الدستور المغربي التاريخ والمستقبل
ملاحظات أولية في مشروع الدستور
بقلم ذ. الكبير الداديسي
اقتبست اللغة العربية كلمة دستور من التركية التي اقتبستها من اللغة الفارسية منذ أوائل العصر العباسي وكلمة دستور في معناها الإيتيمولوجي مكونة من جزأين (دست ) وتعني قاعدة و(ور) وتعني قانون ومن تم تعني كلمة دستور قاعدة القانون
و الأساس الذي تنبي علية القوانين ، والدستور قد يكون عُرفيا وقد يكون مكتوبا وقد هيمن الدستور العرفي في الحضارات القديمة ويعود أقدم دستور عرفي إلى كونفيشيوس بالصين القديمة مرورا بالديموقراطية اليوناية وحقب مختلفة من العصرين الروماني والبزنطي كما عرفه العرب في جاهليتهم فكانوا يتفقون على اختيار رؤساء القبائل وإعلان الحروب وتوقيفها وقبول المصالحة بالعرف
وبمجيء الإسلام وظهور مفهوم الأمة مكان مفهوم القبيلة تم سن بعض قواعد وضوابط التعامل بين الجماعات والأفراد كما نظم بعض المعاملات الاجتماعية والمالية بين ساكنة يثرب وزائريها من المسلمين واليهود والنصارى والوثنيين ....في إطار ما عرفة ب(وثيقة المدينة) التي مثلت أول دستور مكتوب في تاريخ العرب والمسلمين ، وتضمنت 71 مادة أوردها ابن إسحاق ونقلها عنه ابن هشام في سيرته غير أن الدستور الأساسي عند المسلمين يبقى هو القرآن الكريم والسنة النبوية
و الدستور بمعناه الحالي كما عرفه أحمد عطية الله في كتابه القانون الدستوري القانون النظامي أو القانون الأساسي أو كمجموع القواعد الأساسية التي تقرر نظام الحكم للدولة ، وسلطة الحكومة ، وطرق توزيع السلطة ، وكيفية استعمالها كما تبين حقوق الأفراد والجماعات ...) قد ظهر هذا النوع من والدساتير عند العرب والمسلمين في عهد الخليفة العثماني عبد الحميد الأول سنة 1835 ثم في عهد عبد الحميد الثالث (1908)
ويرجع الفضل في إقرار معظم دساتير العالم إلى الثورة الفرنسية والدستور الفرنسي الأول والذي سبقته حركة فكرية واجتماعية وسياسية عميقة أطرها كتاب كبار كمونتسكيو صاحب كتاب (روح الشرائع ) وجان جاك روسو صاحب ( العقد الاجتماعي) وكانا من أوائل المفكرين الذي طرحوا نقط لا زالت متتداولة في معظم الدساتير كفصل السلط والتوازن بين حرية الفرد و ومقتضيات الحياة الاجتماعية والسياسية ...
وفي المغرب بدأت أصداء وأفكار الحياة الدستورية والنيابية تتفاعل خلال القرن 19بعدما قطعت أشواطا بأروبا وأمريكا فأشار عبد القادر الكردودي الفاسي في كتابه ( كشف الغمة ) الذي أهداه للسلطان مولاي عبد الحفيظ إلى تطلع المغاربة إلى نظام برلماني على شاكلة الروم والترك
وفي عهد السلطان محمد الرابع تكررت الإشارة من قبل الحاج محمد بن سعيد السلوي وكان سفيرا بفرنسا
ومع مطلع القرن 19 تجاوز المغارب الإشارات والتطلع إلى وضع مشاريع دساتير بين يدي السلطان العزيز هي :
• مشروع الحاج عبد الله بن سعيد السلوي تضمن 19 فصلا بتاريخ 16 أكتوبر 1923
• مشروع الحاج علي زنيبر السوي الذي سماه (حفظ الاستقلال ولفظ سيطرة الاحتلال ) وتضمن 22 فصلا
• ومشروع الشيخ عبد الكريم مراد اللبناني نزيل المغرب وكان أكثر تفصيلا بتضمنه لديباجة ومحاور أهمها كيفية تشكيل مجلس المة ز كيفية تشكيل العسكر وتنظيمه كفية وجود مال داخلي مع موافقة ذلك للأحكام الشرعية مع الحصول على إغناء الفقراء غضافة على مجموعة من القواعد المتعلقة بالأوقاف والأشراف والفقراء ..
