحمد الريفي أدركت أنه استعجل حياته المنتظرة الآن أشعر أنه فهم كل شيء... أحس منذ الأيام الأولى لخروجنا أن كل شيء صار له طعم المرارة .لا عمل ،لا أصدقاء ،لا شؤون يمكن أن تعالج بالوقت الفائض لا سياسة . العائلة المنكسرة خلفه العلاقات من حوله باردة ...)(32).ويقول في فصل مصطفى الدرويش عن قرار أحمد الريفي (واننا جميعا الا أحمد الريفي الذي اختار لنفسه الدواء تفرقت بنا السبل الى غير ما رجعة)(33 ) فغدا يحلم هو الآخر بالهجرة فهو القائل:(أحس بتك الرغبة المعتلقة في الهجرة إلى زمن آخر)(34) ويضيف (الحقيقة المرة التي تطالعي أنا الذي أريد الهروب هكذا كأنني ممسوس بهوى الاغتراب)(35)