دستور مصر بين المد والجزر
ذ. الكبير الداديسي
شكل استصدار دساتير جديدة ، أو إدخال إصلاحات على الموجودة منها أهم الشعارات التي صدحت بها الحناجر خلال ثورات الربيع العربي ، فبادرت بعض الدول في مبادرة استباقية ( المغرب نموذجا ) إلى طرح دستور جديد للاستفتاء، وأعلنت دول أخرى نيتها في تعديل الدستور ( الجزائر والبحرين ) وتلكأت دول أخرى في إعلان هذه الإصلاحات ،فتجاوزتها الثورات وتمكنت من الإطاحة بالأنظمة مما جعل من المسألة الدستورية أولى الأولويات . وتبقى مصر أهم دولة عربية اسأتر فيها وضع الدستور بالاهتمام. فما أن يعتقد طرف بأنه أصبح الآمر الناهي في البلاد حتى يسرع إلى تحصين نفسه بإعلان دستوري ، ويوهم العامة بأن مصر لست مستعجلة في استصدار دستور جديد.
فقبيل رحيله تعجل الرئيس المطاح به حسني مبارك وأعلن تغيير بعض البنود في الدستور عساها تساهم في انتقال سلس للسلطة ، .وبعد أن تولى المجلس العسكري شؤون البلاد والعباد في ارض الكنانة تعجل في إعلاناته الدستورية فقام المجلس الأعلي للقوات المسلحة بإصدار عدد من الإعلانات الدستورية في المرحلة الانتقالية. بدءا بالإعلان الدستوري الأول في 13 فبراير 2011 بعد يومين من تنحي مبارك. والإعلان الثاني في 30 مارس بناءً علي نتيجة الاستفتاء . وقد أدخل المجلس العسكري تعديلين علي إعلان 30 مارس، مرة في 25 سبتمبر 2011 . ومرة في 19 نوفمبر 2011. وكان إعلان 17 شهر يونيو 2012 أهم هذه الإعلانات لأنه جعل المجلس العسكري سلطانا جامعا السلطتين التشريعية والتنفيذية في محاولة لإعدام مؤسسة الرئاسة وهو يتنبأ باكتساح التيارات الأصولية للمشهد السياسي ، متفطنا لما يدور في كواليس زواج المصلحة بين السياسة والدين وما قد يترتب عن هذا الزواج، هكذا حاول في إعلانه تقزيم دور رئيس الدولة وتغليب كفة القضاء معتقدا أن القضاة سيظلون إلى جانبه فنص في إعلانه الدستوري المكمل (مادة 30: الرئيس الجديد يؤدى اليمين أمام الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا.) ومرتبا الحلول لكل ما قد يحدث في ( المادة 60 مكرر: "إذا قام مانع يحول دون استكمال الجمعية التأسيسية لعملها، شكل المجلس الأعلى للقوات المسلحة خلال أسبوع جمعية تأسيسية جديدة تمثل أطياف المجتمع لإعداد مشروع الدستور الجديد خلال ثلاثة أشهر من تاريخ تشكيلها، ويعرض مشروع الدستور على الشعب لاستفتائه فى شأنه خلال 15 يوما من تاريخ الانتهاء من إعداده، وتبدأ إجراءات الانتخابات التشريعية خلال شهر من تاريخ إعلان موافقة الشعب على الدستور الجديد.)) ويبدو من خلال التواريخ مدى العجلة في استصدار الدستور