واستغلت النخبة المغربية بيعة السلطان الحفيظ لطرح رغبات دستورية أدمجت فقرات منها في صلب البيعة وفي نفس الفترة ظهر مشروع جريدة(لسان المغرب) صدر المشروع في الأعداد 56-57-58-59 بتاريخ 11 أكتوبر 1908 وتضمن 93 مادة
لكن سرعان ما أقبرت كل هذه المشاريع بفرض الحماية على المغرب ومع مطلع الاستقلال انطلقت المسيرة الدستورية بالظهير رقم 1.56.179 الصادر عن محمد الخامس بتاريخ 3-غشت 1956 مع حكومة البكاي والمتضمن ل 19 فصلا
لكن يبقى اول دستور مغربي سيعرض على الاستفتاء هو دستور 1962 وهذه أهم دساتير المملكة بعد الاستقلال
1. دستور 1962 تضمن 13 بابا موزعة على 110 فصو ل
2. دستور 1970 تضمن 12 بابا و 101 فصلا
3. دستور 1972 شمل 12 بابا 103 فصلا
4. دستور 1992 12 بابا و102 فصلا
5. دستور 1996 ضم 13 بابا و 108 فصلا
يلاحظ إذن أن الدستور ظاهرة حديثة في الحياة السياسية المغربية العريقة التي كانت تقوم على البيعة منذ مبايعة مولاي إدريس إلى اليوم وهي خاصية تكاد تميز الحياة السياسية المغربية عن غيرها في باقي الدول العربية والإسلامية
ورغم حداثة الدستور المغربي (1962) فقد خضع لعدة مراجعات مما أكسب الدستور مرونة وإمكانية مواكبة التطورات السياسية والاجتماعية التي تعرفها المملكة مع مراعاة المصلحة والإصلاح المنشود في علاقة المغرب بالحراك العالمي .... ورغم كثرة المراجعات الدستورية فإن الثوابت ظلت واحدة وغالبا ما شملت المراجعة بعض البنود القليلة لذلك اعتبر خطاب 9 مارس انقلابا سياسيا في المغرب سواء من الناحية الجغرافية للملكة (دسترة نظام الجهات ) او من حيت فصل السلط أو من الناحية المؤسساتية ( تخويل صلاحيات أكبر للبرلمان والوزير الأول ..) فقد ورد في الخطاب الملكي التركيز على سبع مرتكزات يقول العاهل المغربي:
(((قررنا إجراء تعديل دستوري شامل،يستند على سبعة مرتكزات أساسية :
+ أولا : التكريس الدستوري للطابع التعددي للهوية المغربية الموحدة،الغنية بتنوع روافدها،وفي صلبها الأمازيغية،كرصيد لجميع المغاربة ;
+ ثانيا : ترسيخ دولة الحق والمؤسسات،وتوسيع مجال الحريات الفردية والجماعية،وضمان ممارستها،وتعزيز منظومة حقوق الإنسان،بكل أبعادها،السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية،والثقافية والبيئية،ولاسيما بدسترة التوصيات الوجيهة لهيأة الإنصاف والمصالحة،والالتزامات الدولية للمغرب ;
+ ثالثا : الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة،وتعزيز صلاحيات المجلس الدستوري،توطيدا لسمو الدستور،ولسيادة القانون،والمساواة أمامه ;
+ رابعا : توطيد مبدأ فصل السلط وتوازنها،وتعميق دمقرطة وتحديث المؤسسات وعقلنتها،من خلال : برلمان نابع من انتخابات حرة ونزيهة،يتبوأ فيه مجلس النواب مكانة الصدارة،مع توسيع مجال القانون،وتخويله اختصاصات جديدة،كفيلة بنهوضه بمهامه التمثيلية والتشريعية والرقابية. حكومة منتخبة بانبثاقها عن الإرادة الشعبية،المعبر عنها من خلال صناديق الاقتراع،وتحظى بثقة أغلبية مجلس النواب ; تكريس تعيين الوزير الأول من الحزب السياسي،الذي تصدر انتخابات مجلس النواب،وعلى أساس نتائجها ، تقوية مكانة الوزير الأول،كرئيس لسلطة تنفيذية فعلية،يتولى المسؤولية الكاملة على الحكومة والإدارة العمومية،وقيادة وتنفيذ البرنامج الحكومي ، دسترة مؤسسة مجلس الحكومة،وتوضيح اختصاصاته،
+ خامسا : تعزيز الآليات الدستورية لتأطير المواطنين،بتقوية دور الأحزاب السياسية،في نطاق تعددية حقيقية،وتكريس مكانة المعارضة البرلمانية،والمجتمع المدني ;
+ سادسا : تقوية آليات تخليق الحياة العامة،وربط ممارسة السلطة والمسؤولية العمومية بالمراقبة والمحاسبة ،
+ وسابعا : دسترة هيآت الحكامة الجيدة،وحقوق الإنسان،وحماية الحريات.)))
