يسم الله الرحمان الرحيم
المهارات المطلوبة لكتابة الإنشاء الفلسفي
نموذج تطبيقي
إن الكتابة الفلسفية هي تفكير وتأمل واستدلال، وهذا ما يجعلها مختلفة عن أنواع الكتابة الأخرى، ويتطلب تعلمها اكتساب مهارات جديدة. ولقد أوضحنا في مقالتنا تحت عنوان: " كتابة الإنشاء الفلسفي"( * ) قواعد هذه الكتابة وأشرنا فيها أيضا إلى المهارات التي يتطلبها إنجاز هذه المهمة التي ينظر إليها العديد من التلاميذ والطلبة على أنها مهمة عسيرة جدا.وبسب هذه النظرة السلبية يصابون بالارتباك بمجرد التفكير فيها، ويظهر ذلك في عدم القدرة على مواجهتها ومحاولة التملص أو التخلص منها بأي شكل من الأشكال. وإننا لنأمل في تغيير هذه النظرة من خلال تقديم بعض النماذج التطبيقية التي تبين كيفية التعامل مع الموضوعات الفلسفية خلال فترات الاختبار والامتحان. ويكمن الهدف من وراء هذه التجربة في:
§ خلق الوعي بالمهارات المطلوبة لكتابة الإنشاء الفلسفي؛
§ التدرب على استعمال هذه المهارات؛
§ التدرب على انتقاء وتوظيف المعارف المكتسبة وفقا لخطة العرض وإستراتيجيته؛
§ بعث الثقة في النفس والتحرر من الخوف عند مواجهة مهمة الكتابة الفلسفية.
وأما موضوع التدريب المقترح للتحليل وللمناقشة فهو عبارة عن قولة للفيلسوف الألماني عيمانويل كانط، والمطلوب هو فهمها، وتحليلها، ومناقشتها. يقول كانط:
"تصرف على نحو تُعامل معه الإنسانية دائما وأبدا، سواء في شخصك أو في شخص غيرك، كغاية، ولا تعامل أحدا البتة كما لو كان مجرد وسيلة فقط"
والمطلوب هو التحليل والمناقشة.
ماذا يتوقع من التلميذ أو الطالب القيام به عندما يطلب منه إنجاز مهمة كهذه ؟ يرى عالم النفس الأمريكي بنيمين بلوم (1913-1999) Benjamin Bloom أن المهام المعرفية التي يتعين على المتعلم إنجازها تنحصر في خمس مهام أساسية تتدرج في شكل هرم متراتب من أكثرها بساطة إلى أكثرها تعقيدا على النحو التالي:
التركيب
الـتـحلـيـل
الـتـطـبـيـــق
الـــفــهــــــــــم
الــتـــذكـــــــــــــــر
يمثل التذكر أكثر المهارات المعرفية بساطة، حيث يكتفي المتعلم بتذكر المعلومات المكتسبة وتوظيفها على النحو المطلوب. ويتطلب استرجاعها أن تكون منظمة في الذاكرة ومترابطة فيما بينها بطريقة تجعل من السهل استرجاعها عند الضرورة وتوظيفها بشكل فعال وهادف في الكتابة الفلسفية. وما يتعين عليك تذكره في هذه الحالة هو المبدأ الأخلاقي المتمثل في الأمر المطلق الذي تقوم عليه نظرية الأخلاق عنده، وأن تتذكر تعريفه لهذا المبد إ .
ولكن الأهم في الأمر هو أن تفهم المبدأ المشار إليه، إذ من السهل أن تحفظ عن ظهر قلب القول المذكور الذي أصبح قولا مأثورا دون أن تفهم معناه ودلالته. ولذلك يجب أن تتأكد من أنك فهمت دلالة المفاهيم الواردة في القولة والمبدأ الذي تنطوي عليه. ولكي تقنع القارئ بأنك فهمت الموضوع، فإنه يتعين عليك تعريف المفاهيم وإعادة صياغة المبدأ بأسلوبك الخاص. وإن لم تتمكن من إنجاز هاتين المهمتين فمعنى ذلك أنك لم تفهم الموضوع. ولمساعدتك على مقاربة الموضوع بطريقة تمكنك من فهمه أدعوك إلى الإجابة على الأسئلة التوجيهية التالية:
§ ماذا يقصد كانط بقوله:" تصرف على نحو تُعامل معه الإنسانية دائما وأبدا...كغاية" ؟
§ لماذا استعمل صيغة الأمر في هذه الجملة ؟
§ استنتج من جوابك ما إذا كانت قولة كانط تنطوي على تعريف ما، أو مبدأ ما، أو برهان ما، أو على نتيجة برهان ما.
