المرأة في الساحة الشرفية
إن حضور المرأة في رواية الساحة الشرفية يعكس التنوع الثقافي والعرقي الذي يفرد المغرب و يجعله ملتقى للحضارات والديانات الثلاث هكذا اختار السارد بطلات يمثلن الإسلام (فتحية – فهيمة - شامة ) اليهودية (خانة ) و المسيحية( سيلبيا) إلا أنه لم يركز على الدين في تقديم هذه الشخصيات، بل جعل العمل والموقف هي مقياس الحكم على الشخصية.
لقد لعبت المرأة دورا أساسيا في أحداث هذه الساحة الشرفية . يمكن التمييز في موقف المرأة داخل هذه الرواية بين موقف سلبي وآخر ايجابي :
*الموقف الإيجابي :
ويتجلى الموقف الإيجابي للمرأة في الصورة التي قدمها فيها السارد فهي مثقفة مناضلة ملتزمة . ومثل هذا الموقف شخصيات نسائية مثل :
+ فهيمة : وهي نموذج للمرأة النقابية تحمل مواقف سياسية . كانت مستعدة للتضحية بحياتها على ألا تتزحزح عن مبادئها . وفعلا ماتت نتيجة تطبيقها لقرار الإضراب عن الطعام وهو موقف يجسد بطولة مأساوية لا تعرف المراوغة والمهادنة والاستسلام
+ سيلبيا : قدمت في الرواية نموذجا للمرأة المؤِمنة بالقيم الإنسانية المطلقة . ولا يهمها إن تحققت هذه المبادئ في وطنها أو في غيره ما دامت ستكون في صالح الإنسانية . فهي كانت تنوي النضال في منضمة يسارية في فرنسا ، لكنها لبت دعوة حبيبها للنضال في بلده المغرب ،لتقدم نموذجا رائعا في الإخلاص ، بقبولها العيش في المغرب رغم اعتقال الحبيب. وقبولها حياة الفقر بعد خروجه . بل لقد كانت سببا في هجرة و انقاد ادريس من الحالة المزرية التي أضحى يعيشها بعد خروجه من السجن
+ فتحية : شكلت الأم والأمل لأخيها .تلبي كل طلباته (فهي التي زودته بكل ما يحتاج للاحتفال بعيد ميلاده وهي التي اقتنت له كتاب الحايك الذي كان لا يفارقه .وكانت زيارتها كافية لتقلب همومه وأحزانه أفراحا
يتضح من تجربة هذه الشخصيات – على الرغم من عدم تحقيقها لما تصبو إليه – أنها تقدم نماذج للبطولة المأساوية حيث ( تلازم فكرة البطولة ومفهوم النقاء والصفاء . يختار البطل طريقا في الحياة ويبقى وفيا لها مهما كانت الظروف ) (63).
كما جسدت المرأة قيمة الحب – كقيمة سامية مطلقة – في تجليات متعددة : حب الوطن حب الموقف حب الذات وحب الحبيب الخلاص له وعدم تركه يشعر بالوحدة حتى وان غدا غير قادر إعالتها (سيلبيا نموذجا) أو عاجزا عن إشباع رغباتها الوجدانية والجنسية ( نفزة نموذجا ) فقد كان بإمكان هؤلاء الفتيات – وهن اللواتي لا يربطهن بهؤلاء الأبطال أي رباط شرعي- بداية حياة جديدة ،لكنهن اخترن الالتزام والتضحية
*الموقف السلبي :
لكن في الرواية نساء أخريات قدمن نموذجا لقيم سالبة كما تجلى في حالة شامة التي غرها جمالها وشبابها، وانغمست في الرذيلة، بدعوى الهروب من حياة الفقر والبؤس . وتركت الزوج ( يقتلي) تتغنى به الركبان (( يوم الربيع قالوا جات يوم الربيع قالوا جات والقايلة عليه احمات احميدو يالمسكين ، خطفوا ليه الزين شامة يا الزغبية في السانية مرمية )) (64) ففضلت حياة (الأنس والدعة والحلاوة ) على حياة المسؤولية والالتزام والإخلاص