وجاء خطاب 17 يونيو ليكشف ما كان ينتظره المغاربة ويعرض تفاصيل مشروع الدستور ال1ي سيعرض على الاستفتاء في مطلع يوليوز فبعد التقديم والتنويه باللجنة التي تكلفت بإعداد المشروع بين العاهل المغربي أن الدستور الجديد((، يتفرد بثلاث مميزات، في منهجية إعداده، وفي شكله، وفي مضمونه.فمن حيث المنهجية، حرصنا، ولأول مرة في تاريخ بلادنا، على أن يكون الدستور من صنع المغاربة، ولأجل جميع المغاربة وأما من حيث الشكل، فلأنه قائم على هندسة جديدة، همت كل أبوابه، من الديباجة، كجزء لا يتجزأ من الدستور، إلى آخر فصوله، التي ارتفع عددها من 108 إلى 180 فصلا.وأما من حيث المضمون، فهو يؤسس لنموذج دستوري مغربي متميز،)
ليبين جلالة الملك أن مضمون الدستور يقوم على دعامتين حدد الأولى في (( التشبث بالثوابت الراسخة للأمة المغربية، التي نحن على استمرارها مؤتمنون ; وذلك ضمن دولة إسلامية، يتولى فيها الملك، أمير المؤمنين، حماية الملة والدين، وضمان حرية ممارسة الشعائر الدينية .كما يكرس المشروع مكانة بلادنا، كجزء من المغرب الكبير، والتزامها ببناء اتحاده، وبتوطيد علاقات الأخوة العربية والإسلامية، والتضامن الإفريقي، وتوسيع وتنويع علاقات التعاون والشراكة مع جوارها الأوروبي والمتوسطي، ومع مختلف بلدان العالم. دولة عصرية متشبثة بالمواثيق الأممية، وفاعلة ضمن المجموعة الدولية.
وأما الدعامة الثانية، فتتجلى في تكريس مقومات وآليات الطابع البرلماني للنظام السياسي المغربي، في أسسه القائمة على مبادئ سيادة الأمة، وسمو الدستور، كمصدر لجميع السلطات، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وذلك في إطار نسق دستوري فعال ومعقلن، جوهره فصل السلط، واستقلالها وتوازنها، وغايته المثلى حرية وكرامة المواطن))
وبعدما أشار العاهل المغربي لبعض خصائص الدستور الجديد (سنعند للجديد في الدستور) أوضح أن مشروع الدستور يعد تعاقدا بين الشعب والعرش من خلال 10 محاور يمكن تلخيصها على الشكل التالي
1. المحور الأول التكريس الدستوري للملكية المواطنة والملك المواطن.
2. المحورالثاني : دسترة الأمازيغية كلغة رسمية للمملكة، إلى جانب اللغة العربية .
3. المحور الثالث: دسترة كافة حقوق الإنسان، كما هو متعارف عليها عالميا.
4. المحور الرابع : الانبثاق الديمقراطي للسلطة التنفيذية، بقيادة رئيس الحكومة: وفي هذا الصدد، سيتم الارتقاء بالمكانة الدستورية" للوزير الأول" إلى "رئيس للحكومة".
5. المحور الخامس: قيام سلطة برلمانية، تمارس اختصاصات تشريعية ورقابية واسعةز
6. المحور السادس : تخويل المعارضة البرلمانية نظاما خاصا وآليات ناجعة .