§ لماذا يجب التعامل مع أي أحد كغاية لا كوسيلة ؟ كيف يستدل على ذلك ؟
§ ضع مضمون القولة في سياق فلسفة كانط وانظر إليه في ضوء تصوره للعقل العملي
إن توصلت إلى أن القولة تنطوي على مبدأ أخلاقي عام، وأضفت: وهو الأمر المطلق غير المقيد بشروط والذي أسس عليه كانط نظريته في الأخلاق ، فقد قطعت شوطا مهما في اتجاه فهم الموضوع.
ويتعين عليك بعد ذلك أن تقنع القارئ بأنك فهمت هذا المبدأ جيدا من خلال إعادة صياغته بأسلوبك الشخصي، كأن تقول مثلا: إن هذا المبدأ هو القاعدة الأخلاقية الأساسية التي يجب أن توجه سلوكنا، وتقضي بأن نحترم الآخرين ونحترم أنفسنا، وأن نلتزم دائما بعدم استغلال الآخرين أو التعامل معهم كما لو كانوا مجرد مطية لبلوغ مآربنا الأنانية. تنطوي القولة ، إذن، على المبدأ الذي تنبني عليه نظريته في الأخلاق، وتبين كيفية تطبيقه على المستوى العملي في حياتنا اليومية.
ولكي تثبت أنك حققت درجة عالية جدا من الفهم يتعين عليك بالإضافة إلى ما سبق أن تقوم بتحليل المفاهيم الواردة في القولة وتكشف عن الأبعاد الدلالية للقاعدة الأخلاقية التي تنطوي عليها والعلاقات الموجودة بينها، وتقول مثلا:
: إن الأمر المطلق هو القاعدة الوحيدة الممكنة والضرورية لتأسيس الأخلاق على اعتبار أن العقل هو مصدرها وليس التجربة. وإذا أردنا أن نعبر عن هذه الفكرة بلغة كانط ومفاهيمه لقلنا إن مبدأ الأمر المطلق هو مبدأ قبلي ومتعالي، أي سابق على التجربة، وهو مطلق وغير مقيد بشروط، ومعنى ذلك أنه مستقل عن أية مصلحة شخصية وعن الملابسات الظرفية والأهداف الخاصة، ولا يعبر بالتالي إلا عما ينبغي أن يكون باعتباره الواجب الذي لا مناص منه، ولهذه الاعتبارات يسمي كانط مبدأه الأخلاقي هذا بمبدأ استقلال الإرادة. ويدل مفهوم الاستقلال، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، على التعالي، والمقصود بذلك أنه متعالي عن ظروف الزمان والمكان ولا يتأثر بها، ومعنى ذلك أيضا أنه مبدأ ذو صلاحية كونية. فما هو دليل كانط على أن لهذا المبدأ صلاحية كونية ؟
إن ما يبرر الصلاحية الكونية لمبدأ الواجب الأخلاقي في نظر كانط هو وجوده القبلي في العقل الخالص؛ فبما أن العقل واحد بالنسبة للبشرية جمعاء فإنه لابد أن تكون له صلاحية كونية. إن وجوده القبلي في العقل الخالص هو الذي يجعل منه قانونا أخلاقيا يفرض نفسه على الضمير البشري كواجب يجب أن يلتزم به كل فرد دائما وأبدا مهما كانت الظروف. وكذلك فإن ما يبرر دعوة كانط إلى الصلاحية الكونية لمبدأ الواجب الأخلاقي هو إيمانه بأن الإرادة الخيرة التي تهتدي في وجودها بمبدأ معين هي الشيء الوحيد الذي يعتبر خيرا في ذاته، إن الإرادة الخيرة التي تريد الخير لنفسها ولغيرها هي الخير في ذاته. وإذا كان لابد للإرادة الخيرة أن تكون مبدئية في مساعيها فإن المبدأ الوحيد الذي يجب أن تعمل به بحكم طبيعتها الخيرة فهو مبدأ الأمر المطلق الذي يقضي بأن ننظر إلى أي إنسان على أنه قيمة في حد ذاته، وبسبب ذلك وجب احترامه احتراما غير مشروط.