وتجلى هذا الموقف السلبي أكثر في تجربة ( خانة ) الي خانت تقاليد المجتمع وتمردت على سكينة منطقة صغيرة نائية ومحافظة، فاستدرجت بناتها للدعارة، وبعد أن جمعت منهن عددا (صارت عليهن باطرونة) تقتات من عرقهن . لو تكن تحترم أحدا فكانت تعير الرجال في وقاحة قل نظيرها ،كقولها للحاج العربي الذي كان يصبغ لحيته بالحناء (( شوف الخارف الهارف ،هاهو وهي تكشف عن بؤرة متيبسة تحف بها الغابة المتعرشة ،تبين البؤرة وقد حفت بها الشعيرات الممسودة كلما رفعت صدرها وهي تلقي بجسدها الى الوراء في حركة هوجاء ))(65)
وحتى يعكس السارد موقفه من هذا الموقف السلبي للمرأة وجدناه يتخلص روائيا من النساء اللواتي مثلن هذا الموقف في الفصل الأول ، فلم يعد يذكرهن في باقي الفصول ،بعد أن قتلهن بطريقة فضيعة ونكل بجثثهن :
- فقد أغرق خانة في الغدير ،بعد أن أفقدها عقلها وجعلها أضحوكة الأطفال وجعل (الأولاد يجرون في إثرها وهي تنزل، تنزل الى حيث قاع البلدة الفاتر )ولا تعود الا (في وقت من الليل بعد أن تنطفئ أضواء اللمبات الجازية ) بل لقد تركها السارد بدون مأوى بعد أ، أقفل القائد بن سلام السانية التي كانت تأويها. هكذا أغلق السارد أمامها كل الأبواب وجعلها تستعجل اللحظة التي تضع فيها حدا لحياتها .وجعلها تلقي بنفسها في الغدير في اليوم الذي توحدت فيه قبائل براندة وخرجت لطلب الغيث .ولم يكتف بالتخلص منها في هذا اليوم المشهود بل انتقم منها حتى بعد وفاتها فتركها مرمية بين الناس لا يعرفون أميتة هي أم حية ؟ وجعل الناس يختلفون في الحكم على وفاتها فمنهم من ارتاح لذلك ما دام (الجفاف لم يصب هذه الديار إلا بسبب تلك المخلوقة الفاسدة الهامدة فقد طاردها الله بعد أن تغلبت على البشر، وجعلها بينهم أمثولة للاعتبار) (66). وأكثر من ذلك جند السارد السلطات المحلية لترفض دفن خانة في مقبرة المسلمين .وأن يوارى جثمانها الثرى الى جانب جاثمين الذين عاشت بينهم ،ليختار في الأخير إبعاد جثثها عن المنطقة نهائيا
- وفي نفس السياق تخلص السارد روائيا من امرأة اختار لها أن تلعب موقفا سلبيا . إنها شامة؛ التي لم يشفع لها جمالها ،فنكل بها السارد هي الأخرى .ولم ينتبه لها أحد حتى وجدت ( فارة فاها وخطوط قانية من الدم المسفوح تترقرق منه .كانت هناك طعنات ظاهره وحادة عند بطنها وتحت رقبتها وآثار نف بالغ بين عينيها...في نفس المكان الذي كانت تضطجع فيه عادة لاحتلاب شبق الذات ) (67)
يستنتج إذن أن الموقف الإيجابي للمرأة قد جسد الحب و الإخلاص والالتزام، وأن الموقف السلبي عكس التهور والخيانة ولم يخف السارد موقفه من المرأة في الرواية ؛فرسم لكل واحدة مسارا يخدم الموقف الذي أراد تبليغه للمتلقي . كما يتجلى هذا الموقف في الأسماء التي اختارها لبطلات روايته ؛ فاختار للمرأة التي لعبت دورا ايجابيا أسماء مشحونة بدلالات موجبة ك(فهيمة ) و(فتحية) وللمرأة التي لعبت دورا ايجابيا أسماء مشونة بدلالات سالبة ك(خانة) . ولسنا نرى ضرورة في الوقف على تحليل هذه الأسماء والبحث عما قد تحمله من دلالات .فيكفي إثارة المشكل لنفتح للمتلقي بابا يسافر عبره إلى دنيا التأويلات والتفسيرات . فالأكيد أن اختيار أسماء الأبطال ليس اعتباطيا، وأن لاشيء في الرواية عفوي (فلا وجود لكتابة بيضاء)
إن حضور المرأة في رواية الساحة الشرفية يعكس التنوع الثقافي والعرقي الذي يفرد المغرب و يجعله ملتقى للحضارات والديانات الثلاث هكذا اختار السارد بطلات يمثلن الإسلام (فتحية – فهيمة - شامة ) اليهودية (خانة ) و المسيحية( سيلبيا) إلا أنه لم يركز على الدين في تقديم هذه الشخصيات، بل جعل العمل والموقف هي مقياس الحكم على الشخصية.