7. المحور السابع : ترسيخ سلطة قضائية مستقلة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، تكريسا لاستقلال القضاء.
8. المحور الثامن: دسترة بعض المؤسسات الأساسية، (المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومؤسسة الوسيط، ومجلس الجالية المغربية بالخارج، والهيأة العليا للاتصال السمعي- البصري مجلس أعلى للأمن ، والمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي وتوسيع اختصاصات المجلس الاقتصادي والاجتماعي، لتشمل القضايا البيئية.( مع ترك المجال مفتوحا لإحداث هيآت وآليات أخرى.
9. المحور التاسع : تعزيز آليات الحكامة الجيدة، وتخليق الحياة العامة، ومحاربة الفساد، بإحداث منظومة مؤسسية وطنية منسجمة ومتناسقة في هذا الشأن .
10. المحور العاشر:التكريس الدستوري للمغرب الموحد للجهات. مغرب يقوم على لامركزية واسعة، ذات جوهر ديمقراطي، مع تخصيص باب للجماعات الترابية وللجهوية المتقدمة .
لقد فصل جلالته في كل محور من هذه المحاور قبل ان ينهي خطابه بإعلانه عن التصويت بنعم لفائدة الدستور داعيا كافة الهيآت النقابية والسياسية إلى العمل على تعبئة الشعب المغربي ليس للتصويت بنعم فقط بل لتععيل الدستور باعتباره الخيار الأمثل الضامن لاستقرار البلاد وتكريس الديموقراطية ودولة القانون
ويستشف من الخطوط العريضة لمشروع الدستور انه يشكل محطة حاسمة في تاريخ المغرب وأنه قدم أشياء جديدة لم تكن معلومة في الدساتير السابقة هذه بعضها:
1. تحديد فصول الدستور في 180 فصلا بدل من 108 في الدستور السابق
2. التنصيص على التنوع الثقافي في المغرب (-الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الإفريقية، والأندلسية، والعبرية والمتوسطية
3. دسترة الأمازيغية
4. تحديد بلوغ الملك لسن الرشد في 18 سنة بدل 16 سنة
5. تجديد تركيبة مجلس الوصاية
6. ومساواة الرجل والمرأة في الحقوق المدنية وإحداث آلية للنهوض بالمناصفة بين الرجل والمرأة
7. تكريس كافة حقوق الإنسان، بما فيها قرينة البراءة، وضمان شروط المحاكمة العادلة، وتجريم التعذيب،والاختفاء القسري، والاعتقال التعسفي، وكل أشكال التمييز والممارسات المهينة للكرامة الإنسانية; و ضمان حرية التعبير والرأي، والحق في الولوج إلى المعلومات، وحق تقديم العرائض
8. الارتقاء بالمكانة الدستورية" للوزير الأول" إلى "رئيس للحكومة"
9. وتكريس المسؤولية الكاملة لرئيس الحكومة على أعضائها، والإشراف على الإدارة العمومية، حيث تم تخويله صلاحية التعيين، بمرسوم، في المناصب المدنية، وفقا لقانون تنظيمي، يحدد مبادئ وتكافؤ الفرص بالنسبة لكافة المغاربة في ولوج الوظائف العمومية،
10. كما يخول المشروع لرئيس الحكومة صلاحية حل مجلس النواب، ويكرس استشارة الملك له قبل إعلان حالة الاستثناء
11. دسترة منع الترحال البرلماني
12. الإبقاء على الغرفة الثانية على أن، فإن الدستور المقترح ينص على أن يتراوح عدد أعضائها بين 90 و120 عضوا.
13. دسترة تجريم كل تدخل للسلطة أو المال، أو أي شكل من أشكال التأثير، في شؤون القضاء
14. إحداث "المجلس الأعلى للسلطة القضائية"، وتمكينها من الاستقلال الإداري والمالي، وتخويل رئيس محكمة النقض، مهام الرئيس- المنتدب، بدل وزير العدل حاليا،
15. الارتقاء بالمجلس الدستوري إلى "محكمة دستورية"،
16. دسترة بعض المؤسسات الأساسية
17. التكريس الدستوري للمغرب الموحد للجهات.