يتمثل المعنى الجوهري للاحترام في الفلسفة الأخلاقية لكانط في التعامل مع الغير باعتباره غاية لا باعتباره وسيلة أو مطية لتحيق المصالح الأنانية. ذلك لأن ما يعتبر غاية في ذاته هو كل ما يستمد قيمته من ذاته ويتمتع بالتالي بالاستقلال الذاتي الذي يعني استقلال الإرادة. ولذلك يعتبر كانط استقلال الإرادة أساس الكرامة الإنسانية، وجعل منه القانون الأخلاقي الكوني الذي يجب على كل فرد احترامه. يقتضي هذا المبدأ بأن يختار كل فرد بحرية الأهداف والغايات التي يريد تحقيقها. إن ما يجعل من الإنسان شخصا ذو كرامة هو استقلال الإرادة وحرية اختيار الأهداف والغايات وفقا لمبدأ الواجب الأخلاقي. وهذا ما جعل كانط يعتبر احترام الاختيارات العقلانية لأي شخص أسمى الفضائل الأخلاقية.
وعندما تقوم بشرح مضمون القولة ومفاهيمها الأساسية وبينت علاقاتها، وتعبرت عن ذلك كله بأسلوبك وعباراتك الشخصية تكون قد أقمت الدليل على أنك فهمت المبدأ الأخلاقي الذي تقوم عليه الفلسفة الأخلاقية الكانطية، وأقنعت المصحح على أنك اكتسبت مهارة الفهم ومهارة التحليل وأنك قادر على تنميتهما وتطويرهما أكثر فأكثر في المستقبل القريب. ويمكنك في هذا السياق أيضا أن تثبت له أنك تتقن مهارة التطبيق . وتتمثل هذه المهمة في أن تختار بعض الأمثلة التي توضح البعد الإجرائي أو العملي للمبدإ الأخلاقي الكانطي وتطبقها لحل بعض المشكلات الأخلاقية التي تواجه الإنسان في حياته. وعندما تنجز هذه المهمة تكون قد ارتقيت بمهارة الفهم إلى مستوى أعلى، لأن مهارة الفهم لا تنحصر في شرح الأفكار والتعبير عنها بالأسلوب الشخصي، بل تتعدى ذلك إلى القدرة على استعمالها لحل المشكلات ومعالجة مختلف القضايا التي تواجهنا في حياتنا اليومية. وفيما يلي أمثلة اخترتها لك لتحقيق الغرض المنشود:
إن السلوك الأخلاقي، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، هو السلوك الذي يخضع للمبدأ الكوني المتمثل في الأمر المطلق، والذي يلزمنا بأن تتصرف في ظروف معينة بنفس الطريقة التي يجب أن يتصرف بها كل فرد في نفس الظروف. إن التصرف وفقا للمصلحة الخاصة أو الأهداف الخاصة لا يمت إلى الأخلاق بصلة. فإن كنت تعتقد، مثلا، بأن الالتزام بقول الحقيقة دائما هو سلوك جيد، لأن قول الحقيقة يبعث في نفسك مشاعر الارتياح والسعادة، فإن سلوكك هذا لا يعتبر أخلاقيا في نظر كانط ما دام الباعث عليه هو الدافع السيكولوجي المتمثل في الرغبة في تحقيق نوع من السعادة أو الرضا عن النفس؛ ولا يمكن اعتباره سلوكا أخلاقيا ما لم يكن الباعث هو مبدأ الواجب الأخلاقي. إن قول الصدق إرضاء للنفس لا يكتسي أية دلالة أخلاقية في نظر كانط.