لقد لعبت المرأة دورا أساسيا في أحداث هذه الساحة الشرفية . يمكن التمييز في موقف المرأة داخل هذه الرواية بين موقف سلبي وآخر ايجابي :
*الموقف الإيجابي :
ويتجلى الموقف الإيجابي للمرأة في الصورة التي قدمها فيها السارد فهي مثقفة مناضلة ملتزمة . ومثل هذا الموقف شخصيات نسائية مثل :
+ فهيمة : وهي نموذج للمرأة النقابية تحمل مواقف سياسية . كانت مستعدة للتضحية بحياتها على ألا تتزحزح عن مبادئها . وفعلا ماتت نتيجة تطبيقها لقرار الإضراب عن الطعام وهو موقف يجسد بطولة مأساوية لا تعرف المراوغة والمهادنة والاستسلام
+ سيلبيا : قدمت في الرواية نموذجا للمرأة المؤِمنة بالقيم الإنسانية المطلقة . ولا يهمها إن تحققت هذه المبادئ في وطنها أو في غيره ما دامت ستكون في صالح الإنسانية . فهي كانت تنوي النضال في منضمة يسارية في فرنسا ، لكنها لبت دعوة حبيبها للنضال في بلده المغرب ،لتقدم نموذجا رائعا في الإخلاص ، بقبولها العيش في المغرب رغم اعتقال الحبيب. وقبولها حياة الفقر بعد خروجه . بل لقد كانت سببا في هجرة و انقاد ادريس من الحالة المزرية التي أضحى يعيشها بعد خروجه من السجن
+ فتحية : شكلت الأم والأمل لأخيها .تلبي كل طلباته (فهي التي زودته بكل ما يحتاج للاحتفال بعيد ميلاده وهي التي اقتنت له كتاب الحايك الذي كان لا يفارقه .وكانت زيارتها كافية لتقلب همومه وأحزانه أفراحا
يتضح من تجربة هذه الشخصيات – على الرغم من عدم تحقيقها لما تصبو إليه – أنها تقدم نماذج للبطولة المأساوية حيث ( تلازم فكرة البطولة ومفهوم النقاء والصفاء . يختار البطل طريقا في الحياة ويبقى وفيا لها مهما كانت الظروف ) (63).
كما جسدت المرأة قيمة الحب – كقيمة سامية مطلقة – في تجليات متعددة : حب الوطن حب الموقف حب الذات وحب الحبيب الخلاص له وعدم تركه يشعر بالوحدة حتى وان غدا غير قادر إعالتها (سيلبيا نموذجا) أو عاجزا عن إشباع رغباتها الوجدانية والجنسية ( نفزة نموذجا ) فقد كان بإمكان هؤلاء الفتيات – وهن اللواتي لا يربطهن بهؤلاء الأبطال أي رباط شرعي- بداية حياة جديدة ،لكنهن اخترن الالتزام والتضحية
*الموقف السلبي :
لكن في الرواية نساء أخريات قدمن نموذجا لقيم سالبة كما تجلى في حالة شامة التي غرها جمالها وشبابها، وانغمست في الرذيلة، بدعوى الهروب من حياة الفقر والبؤس . وتركت الزوج ( يقتلي) تتغنى به الركبان (( يوم الربيع قالوا جات يوم الربيع قالوا جات والقايلة عليه احمات احميدو يالمسكين ، خطفوا ليه الزين شامة يا الزغبية في السانية مرمية )) (64) ففضلت حياة (الأنس والدعة والحلاوة ) على حياة المسؤولية والالتزام والإخلاص
وتجلى هذا الموقف السلبي أكثر في تجربة ( خانة ) الي خانت تقاليد المجتمع وتمردت على سكينة منطقة صغيرة نائية ومحافظة، فاستدرجت بناتها للدعارة، وبعد أن جمعت منهن عددا (صارت عليهن باطرونة) تقتات من عرقهن . لو تكن تحترم أحدا فكانت تعير الرجال في وقاحة قل نظيرها ،كقولها للحاج العربي الذي كان يصبغ لحيته بالحناء (( شوف الخارف الهارف ،هاهو وهي تكشف عن بؤرة متيبسة تحف بها الغابة المتعرشة ،تبين البؤرة وقد حفت بها الشعيرات الممسودة كلما رفعت صدرها وهي تلقي بجسدها الى الوراء في حركة هوجاء ))(65)