لكن قوانين لعبة الديمقراطية أسفرت عن بروز قوى إسلامية يستحيل اليوم على أي تنظيم سياسي الفوز عليها إذ ( يستحيل الفوز على تنظيم يجتمع أعضاؤه خمس مرات في اليوم ويعقد جمعه العام أسبوعيا كل جمعة ويستغل المساجد والجلسات في المساجد والبيوت ...) فكان التمكين للإخوان المسلمين وحزب النور السلفي، وساعد هذا التمكين الرئيس المنتخب في سحب البساط من تحت أقدام المجلس العسكري ، و تقليم أظافره، وتحصين مؤسسته الرئاسية ، وإبعاد كل مَن مِن شأنه فرملة و تعجيل عمل الإخوان والرئيس ، أمام ذهول المتتبعين من داخل مصر أو خارجها ، فأصدر إعلانه الدستوري يوم 12 غشت يتضمن ثلاث مواد تتمحور حول إلغاء الإعلان الدستوري المكمل وتعجيل مباشرة الرئيس لمهامه وتحديد مواعيد وضع الدستور وإجراء الانتخابات، لكن النقطة التي أفاضت الكأس ، وكشفت المستور كانت الإعلان الدستوري الجديد الصادر عن الرئيس مرسي يوم 22 نونبر وهو إعلان مكون من سبع مواد ولن نعيد مقاربة مضامين هذا الإعلان لأننا تناولناها في مقالات سابقة ، وسنقتصر على تنائية التأجيل والتعجيل فيه :
فقد جاء في المادة الرابعة: تستبدل عبارة ''تتولي اعداد مشروع دستور جديد للبلاد في موعد غايته 8 أشهر من تاريخ تشكيلها'' بعبارة ''تتولي اعداد مشروع دستور جديد للبلاد في موعد غايته 6 أشهر من تاريخ تشكيلها'' وبعدما وعد بتأجيل عمل اللجنة المكلفة بوضع الدستور شهرين إضافيين وتمديد فترة عمل الجمعية التأسيسية لشهرين آخرين لتنهي عملها في الثاني من شهر فبراير/شباط عام 2013 يفاجؤ المصريون بتعديل الدستور والمصادقة عليه في يومين : ففي الوقت الذي يعتصم فيه الرافضون للإعلان الدستوري بمن فيهم القضاة بميدان التحرير تم تعديل الدستور والمصادقة عليه وتقديم نسخة منه للرئيس في أفق عرضه على الاستفتاء في طبخة مستعجلة لم تزد الشارع المصري إلا غليانا واتساعا ، فاندلعت المسيرات والمواجهات في عدد من المحافضات ،كما تم تحويل مركز التظاهر في القاهرة من ميدان التحرير إلى مقر الاتحادية ، بل تجاوزت المواجهات ما شهدته مصر الثورة على مبارك ، إد تغلغلت داخل القصر الرئاسي وأسقطت قتلى وجرحى بداخله ، كما تم إحراق مقر الاخوان المسلمين ، والهجوم على منزل الرئيس مرسي ، ورفع شعار إسقاط النظام ، وفي خطوة لأخماد فتيل الثورة الثورة الجديدة ، بادر مرسي إلى إلغاء الإعلان الدستور مع الإبقاء على موع الاستفتاع على الدستور يوم 15 دجنبر الجاري ، وهو موقف لم يعجب جبهة الانقاد الرافضة للدستور
إن المتتبع يدرك للوهلة الأولى أن هناك إسراعا وهرولة نحو المصادقة على الدستور . مما يجعل المتتبع يتساءل : لماذا العجلة في وضع دستور سيرهن البلاد لسنين طويلة ؟؟ ومن المستفيد من هذه العجلة ؟؟
ذ. الكبير الداديسي
شكل استصدار دساتير جديدة ، أو إدخال إصلاحات على الموجودة منها أهم الشعارات التي صدحت بها الحناجر خلال ثورات الربيع العربي ، فبادرت بعض الدول في مبادرة استباقية ( المغرب نموذجا ) إلى طرح دستور جديد للاستفتاء، وأعلنت دول أخرى نيتها في تعديل الدستور ( الجزائر والبحرين ) وتلكأت دول أخرى في إعلان هذه الإصلاحات ،فتجاوزتها الثورات وتمكنت من الإطاحة بالأنظمة مما جعل من المسألة الدستورية أولى الأولويات . وتبقى مصر أهم دولة عربية اسأتر فيها وضع الدستور بالاهتمام. فما أن يعتقد طرف بأنه أصبح الآمر الناهي في البلاد حتى يسرع إلى تحصين نفسه بإعلان دستوري ، ويوهم العامة بأن مصر لست مستعجلة في استصدار دستور جديد.