على أن الأهم ليس أن يكون لنا دستور مثالي بل الهم هو مدى تطبيق فصوله على أرض الواقع
ملاحظات أولية في مشروع الدستور
بقلم ذ. الكبير الداديسي
اقتبست اللغة العربية كلمة دستور من التركية التي اقتبستها من اللغة الفارسية منذ أوائل العصر العباسي وكلمة دستور في معناها الإيتيمولوجي مكونة من جزأين (دست ) وتعني قاعدة و(ور) وتعني قانون ومن تم تعني كلمة دستور قاعدة القانون
و الأساس الذي تنبي علية القوانين ، والدستور قد يكون عُرفيا وقد يكون مكتوبا وقد هيمن الدستور العرفي في الحضارات القديمة ويعود أقدم دستور عرفي إلى كونفيشيوس بالصين القديمة مرورا بالديموقراطية اليوناية وحقب مختلفة من العصرين الروماني والبزنطي كما عرفه العرب في جاهليتهم فكانوا يتفقون على اختيار رؤساء القبائل وإعلان الحروب وتوقيفها وقبول المصالحة بالعرف
وبمجيء الإسلام وظهور مفهوم الأمة مكان مفهوم القبيلة تم سن بعض قواعد وضوابط التعامل بين الجماعات والأفراد كما نظم بعض المعاملات الاجتماعية والمالية بين ساكنة يثرب وزائريها من المسلمين واليهود والنصارى والوثنيين ....في إطار ما عرفة ب(وثيقة المدينة) التي مثلت أول دستور مكتوب في تاريخ العرب والمسلمين ، وتضمنت 71 مادة أوردها ابن إسحاق ونقلها عنه ابن هشام في سيرته غير أن الدستور الأساسي عند المسلمين يبقى هو القرآن الكريم والسنة النبوية
و الدستور بمعناه الحالي كما عرفه أحمد عطية الله في كتابه القانون الدستوري القانون النظامي أو القانون الأساسي أو كمجموع القواعد الأساسية التي تقرر نظام الحكم للدولة ، وسلطة الحكومة ، وطرق توزيع السلطة ، وكيفية استعمالها كما تبين حقوق الأفراد والجماعات ...) قد ظهر هذا النوع من والدساتير عند العرب والمسلمين في عهد الخليفة العثماني عبد الحميد الأول سنة 1835 ثم في عهد عبد الحميد الثالث (1908)
ويرجع الفضل في إقرار معظم دساتير العالم إلى الثورة الفرنسية والدستور الفرنسي الأول والذي سبقته حركة فكرية واجتماعية وسياسية عميقة أطرها كتاب كبار كمونتسكيو صاحب كتاب (روح الشرائع ) وجان جاك روسو صاحب ( العقد الاجتماعي) وكانا من أوائل المفكرين الذي طرحوا نقط لا زالت متتداولة في معظم الدساتير كفصل السلط والتوازن بين حرية الفرد و ومقتضيات الحياة الاجتماعية والسياسية ...
وفي المغرب بدأت أصداء وأفكار الحياة الدستورية والنيابية تتفاعل خلال القرن 19بعدما قطعت أشواطا بأروبا وأمريكا فأشار عبد القادر الكردودي الفاسي في كتابه ( كشف الغمة ) الذي أهداه للسلطان مولاي عبد الحفيظ إلى تطلع المغاربة إلى نظام برلماني على شاكلة الروم والترك
وفي عهد السلطان محمد الرابع تكررت الإشارة من قبل الحاج محمد بن سعيد السلوي وكان سفيرا بفرنسا
ومع مطلع القرن 19 تجاوز المغارب الإشارات والتطلع إلى وضع مشاريع دساتير بين يدي السلطان العزيز هي :
• مشروع الحاج عبد الله بن سعيد السلوي تضمن 19 فصلا بتاريخ 16 أكتوبر 1923
• مشروع الحاج علي زنيبر السوي الذي سماه (حفظ الاستقلال ولفظ سيطرة الاحتلال ) وتضمن 22 فصلا
• ومشروع الشيخ عبد الكريم مراد اللبناني نزيل المغرب وكان أكثر تفصيلا بتضمنه لديباجة ومحاور أهمها كيفية تشكيل مجلس المة ز كيفية تشكيل العسكر وتنظيمه كفية وجود مال داخلي مع موافقة ذلك للأحكام الشرعية مع الحصول على إغناء الفقراء غضافة على مجموعة من القواعد المتعلقة بالأوقاف والأشراف والفقراء ..