وحتى يعكس السارد موقفه من هذا الموقف السلبي للمرأة وجدناه يتخلص روائيا من النساء اللواتي مثلن هذا الموقف في الفصل الأول ، فلم يعد يذكرهن في باقي الفصول ،بعد أن قتلهن بطريقة فضيعة ونكل بجثثهن :
- فقد أغرق خانة في الغدير ،بعد أن أفقدها عقلها وجعلها أضحوكة الأطفال وجعل (الأولاد يجرون في إثرها وهي تنزل، تنزل الى حيث قاع البلدة الفاتر )ولا تعود الا (في وقت من الليل بعد أن تنطفئ أضواء اللمبات الجازية ) بل لقد تركها السارد بدون مأوى بعد أ، أقفل القائد بن سلام السانية التي كانت تأويها. هكذا أغلق السارد أمامها كل الأبواب وجعلها تستعجل اللحظة التي تضع فيها حدا لحياتها .وجعلها تلقي بنفسها في الغدير في اليوم الذي توحدت فيه قبائل براندة وخرجت لطلب الغيث .ولم يكتف بالتخلص منها في هذا اليوم المشهود بل انتقم منها حتى بعد وفاتها فتركها مرمية بين الناس لا يعرفون أميتة هي أم حية ؟ وجعل الناس يختلفون في الحكم على وفاتها فمنهم من ارتاح لذلك ما دام (الجفاف لم يصب هذه الديار إلا بسبب تلك المخلوقة الفاسدة الهامدة فقد طاردها الله بعد أن تغلبت على البشر، وجعلها بينهم أمثولة للاعتبار) (66). وأكثر من ذلك جند السارد السلطات المحلية لترفض دفن خانة في مقبرة المسلمين .وأن يوارى جثمانها الثرى الى جانب جاثمين الذين عاشت بينهم ،ليختار في الأخير إبعاد جثثها عن المنطقة نهائيا
- وفي نفس السياق تخلص السارد روائيا من امرأة اختار لها أن تلعب موقفا سلبيا . إنها شامة؛ التي لم يشفع لها جمالها ،فنكل بها السارد هي الأخرى .ولم ينتبه لها أحد حتى وجدت ( فارة فاها وخطوط قانية من الدم المسفوح تترقرق منه .كانت هناك طعنات ظاهره وحادة عند بطنها وتحت رقبتها وآثار نف بالغ بين عينيها...في نفس المكان الذي كانت تضطجع فيه عادة لاحتلاب شبق الذات ) (67)
يستنتج إذن أن الموقف الإيجابي للمرأة قد جسد الحب و الإخلاص والالتزام، وأن الموقف السلبي عكس التهور والخيانة ولم يخف السارد موقفه من المرأة في الرواية ؛فرسم لكل واحدة مسارا يخدم الموقف الذي أراد تبليغه للمتلقي . كما يتجلى هذا الموقف في الأسماء التي اختارها لبطلات روايته ؛ فاختار للمرأة التي لعبت دورا ايجابيا أسماء مشحونة بدلالات موجبة ك(فهيمة ) و(فتحية) وللمرأة التي لعبت دورا ايجابيا أسماء مشونة بدلالات سالبة ك(خانة) . ولسنا نرى ضرورة في الوقف على تحليل هذه الأسماء والبحث عما قد تحمله من دلالات .فيكفي إثارة المشكل لنفتح للمتلقي بابا يسافر عبره إلى دنيا التأويلات والتفسيرات . فالأكيد أن اختيار أسماء الأبطال ليس اعتباطيا، وأن لاشيء في الرواية عفوي (فلا وجود لكتابة بيضاء)