ــ بعض عادات وتقاليد المجتمع المغربي بقلم ذ. الكبير الداديسي
إن هذه السيرة الذاتية تعد وثيقة تاريخية واجتماعية قد تفيد المؤرخ وعالم الاجتماع والأنتروبولوجي ... وكل من يرغب في معرفة بعض عادات وتقاليد المجتمع المغربي في المرحلة التي تحكى عنها الأحداث وسنكتفي ببعض الإشارات آملين أن ننير الطريق إلى المتلقي لمعرفة خصوصية مرحلة ومن تاريخ بلاده ومن تلك التقاليد :
• في الأكل : في هذه السيرة إشارات كثيرة لنمط الأكل والغداء المغربي آنئذ ولعل من الأطباق التي كانت تقدم للضيوف ما قدمته الأم لضيفاتها في إحدى جلساتهن : ( كان الغذاء دجاجا بالليمون المصبر والزيتون وكتف خروف مبخر وسلطة الفلفل والطماطم وسلطة الباذنجان وسلطة الخس بالسكر وماء الزهر ، ثم ختم بالبرتقال المقطع في دوائر بالقرفة والسكر وماء الزهر
وإذا كانت ليلى أبو زيد قد رصدت بعض الأطباق الرسمية التي تقدم في المناسبات للضيوف فإنها تحدثت أيضا عن بغض الأطباق الشعبية التي كان المغاربة يتناولونها في حياتهم اليومية فهي تحكي أن أمها عندما تسافر لزيارة الأب في السجن كانت تتركهن في بيت ابن خالها تقول : (وكانت زوجة ابن خالتها تطبخ الحريرة في الصباح الباكر خارج المطبخ على نار الحطب ،وكان أولادها يتسلقون أشجار التين قبل أن تصل إليها الشمس ويجنونه في سلة ثم يجلسون في رواق مزلج يفطرون بالحريرة والتين والبستان أمامهم )[25]
وتقول أيضا ( كان عشاء جدتي لحم خروف باللفت البلدي والكزبرة وسلاطة الفلفل والطماطم والبطيخ ... أزاحت جدتي المائدة وأحضرت صينية الشاي كانت آنية السكر التي قصتها في النهار بالقطاعة والمطرقة . ثم لفت الفتات الناعم في الورقة البيضاء وطوت الورقة الزرقاء ولفت الخيط وخبأتهما )[26]
• في اللباس: أشارت ليلى أبو زيد في سيرتها الى اللباس المغربي ، سواء لباس الرجال أو لبس النساء ، في الاحتفالات والمناسبات أو في الأيام العادية ومن ذلك قولها وهي تصف ضيفات أمها ( دخلن يسحبن النقب وتفوح منهن العطور وأمي تقول " نهار كبير " أدخلتهم غرفة الرجال وأخذت جلابيبهن ، فبدت القفاطين والمنصوريات والأحزمة والخفاف الفاسية وفصوص الأقراط الزمردية المخروطة والمعلقة بين لحمة الأذن والكتف وأسورة الذهب ذات النقش الصويري وعقود اللويسيات المنظومة في عقيق أسود .. )[27 ]
• في التكافل : أمام ما تعرض له المغاربة من اضطهاد وقمع تحت نير وبراثن الآلة الاستعمارية، لم يكن أمام المغاربة سوى رص الصفوف والتكافل والتضامن للتخفيف من وطأة الامبريالية الهمجية . وقد رصدت ليلى أبو زيد في سيرتها الذاتية بعض مظاهر هذا التكافل الذي اتخذ صورا متعددة منها :
ــ التكفل بعائلات المعتقلين . تقول الأم لإحدى خالاتها : (الوطنيون يا خالتي .إنهم يتكلفون بنا. يرسلون لنا مصروفنا كل شهر)
ــ مساعدة الخارجين من السجن على الاندماج . فبعد إطلاق سراح احمد أبو زيد ساعده الوطنيون على إيجاد عمل يعول به أسرته تقول الأم ( فذهب مع أخيه ورجعنا الى صفرو ثم لحق بنا وبقي ثلاثة أيام وقال : ( سأذهب إلى الدار البيضاء . لقد وجد لي الوطنيون عملا هناك ).... كان الوطنيون قد وجدوا له عملا في دار البراد بطريق مديونة إيوا بدأ العمل هناك في الإدارة مع سي المصطفى ...) [28]
