بقلم : أحمد رجب شلتوت
عن الكاتب (  أحمد رجب شلتوت (17 أبريل 1962) كاتب مصري ينتمى لمدينة أبو النمرس، حاصل على بكالوريوس تجارة من جامعة القاهرة ويعمل محاسبا وحصل على جوائز ادبية عدة منها جائزة جريدة الشعب المركز الأول في القصة سنة 1989 ونادي القصة المركز الأول سنة 1997 وجائزة احسان عبد القدوس سنة 2008 وجمعية الأدباء سنة 2007 وجائزة ساقية الصاوى للقصة القصيرة جدا قي2010وفاز مرات عديدة في مسابقات الثقافة الجماهيرية ووزارة الشباب في القصة القصيرة والرواية والمسرحية. اصدر 4مجموعات قصصية هي العائد إلى فرحانة 1996 والسعار والشذى 1998 ودم العصفور 2002.ساعة قبل النوم2009 وفى عا م2006 اصدر رواية حالة وشحن وقصص للاطفال بعنوان العش للعصافير. )

نحن العرب اعتدنا اعتماد الأزمات مؤشرا فى التحقيب والتأريخ لأدبنا، فالأزمات والنكبات عندنا تكون دائما فاصلة بين مرحلتين مثل سقوط بغداد، الإستعمار، نكبة فلسطين، نكسة 1967، وسيرا على تلك العادة يصطلح الأكاديمي الكبير الداديسى على تسمية الروايات العربية الصادرة بعد حرب الخليج والسقوط الثاني لبغداد في 2003، بالروايات المعاصرة.
وفي كتابه “مسارات الرواية العربية” (مؤسسة الرحاب بيروت) يلاحظ الناقد أن روايات تلك المرحلة اتخذت أشكالا فيها من التعقيد والخصوصية ما يساير واقعا معقدا يعيش أزمة قيم، بعدما سادت قيم الفردانية والنفعية، وأضحى لكل روائي قضاياه ولكل قطر عربى قضاياه، فكان طبيعيا أن تنكمش القضايا القومية، وهذا ما يفسر التحول الذى طرأ على اختيار أبطال الرواية العربية المعاصرة، فالروائي استعاض بالأنا عن البطل الوطني الذى ساد في روايات حقبتي الخمسينيات والستينيات، فالبطل حاليا يمثل حواف المجتمع (الموظف والمقهور)، فالروائي المعاصر بغوصه فى الذات تحول الى ما يشبه الباحث الأنثروبولوجى، وانفتح على مختلف الأشكال التعبيرية محطما الحدود بين الأجناس الأدبية، ناهلا من الأساطير والرموز الإنسانية، لذلك تميزت بعض نماذج الرواية المعاصرة بعمق الرؤية وطرح الأسئلة الكبرى بلغة شاعرية، منفتحين على السينما والتشكيل والفلسفة والتاريخ والسياسة.
غدت الرواية قاطرة الكتابة الابداعية العربية إذ أصبحت أكثر أشكال التعبير قدرة على تصوير تشظي الذات والمجتمع العربيين في هذه الفترة. كما وجد الروائي العربي نفسه يجمع بين الفنان والروائي والمؤرخ، فلن يستطيع أداء مهمته دون تصوير تفاصيل تناقضات شخصياته، وإماطة اللثام عن الجروح الغائرة فى الجسد العربي.
هكذا يقصد المؤلف نوعا من الكتابة يرتبط ببدايات الألفية الثالثة ويمتد لحوالى عقد ونصف. وقد وصفها بالمعاصرة وليس الجديدة أو الحديثة أو الحداثية لأن مثل تلك التصنيفات تنطوى على نوع من إطلاق الأحكام، وهو لا يريد ذلك، فاختار مصطلح “المعاصرة” باعتباره مفهوما محايدا يرتبط بالزمن ليس غير، كما اختار مفهوم مسار وليس اتجاه أو تيار لأن هذين المفهومين يتطلبان شروطا منها التراكم الكمى وتوافر خصائص معينه تميز بين اتجاه وآخر.
والرواية المعاصرة لم تسجن نفسها فى نمط واحد وانما حاول بعض كتابها الافادة من أدب الرحلة كشكل تراثى، وبعضهم خاض غمار رواية الخيال العلمى، ومنهم من عاد للتاريخ، كما تنوعت التيمات بين مقاربة موضوعات كالنضال الوطنى والصراع مع السلطة ورواية السجن، ومنهم من قارب موضوعات مستحدثة كالتطرف الدينى إضافة الى قضايا المرأة والجنس، وقد حاول الكتاب تلمس المسارات مطلا على القضايا التى عالجتها دون التوغل فى التنظير، مواصلا ما بدأه في كتابيه طتحليل الخطاب السردي والمسرحي” و”أزمة الجنس في الرواية العربية بنون النسوة”.