واستغلت النخبة المغربية بيعة السلطان الحفيظ لطرح رغبات دستورية أدمجت فقرات منها في صلب البيعة وفي نفس الفترة ظهر مشروع جريدة(لسان المغرب) صدر المشروع في الأعداد 56-57-58-59 بتاريخ 11 أكتوبر 1908 وتضمن 93 مادة
لكن سرعان ما أقبرت كل هذه المشاريع بفرض الحماية على المغرب ومع مطلع الاستقلال انطلقت المسيرة الدستورية بالظهير رقم 1.56.179 الصادر عن محمد الخامس بتاريخ 3-غشت 1956 مع حكومة البكاي والمتضمن ل 19 فصلا
لكن يبقى اول دستور مغربي سيعرض على الاستفتاء هو دستور 1962 وهذه أهم دساتير المملكة بعد الاستقلال
1. دستور 1962 تضمن 13 بابا موزعة على 110 فصو ل
2. دستور 1970 تضمن 12 بابا و 101 فصلا
3. دستور 1972 شمل 12 بابا 103 فصلا
4. دستور 1992 12 بابا و102 فصلا
5. دستور 1996 ضم 13 بابا و 108 فصلا
يلاحظ إذن أن الدستور ظاهرة حديثة في الحياة السياسية المغربية العريقة التي كانت تقوم على البيعة منذ مبايعة مولاي إدريس إلى اليوم وهي خاصية تكاد تميز الحياة السياسية المغربية عن غيرها في باقي الدول العربية والإسلامية
ورغم حداثة الدستور المغربي (1962) فقد خضع لعدة مراجعات مما أكسب الدستور مرونة وإمكانية مواكبة التطورات السياسية والاجتماعية التي تعرفها المملكة مع مراعاة المصلحة والإصلاح المنشود في علاقة المغرب بالحراك العالمي .... ورغم كثرة المراجعات الدستورية فإن الثوابت ظلت واحدة وغالبا ما شملت المراجعة بعض البنود القليلة لذلك اعتبر خطاب 9 مارس انقلابا سياسيا في المغرب سواء من الناحية الجغرافية للملكة (دسترة نظام الجهات ) او من حيت فصل السلط أو من الناحية المؤسساتية ( تخويل صلاحيات أكبر للبرلمان والوزير الأول ..) فقد ورد في الخطاب الملكي التركيز على سبع مرتكزات يقول العاهل المغربي:
(((قررنا إجراء تعديل دستوري شامل،يستند على سبعة مرتكزات أساسية :
+ أولا : التكريس الدستوري للطابع التعددي للهوية المغربية الموحدة،الغنية بتنوع روافدها،وفي صلبها الأمازيغية،كرصيد لجميع المغاربة ;
+ ثانيا : ترسيخ دولة الحق والمؤسسات،وتوسيع مجال الحريات الفردية والجماعية،وضمان ممارستها،وتعزيز منظومة حقوق الإنسان،بكل أبعادها،السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية،والثقافية والبيئية،ولاسيما بدسترة التوصيات الوجيهة لهيأة الإنصاف والمصالحة،والالتزامات الدولية للمغرب ;
+ ثالثا : الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة،وتعزيز صلاحيات المجلس الدستوري،توطيدا لسمو الدستور،ولسيادة القانون،والمساواة أمامه ;
+ رابعا : توطيد مبدأ فصل السلط وتوازنها،وتعميق دمقرطة وتحديث المؤسسات وعقلنتها،من خلال : برلمان نابع من انتخابات حرة ونزيهة،يتبوأ فيه مجلس النواب مكانة الصدارة،مع توسيع مجال القانون،وتخويله اختصاصات جديدة،كفيلة بنهوضه بمهامه التمثيلية والتشريعية والرقابية. حكومة منتخبة بانبثاقها عن الإرادة الشعبية،المعبر عنها من خلال صناديق الاقتراع،وتحظى بثقة أغلبية مجلس النواب ; تكريس تعيين الوزير الأول من الحزب السياسي،الذي تصدر انتخابات مجلس النواب،وعلى أساس نتائجها ، تقوية مكانة الوزير الأول،كرئيس لسلطة تنفيذية فعلية،يتولى المسؤولية الكاملة على الحكومة والإدارة العمومية،وقيادة وتنفيذ البرنامج الحكومي ، دسترة مؤسسة مجلس الحكومة،وتوضيح اختصاصاته،
+ خامسا : تعزيز الآليات الدستورية لتأطير المواطنين،بتقوية دور الأحزاب السياسية،في نطاق تعددية حقيقية،وتكريس مكانة المعارضة البرلمانية،والمجتمع المدني ;
+ سادسا : تقوية آليات تخليق الحياة العامة،وربط ممارسة السلطة والمسؤولية العمومية بالمراقبة والمحاسبة ،
+ وسابعا : دسترة هيآت الحكامة الجيدة،وحقوق الإنسان،وحماية الحريات.)))