ــ إيواء عائلات المعتقلين عند زياراتهم لدويهم بالسجون وتقطع السبل بهم فكثرة هي المرات التي ذهبت الأم لزيارة زوجها وقضت ليلتها عند عائلات المعتقلين . كما أن أسرة ليلى أبو زيد قد استقبلت الكثير من العائلات بعد استقرارها سواء في الدار البيضاء أو في الرباط
ــ لم يقتصر التكافل على الوطنيين فيما بينهم فقط بل كان بين الجيران و العائلات والأفراد ففي جميع لحظات الضيق لم تجد الأم سوي عائلتها وجيرانها ليخففوا عنها ما ألم بها فالأم ظلت تتذكر جارتها جميعة وكلما تذكرتها قالت ( كانت رحمها الله أو ذكرها بالخير طيبة . وقفت بجانبي في موت خديجة )[29] كما أن الساردة تذكر أن أمها ( عندما كانت مع جدتي الى السجن تتركنا في بيت ابن خالها أو بيت ابن خالتها وهما داخل بستانين في طرف البلدة )[30]
• في النظافة : لأيام النظافة في الأسر المغربية طقوس خاصة. وقد حاولت ليلى أبو زيد التقاط في ما كتبت تصوير بعض هذه الطقوس التي وإن اندثرت يوما سيبقى كل الفضل لهذه الكاتبة في تخليدها في سيرتها الذاتية ومن ذلك قولها : ( يوم الغسيل في صفرو يوم أغبر،تتعرى فيه الغرف ولا يكون في البيت طبخ ، وتبقى النساء والأطفال في السراويل والقمصان ...) وفي وصفها لطقوس يوم الغسيل تقول الساردة ( ليلة الثلاثاء لم تترك أمي خرقة لم تلق بها في كومة الغسيل حتى أغشية الوسائد وأغطية الحشايا وستائر الغرفة ، حتى خرق المطبخ والبلاط . وفي الصباح استيقظت باكرا وأوقدت النار في الحوش الخارجي على موقد حديدي ضخم ووضعت عليه وعاء غلي الغسيل ثم ملأته ماء وأفرغت الحفنتين من بقية الماء الذي بيتته فيهما لجمع صدعهما ، وثبتتهما على صندوقين ، وجاءت بصرة الغسيل الضخمة وبدأت تعزل : مناديل الرأس، الأبيض ، الألوان ، الأسود ، الخرق . جعلت كل ذلك كوما ، ثم صبت الماء الحار وماء الرماد في الجفنة وبدأت . شفطتها ونشرتها في السطح ثم عادت ونقعت الأبيض وبدأت تفرك بصابون المنجل على اللوح المخروط بانتظام، وبعد ذلك سحبت اللوح وبدأت تعرك . ثم تأخذ كل قطعة على حدة وتفركها بين يديها وهي تغطسها في الماء والصابون . ثم بدأت تعصر وترص على مائدة . بعد ذلك نقعت كومة الألوان وصبت في الجفنة الثانية الماء الحار وحركت الثياب المعصورة ورمت بها فيها ، ثم بدأت تدعكها بالصابون وتعرك وهي منكبة ويداها في ذهاب وإياب . ثم بدأت تعصر وترمي في "وعاء الغلي " وتسحبه بالعصا وعندما وصلت إلى أغطية الحشايا الثقيلة استعانت بالعصا ر وأمها جمعت القماش وطوته بالطول ثم وضعت العصار في طرفه . وجمعت أمها طرفه الأخر وشدت عليه بيدها وركبتها ن وأمي تدير العصا ر حتى آخر نقطة)[31]
ولعل من أهم ما يبقى عالقا بذاكرة الطفل المغربي بخصوص النظافة زياراته الأولى للحمام التقليدي الذي غالبا ما يتوجه إليه على مضض . وقد قدمت ليلى أبو زيد وصفا دقيقا لما يقع داخل حمام النساء في بلدة نائية يتناوب فيها النساء والرجال على حمام واحد تقول الساردة في وصف أجواء الحمام (وصلنا وفاتحة تقاوم وتستغيث . وبقينا في الباب على ذلك الحال حتى خرج آخر رجل ... فاندفعنا ثم سلمنا أمرنا لله دفعنا الدفة الخشبية السوداء المبلولة التي يردها حجر معلق في ظهرها ، ودخلنا في العتمة والبخار ... ثم تعودنا على العتمة فرأينا أمنا داخلة بالدلوين الخشبيين بعدما ملأتهما بالماء البارد من الصهريج ... فدفعت الدلوين للبلانة فأفرغتهما في حوض الماء الحار وردتهما إليها فوضعتهما على الخشبة وقرفصت بجانبهما والنساء تفد بدلاء الماء البارد وكلما أفرغنها وضعنها على الخشبة وقرفصن بجانبها يحرسنها , وأهلكهن الحر فقالت إحداهن : (إيوا أ يامنة اسقي لنا إننا على وشك الموت ) .... وامتلأ الحوض فقالت يامنة أماكنكن ! لا أريد فوضى سأسقي للجميع ) ولكن ما أن بدأت تسقي حتى هببن واقفات . وبدأ الصراخ والتدافع و " اسقي لي أ يامنة ) (دلوي أسبق من دلوها أيامنة) ثم بدأ التراكض إلى القاعة الوسطى بالدلاء التي يتصاعد بخارها )[32] وبدأت