ولبيان هذه الفكرة ضرب لنا كانط نفسه مثلا في كتابه "المبادئ الأساسية لميتافيزيقا الأخلاق" برجل يفكر في الانتحارذ؛ وكان هدفه من وراء هذا المثال هو إقناع القارئ بأن سلوك الانتحار ليس له مبرر كوني. وأما دليله في ذلك فهو استحالة أن يصير قرار الانتحار في ظروف معينة قاعدة بالنسبة لكل من يواجه نفس الظروف. يقول كانط بالحرف الواحد: "إن المنتحر على خطأ، لأنه لو كان مصيبا في قراره بقتل نفسه لوجب أن يدمر كل واحد نفسه". والمقصود بهذا القول هو أن الانتحار ليس واجبا كونيا يُلزم كل من وجد نفسه قي ظروف مماثلة لظروف المنتحر بوضع حد لحياته، ولا يمكن أن يصير قاعدة ذات صلاحية كونية ما دامت البواعث السيكولوجية كحب الذات أو عدم الرضا عن الحياة هي التي تقف خلفه؛ وطالما أنه لا يستند إلى قاعدة كونية ملزمة فلا قيمة له من الناحية الأخلاقية.
ولما كان مبدأ حرية الإرادة والاختيار هو مصدر الأخلاق فإن الانتحار يعني تدمير أسس الأخلاق والكرامة الإنسانية. يقول كانط بهذا الصدد: "إذا كانت الحرية هي شرط الحياة، فإنه لا يمكن استعمالها للقضاء على الحياة، لأنه باستعمالها ستكون قد دمرت وألغت نفسها. إن استعمال الحياة لتدمير الحياة ذاتها، أو من أجل فقدان الحياة [ينطوي على] تناقض ذاتي". وما يمكن استخلاصه من هذا المثال هو أن الحفاظ على الحياة هو مبدأ أخلاقي كوني يجب احترامه، لأن تدمير الحياة (الجسد) هو تدمير للإرادة أيضا.
ولكن، ماذا لو قيل لكانط: إن الأخلاق كما تقول تقتضي احترام إرادة الآخرين واختياراتهم، ولذلك يجب أن نحترم إرادة من اختار وضع حد لحياته، لأن احترام اختيارات الآخرين فضيلة أخلاقية سامية كما تقول. فماذا سيكون جواب كانط ؟ ثم ماذا لو تعارض مبدأ الحفاظ على الحياة مع المبدأ الأخلاقي ؟ هل نضحي بالحياة من أجل المبدأ ؟ وماذا بالنسبة للموت الرحيم ؟ هل يعتبر مقبولا من الناحية الأخلاقية ؟
ضعوا ردودكم لتعم الاستفادة
و السلام
المهارات المطلوبة لكتابة الإنشاء الفلسفي
نموذج تطبيقي
إن الكتابة الفلسفية هي تفكير وتأمل واستدلال، وهذا ما يجعلها مختلفة عن أنواع الكتابة الأخرى، ويتطلب تعلمها اكتساب مهارات جديدة. ولقد أوضحنا في مقالتنا تحت عنوان: " كتابة الإنشاء الفلسفي"( * ) قواعد هذه الكتابة وأشرنا فيها أيضا إلى المهارات التي يتطلبها إنجاز هذه المهمة التي ينظر إليها العديد من التلاميذ والطلبة على أنها مهمة عسيرة جدا.وبسب هذه النظرة السلبية يصابون بالارتباك بمجرد التفكير فيها، ويظهر ذلك في عدم القدرة على مواجهتها ومحاولة التملص أو التخلص منها بأي شكل من الأشكال. وإننا لنأمل في تغيير هذه النظرة من خلال تقديم بعض النماذج التطبيقية التي تبين كيفية التعامل مع الموضوعات الفلسفية خلال فترات الاختبار والامتحان. ويكمن الهدف من وراء هذه التجربة في:
§ خلق الوعي بالمهارات المطلوبة لكتابة الإنشاء الفلسفي؛
§ التدرب على استعمال هذه المهارات؛
§ التدرب على انتقاء وتوظيف المعارف المكتسبة وفقا لخطة العرض وإستراتيجيته؛
§ بعث الثقة في النفس والتحرر من الخوف عند مواجهة مهمة الكتابة الفلسفية.
وأما موضوع التدريب المقترح للتحليل وللمناقشة فهو عبارة عن قولة للفيلسوف الألماني عيمانويل كانط، والمطلوب هو فهمها، وتحليلها، ومناقشتها. يقول كانط:
"تصرف على نحو تُعامل معه الإنسانية دائما وأبدا، سواء في شخصك أو في شخص غيرك، كغاية، ولا تعامل أحدا البتة كما لو كان مجرد وسيلة فقط"
والمطلوب هو التحليل والمناقشة.