وجاء خطاب 17 يونيو ليكشف ما كان ينتظره المغاربة ويعرض تفاصيل مشروع الدستور ال1ي سيعرض على الاستفتاء في مطلع يوليوز فبعد التقديم والتنويه باللجنة التي تكلفت بإعداد المشروع بين العاهل المغربي أن الدستور الجديد((، يتفرد بثلاث مميزات، في منهجية إعداده، وفي شكله، وفي مضمونه.فمن حيث المنهجية، حرصنا، ولأول مرة في تاريخ بلادنا، على أن يكون الدستور من صنع المغاربة، ولأجل جميع المغاربة وأما من حيث الشكل، فلأنه قائم على هندسة جديدة، همت كل أبوابه، من الديباجة، كجزء لا يتجزأ من الدستور، إلى آخر فصوله، التي ارتفع عددها من 108 إلى 180 فصلا.وأما من حيث المضمون، فهو يؤسس لنموذج دستوري مغربي متميز،)
ليبين جلالة الملك أن مضمون الدستور يقوم على دعامتين حدد الأولى في (( التشبث بالثوابت الراسخة للأمة المغربية، التي نحن على استمرارها مؤتمنون ; وذلك ضمن دولة إسلامية، يتولى فيها الملك، أمير المؤمنين، حماية الملة والدين، وضمان حرية ممارسة الشعائر الدينية .كما يكرس المشروع مكانة بلادنا، كجزء من المغرب الكبير، والتزامها ببناء اتحاده، وبتوطيد علاقات الأخوة العربية والإسلامية، والتضامن الإفريقي، وتوسيع وتنويع علاقات التعاون والشراكة مع جوارها الأوروبي والمتوسطي، ومع مختلف بلدان العالم. دولة عصرية متشبثة بالمواثيق الأممية، وفاعلة ضمن المجموعة الدولية.
وأما الدعامة الثانية، فتتجلى في تكريس مقومات وآليات الطابع البرلماني للنظام السياسي المغربي، في أسسه القائمة على مبادئ سيادة الأمة، وسمو الدستور، كمصدر لجميع السلطات، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وذلك في إطار نسق دستوري فعال ومعقلن، جوهره فصل السلط، واستقلالها وتوازنها، وغايته المثلى حرية وكرامة المواطن))
وبعدما أشار العاهل المغربي لبعض خصائص الدستور الجديد (سنعند للجديد في الدستور) أوضح أن مشروع الدستور يعد تعاقدا بين الشعب والعرش من خلال 10 محاور يمكن تلخيصها على الشكل التالي
1. المحور الأول التكريس الدستوري للملكية المواطنة والملك المواطن.
2. المحورالثاني : دسترة الأمازيغية كلغة رسمية للمملكة، إلى جانب اللغة العربية .
3. المحور الثالث: دسترة كافة حقوق الإنسان، كما هو متعارف عليها عالميا.
4. المحور الرابع : الانبثاق الديمقراطي للسلطة التنفيذية، بقيادة رئيس الحكومة: وفي هذا الصدد، سيتم الارتقاء بالمكانة الدستورية" للوزير الأول" إلى "رئيس للحكومة".
5. المحور الخامس: قيام سلطة برلمانية، تمارس اختصاصات تشريعية ورقابية واسعةز
6. المحور السادس : تخويل المعارضة البرلمانية نظاما خاصا وآليات ناجعة .