الرواية النسائية وحرب الخليج
اهتم الكتاب برصد التفاعلات بين الرواية العربيّة المعاصرة في مرحلة ما بعد حرب الخليج الثانية والمجتمع الذي أنتجها, تلك الحرب التي زلزلت الأرض تحت أقدام الإنسان العربي، ورمت بالرواية في بركة واقع آسن، فتفرقت بها السبل وتعددت المسارات، ويلحظ الكاتب أن الأعمال الروائية التي تفاعلت مع هذا الحدث غطت معظم الأقطار العربية وخلقت تراكما كميا يستحق أن يتناوله الكاتب في كتاب مستقل، ولأن ذلك ليس الهدف من الكتاب الذي نحن بصدده، فقد اكتفى الناقد بتسجيل الملاحظة منطلقا منها في أول فصول كتابه كحدث مؤطر للمرحلة قاصرا اهتمامه على عشر روايات ينتمي أصحابها إلى الدول الأكثر تأثرا بالحدث وهي: العراق، الكويت، السعودية.
ونظرا لأن الكويتيين كانوا الأكثر معاناة ، والنساء الأكثر رهافة فقد حاول في دراسته إبراز رصد الكاتبة الكويتية لتفاعلات الحرب، ومنهن ميس خالد العثمان، وهي إن كانت قد أشارت للقضية في معظم مؤلفاتها فإنها جعلت تيمة (العراق/ الكويت) الموضع الأساس لروايتين: “عقيدة رقص” وتدور أحداثها في عراق ما بعد حرب الخليج الأولى حيث البطلة تعاني من الاضطهاد ومن كثرة الحروب في بلادها، فلم تجد من مخرج سوى الهرب جنوبا نحو الكويت.
والثانية “ثؤلول” وتدور أحداثها في الكويت حيث تعاني طفلة من الاغتصاب الذي تعرضت له من طرف جنود الغزو العراقي للكويت، فلم تقدم رواية تسجيلية أو تاريخية، وإنما خلعت على المأساة بعدا فنيا جماليا، من خلال بطلة أصابتها شظايا الأزمة فسقطت من ضمن الضحايا، لتجد نفسها مع عمق أزمتها ضحية عصية على التصنيف.
يقول الكاتب “وما (ثؤلول) إلا نموذج للرواية بنون النسوة في الكويت التي حاولت رصد بعد تجليات أزمة الغزو العراقي للكويت، وما ترتب عنه من مآسٍ مست الأفراد، الأسر، الدول مما جعلها تتربع على عرش أكبر أزمة عرفها العالم المعاصر”.
الخيال العلمي
على الرغم من حداثة الخيال العلمي، فقد تمكن من خلق تراكم كمي كبير، واستطاع أن يفرض نفسه على النماذج الأدبية، بعدما أصبح له، من جهة، كتاب كبار في أوربا وأميركا والاتحاد السوفيتي (سابقاً) واليابان، ومن جهة أخرى جمهور متعطش في كل بقاع العالم للمغامرة، بعد أن استفاد من الثورة الرقمية، والتطور العلمي، التكنولوجي والسينمائي، لكن “كتّاب هذا النوع الأدبي لا زالوا على رؤوس الأصابع عربيا، بل من القراء العرب من يعتقد بأنه لا وجود لمثل هذه الكتابات عندنا وأن كتابة الخيال العلمي صناعة غربية لم يستوردها العرب بعد”.
ويتوقف الكتاب عند رواية “الذين كانوا” لنبيل فاروق مبينا خصائص الخيال العلمي فيها، وهي رواية تحكي عن عوالم غريبة، وأبطال لهم قدرات خارقة، وأحداث تدور في أكوان وأبعاد مكانية تتيح للبطل إمكانية السفر بينها في نص يجمع بين الثقافة العلمية (جهاز مفاهيمي، علاقات علمية، تفاعل) والثقافة الأدبية الجامعة بين اللغة والخيال.
الواقعية الغرائبية
يربط عنوان هذا الفصل بين شيئين متناقضين هما “الواقعية” و”الغرائبية” يناقش في إطار الربط روايتي “فرانكشتاين في بغداد” للعراقي أحمد سعداوي، و”ضريح أبي” للمصري طارق إمام، حيث يرصد للغرائبية تجليات كثيرة في الروايتين رغم معالجتهما لقضايا واقعية، تتمثل في ما يعيشه العالم العربي من تشظ، واقتتال يعسر فيه معرفة من يقتل من، واقع قد لا نخرج منه إلا بخلق شخصية غرائبية نحن مقتنعون أنها لن تزيد واقعنا إلا اقتتالا.
وبحسب الكتاب “فالغرائبية لم تكن في الروايتين بل في الواقع، والروايتان جاءتا كتصوير حرفي لهذا الواقع الذي نعيشه، والذي إذا أحوج ما يكون لنبي جديد يغسل الدين والسياسة والأخلاق، ويحمي الإنسان العربي من طموحه الجامح في الانتقام من الذات، أنساه أن هناك ربا يدبر. ووحد كل المتناقضات في منظاره فلم يعد يميز الحلم واليقظة، بين الغيبي والحقيقي الواقعي، ما بين الموت والحياة، فانعكس ذلك على الإبداع فكانت هذه العوالم الروائية تبعث على الخروج من أسر التقنيات التقليدية، وتفتح نوعا آخر من الجماليات المجاوزة، تدفع بالتجديد إلى أقصى حدوده، وبالإبداع إلى أبعد نهاياته، رافضة النمطية عسى التمرد على المعتاد يكسر طقوس رتابة الواقع الفكري والثقافي”.