فقبيل رحيله تعجل الرئيس المطاح به حسني مبارك وأعلن تغيير بعض البنود في الدستور عساها تساهم في انتقال سلس للسلطة ، .وبعد أن تولى المجلس العسكري شؤون البلاد والعباد في ارض الكنانة تعجل في إعلاناته الدستورية فقام المجلس الأعلي للقوات المسلحة بإصدار عدد من الإعلانات الدستورية في المرحلة الانتقالية. بدءا بالإعلان الدستوري الأول في 13 فبراير 2011 بعد يومين من تنحي مبارك. والإعلان الثاني في 30 مارس بناءً علي نتيجة الاستفتاء . وقد أدخل المجلس العسكري تعديلين علي إعلان 30 مارس، مرة في 25 سبتمبر 2011 . ومرة في 19 نوفمبر 2011. وكان إعلان 17 شهر يونيو 2012 أهم هذه الإعلانات لأنه جعل المجلس العسكري سلطانا جامعا السلطتين التشريعية والتنفيذية في محاولة لإعدام مؤسسة الرئاسة وهو يتنبأ باكتساح التيارات الأصولية للمشهد السياسي ، متفطنا لما يدور في كواليس زواج المصلحة بين السياسة والدين وما قد يترتب عن هذا الزواج، هكذا حاول في إعلانه تقزيم دور رئيس الدولة وتغليب كفة القضاء معتقدا أن القضاة سيظلون إلى جانبه فنص في إعلانه الدستوري المكمل (مادة 30: الرئيس الجديد يؤدى اليمين أمام الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا.) ومرتبا الحلول لكل ما قد يحدث في ( المادة 60 مكرر: "إذا قام مانع يحول دون استكمال الجمعية التأسيسية لعملها، شكل المجلس الأعلى للقوات المسلحة خلال أسبوع جمعية تأسيسية جديدة تمثل أطياف المجتمع لإعداد مشروع الدستور الجديد خلال ثلاثة أشهر من تاريخ تشكيلها، ويعرض مشروع الدستور على الشعب لاستفتائه فى شأنه خلال 15 يوما من تاريخ الانتهاء من إعداده، وتبدأ إجراءات الانتخابات التشريعية خلال شهر من تاريخ إعلان موافقة الشعب على الدستور الجديد.)) ويبدو من خلال التواريخ مدى العجلة في استصدار الدستور
لكن قوانين لعبة الديمقراطية أسفرت عن بروز قوى إسلامية يستحيل اليوم على أي تنظيم سياسي الفوز عليها إذ ( يستحيل الفوز على تنظيم يجتمع أعضاؤه خمس مرات في اليوم ويعقد جمعه العام أسبوعيا كل جمعة ويستغل المساجد والجلسات في المساجد والبيوت ...) فكان التمكين للإخوان المسلمين وحزب النور السلفي، وساعد هذا التمكين الرئيس المنتخب في سحب البساط من تحت أقدام المجلس العسكري ، و تقليم أظافره، وتحصين مؤسسته الرئاسية ، وإبعاد كل مَن مِن شأنه فرملة و تعجيل عمل الإخوان والرئيس ، أمام ذهول المتتبعين من داخل مصر أو خارجها ، فأصدر إعلانه الدستوري يوم 12 غشت يتضمن ثلاث مواد تتمحور حول إلغاء الإعلان الدستوري المكمل وتعجيل مباشرة الرئيس لمهامه وتحديد مواعيد وضع الدستور وإجراء الانتخابات، لكن النقطة التي أفاضت الكأس ، وكشفت المستور كانت الإعلان الدستوري الجديد الصادر عن الرئيس مرسي يوم 22 نونبر وهو إعلان مكون من سبع مواد ولن نعيد مقاربة مضامين هذا الإعلان لأننا تناولناها في مقالات سابقة ، وسنقتصر على تنائية التأجيل والتعجيل فيه :
فقد جاء في المادة الرابعة: تستبدل عبارة ''تتولي اعداد مشروع دستور جديد للبلاد في موعد غايته 8 أشهر من تاريخ تشكيلها'' بعبارة ''تتولي اعداد مشروع دستور جديد للبلاد في موعد غايته 6 أشهر من تاريخ تشكيلها'' وبعدما وعد بتأجيل عمل اللجنة المكلفة بوضع الدستور شهرين إضافيين وتمديد فترة عمل الجمعية التأسيسية لشهرين آخرين لتنهي عملها في الثاني من شهر فبراير/شباط عام 2013 يفاجؤ المصريون بتعديل الدستور والمصادقة عليه في يومين : ففي الوقت الذي يعتصم فيه الرافضون للإعلان الدستوري بمن فيهم القضاة بميدان التحرير تم تعديل الدستور والمصادقة عليه وتقديم نسخة منه للرئيس في أفق عرضه على الاستفتاء في طبخة مستعجلة لم تزد الشارع المصري إلا غليانا واتساعا ، فاندلعت المسيرات والمواجهات في عدد من المحافضات ،كما تم تحويل مركز التظاهر في القاهرة من ميدان التحرير إلى مقر الاتحادية ، بل تجاوزت المواجهات ما شهدته مصر الثورة على مبارك ، إد تغلغلت داخل القصر الرئاسي وأسقطت قتلى وجرحى بداخله ، كما تم إحراق مقر الاخوان المسلمين ، والهجوم على منزل الرئيس مرسي ، ورفع شعار إسقاط النظام ، وفي خطوة لأخماد فتيل الثورة الثورة الجديدة ، بادر مرسي إلى إلغاء الإعلان الدستور مع الإبقاء على موع الاستفتاع على الدستور يوم 15 دجنبر الجاري ، وهو موقف لم يعجب جبهة الانقاد الرافضة للدستور
إن المتتبع يدرك للوهلة الأولى أن هناك إسراعا وهرولة نحو المصادقة على الدستور . مما يجعل المتتبع يتساءل : لماذا العجلة في وضع دستور سيرهن البلاد لسنين طويلة ؟؟ ومن المستفيد من هذه العجلة ؟؟