7. المحور السابع : ترسيخ سلطة قضائية مستقلة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، تكريسا لاستقلال القضاء.
8. المحور الثامن: دسترة بعض المؤسسات الأساسية، (المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومؤسسة الوسيط، ومجلس الجالية المغربية بالخارج، والهيأة العليا للاتصال السمعي- البصري مجلس أعلى للأمن ، والمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي وتوسيع اختصاصات المجلس الاقتصادي والاجتماعي، لتشمل القضايا البيئية.( مع ترك المجال مفتوحا لإحداث هيآت وآليات أخرى.
9. المحور التاسع : تعزيز آليات الحكامة الجيدة، وتخليق الحياة العامة، ومحاربة الفساد، بإحداث منظومة مؤسسية وطنية منسجمة ومتناسقة في هذا الشأن .
10. المحور العاشر:التكريس الدستوري للمغرب الموحد للجهات. مغرب يقوم على لامركزية واسعة، ذات جوهر ديمقراطي، مع تخصيص باب للجماعات الترابية وللجهوية المتقدمة .
لقد فصل جلالته في كل محور من هذه المحاور قبل ان ينهي خطابه بإعلانه عن التصويت بنعم لفائدة الدستور داعيا كافة الهيآت النقابية والسياسية إلى العمل على تعبئة الشعب المغربي ليس للتصويت بنعم فقط بل لتععيل الدستور باعتباره الخيار الأمثل الضامن لاستقرار البلاد وتكريس الديموقراطية ودولة القانون
ويستشف من الخطوط العريضة لمشروع الدستور انه يشكل محطة حاسمة في تاريخ المغرب وأنه قدم أشياء جديدة لم تكن معلومة في الدساتير السابقة هذه بعضها:
1. تحديد فصول الدستور في 180 فصلا بدل من 108 في الدستور السابق
2. التنصيص على التنوع الثقافي في المغرب (-الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الإفريقية، والأندلسية، والعبرية والمتوسطية
3. دسترة الأمازيغية
4. تحديد بلوغ الملك لسن الرشد في 18 سنة بدل 16 سنة
5. تجديد تركيبة مجلس الوصاية
6. ومساواة الرجل والمرأة في الحقوق المدنية وإحداث آلية للنهوض بالمناصفة بين الرجل والمرأة
7. تكريس كافة حقوق الإنسان، بما فيها قرينة البراءة، وضمان شروط المحاكمة العادلة، وتجريم التعذيب،والاختفاء القسري، والاعتقال التعسفي، وكل أشكال التمييز والممارسات المهينة للكرامة الإنسانية; و ضمان حرية التعبير والرأي، والحق في الولوج إلى المعلومات، وحق تقديم العرائض
8. الارتقاء بالمكانة الدستورية" للوزير الأول" إلى "رئيس للحكومة"
9. وتكريس المسؤولية الكاملة لرئيس الحكومة على أعضائها، والإشراف على الإدارة العمومية، حيث تم تخويله صلاحية التعيين، بمرسوم، في المناصب المدنية، وفقا لقانون تنظيمي، يحدد مبادئ وتكافؤ الفرص بالنسبة لكافة المغاربة في ولوج الوظائف العمومية،
10. كما يخول المشروع لرئيس الحكومة صلاحية حل مجلس النواب، ويكرس استشارة الملك له قبل إعلان حالة الاستثناء
11. دسترة منع الترحال البرلماني
12. الإبقاء على الغرفة الثانية على أن، فإن الدستور المقترح ينص على أن يتراوح عدد أعضائها بين 90 و120 عضوا.
13. دسترة تجريم كل تدخل للسلطة أو المال، أو أي شكل من أشكال التأثير، في شؤون القضاء
14. إحداث "المجلس الأعلى للسلطة القضائية"، وتمكينها من الاستقلال الإداري والمالي، وتخويل رئيس محكمة النقض، مهام الرئيس- المنتدب، بدل وزير العدل حاليا،
15. الارتقاء بالمجلس الدستوري إلى "محكمة دستورية"،
16. دسترة بعض المؤسسات الأساسية
17. التكريس الدستوري للمغرب الموحد للجهات.
على أن الأهم ليس أن يكون لنا دستور مثالي بل الهم هو مدى تطبيق فصوله على أرض الواقع