ماذا يتوقع من التلميذ أو الطالب القيام به عندما يطلب منه إنجاز مهمة كهذه ؟ يرى عالم النفس الأمريكي بنيمين بلوم (1913-1999) Benjamin Bloom أن المهام المعرفية التي يتعين على المتعلم إنجازها تنحصر في خمس مهام أساسية تتدرج في شكل هرم متراتب من أكثرها بساطة إلى أكثرها تعقيدا على النحو التالي:
التركيب
الـتـحلـيـل
الـتـطـبـيـــق
الـــفــهــــــــــم
الــتـــذكـــــــــــــــر
يمثل التذكر أكثر المهارات المعرفية بساطة، حيث يكتفي المتعلم بتذكر المعلومات المكتسبة وتوظيفها على النحو المطلوب. ويتطلب استرجاعها أن تكون منظمة في الذاكرة ومترابطة فيما بينها بطريقة تجعل من السهل استرجاعها عند الضرورة وتوظيفها بشكل فعال وهادف في الكتابة الفلسفية. وما يتعين عليك تذكره في هذه الحالة هو المبدأ الأخلاقي المتمثل في الأمر المطلق الذي تقوم عليه نظرية الأخلاق عنده، وأن تتذكر تعريفه لهذا المبد إ .
ولكن الأهم في الأمر هو أن تفهم المبدأ المشار إليه، إذ من السهل أن تحفظ عن ظهر قلب القول المذكور الذي أصبح قولا مأثورا دون أن تفهم معناه ودلالته. ولذلك يجب أن تتأكد من أنك فهمت دلالة المفاهيم الواردة في القولة والمبدأ الذي تنطوي عليه. ولكي تقنع القارئ بأنك فهمت الموضوع، فإنه يتعين عليك تعريف المفاهيم وإعادة صياغة المبدأ بأسلوبك الخاص. وإن لم تتمكن من إنجاز هاتين المهمتين فمعنى ذلك أنك لم تفهم الموضوع. ولمساعدتك على مقاربة الموضوع بطريقة تمكنك من فهمه أدعوك إلى الإجابة على الأسئلة التوجيهية التالية:
§ ماذا يقصد كانط بقوله:" تصرف على نحو تُعامل معه الإنسانية دائما وأبدا...كغاية" ؟
§ لماذا استعمل صيغة الأمر في هذه الجملة ؟
§ استنتج من جوابك ما إذا كانت قولة كانط تنطوي على تعريف ما، أو مبدأ ما، أو برهان ما، أو على نتيجة برهان ما.
§ لماذا يجب التعامل مع أي أحد كغاية لا كوسيلة ؟ كيف يستدل على ذلك ؟
§ ضع مضمون القولة في سياق فلسفة كانط وانظر إليه في ضوء تصوره للعقل العملي
إن توصلت إلى أن القولة تنطوي على مبدأ أخلاقي عام، وأضفت: وهو الأمر المطلق غير المقيد بشروط والذي أسس عليه كانط نظريته في الأخلاق ، فقد قطعت شوطا مهما في اتجاه فهم الموضوع.
ويتعين عليك بعد ذلك أن تقنع القارئ بأنك فهمت هذا المبدأ جيدا من خلال إعادة صياغته بأسلوبك الشخصي، كأن تقول مثلا: إن هذا المبدأ هو القاعدة الأخلاقية الأساسية التي يجب أن توجه سلوكنا، وتقضي بأن نحترم الآخرين ونحترم أنفسنا، وأن نلتزم دائما بعدم استغلال الآخرين أو التعامل معهم كما لو كانوا مجرد مطية لبلوغ مآربنا الأنانية. تنطوي القولة ، إذن، على المبدأ الذي تنبني عليه نظريته في الأخلاق، وتبين كيفية تطبيقه على المستوى العملي في حياتنا اليومية.
ولكي تثبت أنك حققت درجة عالية جدا من الفهم يتعين عليك بالإضافة إلى ما سبق أن تقوم بتحليل المفاهيم الواردة في القولة وتكشف عن الأبعاد الدلالية للقاعدة الأخلاقية التي تنطوي عليها والعلاقات الموجودة بينها، وتقول مثلا:
: إن الأمر المطلق هو القاعدة الوحيدة الممكنة والضرورية لتأسيس الأخلاق على اعتبار أن العقل هو مصدرها وليس التجربة. وإذا أردنا أن نعبر عن هذه الفكرة بلغة كانط ومفاهيمه لقلنا إن مبدأ الأمر المطلق هو مبدأ قبلي ومتعالي، أي سابق على التجربة، وهو مطلق وغير مقيد بشروط، ومعنى ذلك أنه مستقل عن أية مصلحة شخصية وعن الملابسات الظرفية والأهداف الخاصة، ولا يعبر بالتالي إلا عما ينبغي أن يكون باعتباره الواجب الذي لا مناص منه، ولهذه الاعتبارات يسمي كانط مبدأه الأخلاقي هذا بمبدأ استقلال الإرادة. ويدل مفهوم الاستقلال، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، على التعالي، والمقصود بذلك أنه متعالي عن ظروف الزمان والمكان ولا يتأثر بها، ومعنى ذلك أيضا أنه مبدأ ذو صلاحية كونية. فما هو دليل كانط على أن لهذا المبدأ صلاحية كونية ؟
إن ما يبرر الصلاحية الكونية لمبدأ الواجب الأخلاقي في نظر كانط هو وجوده القبلي في العقل الخالص؛ فبما أن العقل واحد بالنسبة للبشرية جمعاء فإنه لابد أن تكون له صلاحية كونية. إن وجوده القبلي في العقل الخالص هو الذي يجعل منه قانونا أخلاقيا يفرض نفسه على الضمير البشري كواجب يجب أن يلتزم به كل فرد دائما وأبدا مهما كانت الظروف. وكذلك فإن ما يبرر دعوة كانط إلى الصلاحية الكونية لمبدأ الواجب الأخلاقي هو إيمانه بأن الإرادة الخيرة التي تهتدي في وجودها بمبدأ معين هي الشيء الوحيد الذي يعتبر خيرا في ذاته، إن الإرادة الخيرة التي تريد الخير لنفسها ولغيرها هي الخير في ذاته. وإذا كان لابد للإرادة الخيرة أن تكون مبدئية في مساعيها فإن المبدأ الوحيد الذي يجب أن تعمل به بحكم طبيعتها الخيرة فهو مبدأ الأمر المطلق الذي يقضي بأن ننظر إلى أي إنسان على أنه قيمة في حد ذاته، وبسبب ذلك وجب احترامه احتراما غير مشروط.
يتمثل المعنى الجوهري للاحترام في الفلسفة الأخلاقية لكانط في التعامل مع الغير باعتباره غاية لا باعتباره وسيلة أو مطية لتحيق المصالح الأنانية. ذلك لأن ما يعتبر غاية في ذاته هو كل ما يستمد قيمته من ذاته ويتمتع بالتالي بالاستقلال الذاتي الذي يعني استقلال الإرادة. ولذلك يعتبر كانط استقلال الإرادة أساس الكرامة الإنسانية، وجعل منه القانون الأخلاقي الكوني الذي يجب على كل فرد احترامه. يقتضي هذا المبدأ بأن يختار كل فرد بحرية الأهداف والغايات التي يريد تحقيقها. إن ما يجعل من الإنسان شخصا ذو كرامة هو استقلال الإرادة وحرية اختيار الأهداف والغايات وفقا لمبدأ الواجب الأخلاقي. وهذا ما جعل كانط يعتبر احترام الاختيارات العقلانية لأي شخص أسمى الفضائل الأخلاقية.
وعندما تقوم بشرح مضمون القولة ومفاهيمها الأساسية وبينت علاقاتها، وتعبرت عن ذلك كله بأسلوبك وعباراتك الشخصية تكون قد أقمت الدليل على أنك فهمت المبدأ الأخلاقي الذي تقوم عليه الفلسفة الأخلاقية الكانطية، وأقنعت المصحح على أنك اكتسبت مهارة الفهم ومهارة التحليل وأنك قادر على تنميتهما وتطويرهما أكثر فأكثر في المستقبل القريب. ويمكنك في هذا السياق أيضا أن تثبت له أنك تتقن مهارة التطبيق . وتتمثل هذه المهمة في أن تختار بعض الأمثلة التي توضح البعد الإجرائي أو العملي للمبدإ الأخلاقي الكانطي وتطبقها لحل بعض المشكلات الأخلاقية التي تواجه الإنسان في حياته. وعندما تنجز هذه المهمة تكون قد ارتقيت بمهارة الفهم إلى مستوى أعلى، لأن مهارة الفهم لا تنحصر في شرح الأفكار والتعبير عنها بالأسلوب الشخصي، بل تتعدى ذلك إلى القدرة على استعمالها لحل المشكلات ومعالجة مختلف القضايا التي تواجهنا في حياتنا اليومية. وفيما يلي أمثلة اخترتها لك لتحقيق الغرض المنشود:
إن السلوك الأخلاقي، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، هو السلوك الذي يخضع للمبدأ الكوني المتمثل في الأمر المطلق، والذي يلزمنا بأن تتصرف في ظروف معينة بنفس الطريقة التي يجب أن يتصرف بها كل فرد في نفس الظروف. إن التصرف وفقا للمصلحة الخاصة أو الأهداف الخاصة لا يمت إلى الأخلاق بصلة. فإن كنت تعتقد، مثلا، بأن الالتزام بقول الحقيقة دائما هو سلوك جيد، لأن قول الحقيقة يبعث في نفسك مشاعر الارتياح والسعادة، فإن سلوكك هذا لا يعتبر أخلاقيا في نظر كانط ما دام الباعث عليه هو الدافع السيكولوجي المتمثل في الرغبة في تحقيق نوع من السعادة أو الرضا عن النفس؛ ولا يمكن اعتباره سلوكا أخلاقيا ما لم يكن الباعث هو مبدأ الواجب الأخلاقي. إن قول الصدق إرضاء للنفس لا يكتسي أية دلالة أخلاقية في نظر كانط.
ولبيان هذه الفكرة ضرب لنا كانط نفسه مثلا في كتابه "المبادئ الأساسية لميتافيزيقا الأخلاق" برجل يفكر في الانتحارذ؛ وكان هدفه من وراء هذا المثال هو إقناع القارئ بأن سلوك الانتحار ليس له مبرر كوني. وأما دليله في ذلك فهو استحالة أن يصير قرار الانتحار في ظروف معينة قاعدة بالنسبة لكل من يواجه نفس الظروف. يقول كانط بالحرف الواحد: "إن المنتحر على خطأ، لأنه لو كان مصيبا في قراره بقتل نفسه لوجب أن يدمر كل واحد نفسه". والمقصود بهذا القول هو أن الانتحار ليس واجبا كونيا يُلزم كل من وجد نفسه قي ظروف مماثلة لظروف المنتحر بوضع حد لحياته، ولا يمكن أن يصير قاعدة ذات صلاحية كونية ما دامت البواعث السيكولوجية كحب الذات أو عدم الرضا عن الحياة هي التي تقف خلفه؛ وطالما أنه لا يستند إلى قاعدة كونية ملزمة فلا قيمة له من الناحية الأخلاقية.
ولما كان مبدأ حرية الإرادة والاختيار هو مصدر الأخلاق فإن الانتحار يعني تدمير أسس الأخلاق والكرامة الإنسانية. يقول كانط بهذا الصدد: "إذا كانت الحرية هي شرط الحياة، فإنه لا يمكن استعمالها للقضاء على الحياة، لأنه باستعمالها ستكون قد دمرت وألغت نفسها. إن استعمال الحياة لتدمير الحياة ذاتها، أو من أجل فقدان الحياة [ينطوي على] تناقض ذاتي". وما يمكن استخلاصه من هذا المثال هو أن الحفاظ على الحياة هو مبدأ أخلاقي كوني يجب احترامه، لأن تدمير الحياة (الجسد) هو تدمير للإرادة أيضا.
ولكن، ماذا لو قيل لكانط: إن الأخلاق كما تقول تقتضي احترام إرادة الآخرين واختياراتهم، ولذلك يجب أن نحترم إرادة من اختار وضع حد لحياته، لأن احترام اختيارات الآخرين فضيلة أخلاقية سامية كما تقول. فماذا سيكون جواب كانط ؟ ثم ماذا لو تعارض مبدأ الحفاظ على الحياة مع المبدأ الأخلاقي ؟ هل نضحي بالحياة من أجل المبدأ ؟ وماذا بالنسبة للموت الرحيم ؟ هل يعتبر مقبولا من الناحية الأخلاقية ؟
ضعوا ردودكم لتعم الاستفادة
و السلام