• في ألعاب الأطفال :بما أن هذه الكتاب عبارة عن سيرة ذاتية تحكي فيه الكاتبة عن طفولتها فمن الطبيعي أن أن تشير إلى ما ميز هذه الطفولة وما عاشته الكاتبة في طفولتها من ألعاب ومغامرات وبعض ما كان يروى للأطفال من حكايات ويمكن التمييز في ذلك بين:
ــ الألغاز : إن هذه السيرة ستحتفظ بالعديد من الألغاز المتداولة في الثقافة الشعبية المغربية في المرحلة التي تحدثت عنها الساردة ومن تلك الألغاز يكفي ذكر بعض الأمثلة مثل قول الجدة :
+ حاجيتك على للا زينة والريش داير بها . ما تنباع وما تنشرى ما ينعطى مال فيها (( العين))
+ حاجيتك على جوج خواتات متشابهات واحدة للدق والغوات وواحدة لفرايج والخرجات ((حلق الباب و حلق الأذن ))
+ حاجيتك على اللي جا لباب الجنان وعياط ا فلان ،خرج له كحل عريان (( الباذنجان))
ــ الحكايات: لقد سجلت ليلى أبو زيد في سيرتها مجموعة من الحكايات التي كان الكبار يحكونها للصغار بهدف التسلية أو الموعظة أو التخويف أو ..... وهي حكايات من وحي الخيال الشعبي تارة ، وشخصياتها من الواقع أحيانا أخرى ... كما ان هذه الحكايات كانت معروفة لدى الساردة لكنها كانت تحب سماعها مرات عدة لذلك غالبا ما سردت هذه الحكايات بطلب من ليلى كحكاية العاشق الذي لا ينام [33] وحكاية قارورة العطر [34] وما بعدها حكاية أحمد الذي سرق صديقه مولاي الشريف 21 وما بعدها
ــ الألعاب : لقد دونت ليلى أبو زيد مجموعة كبيرة من الألعاب سواء التي يشارك فيها الكبار أو الخاصة بالأطفال ومن تلك الألعاب قول الساردة
+ كنا نضع قبضاتنا بعضه فوق بعض ويشير أحدنا إليها من تحت وهو يقول
ــ دمن هاذ القبة ــ د السلطان
ــ آش فيها ؟ ــ الخوخ والرمان
ــ فاين حقي ؟ ــ كلاته القطة
ــ فاين القطة ؟ ــ في الزرب
ــ فاين الزرب ؟ ــ كلته العافية
ــ فاين العافية ؟ ــ أطفأها الماء
ــ فاين الما ؟ ــ شربه الجمل
ــ فاين الجمل ؟ -ـ ذبحته السكين
ــ فاين السكين ؟ ــ عند الحداد
فاين الحداد ؟ ــ مشى يسخــّر طاحت عليه السخرة ....[35]
+ كما كنا نلعب ((إلا جاك غراب عطيه قراب. وإلا جاك جوج اغربا عطيهم جوج قربا كما أعطيت لغراب قراب . وإلا جاوك ثلث غربا عطيهم ثلث قربا كما اعطيت لجوج غربا جوج قربا كما أعطيت لغراب قراب .... )) وهكذا ومن يصل الى أعلى عدد دون أن يتلعثم أو يخطئ يكون هو الفائز [36]
• الأغنية الشعبية :
لقد تضمن مؤلف " رجوع الى الطفولة مجموعة من الأشكال التعبيرية الشعبية كالحكاية والألغازوالأغنية الشعبية التي ترددت على أفواه مجموعة من شخصيات ه\ا المؤلف ومن ذلك قول الساردة : " وبدأ التطبيل ... عندما غنت أمها أغنية الموسم :
أللا وعلى بلميضي يا للا
باع الرخيص وجاب الغالي يا للا
باع الدفينا وجاب ماكينل يا للا
أللا وجات المشينا يا للا
أللا وركبنا ومشينا يا للا
أ للا ومشينا للصويرة يا للا
أللا وباش تغذينا يا للا
اللا وبكيلو مطيشا يا للا
أللا حما وهشيشا يا للا
أللا وباش تعشينا يا للا
أللا وبكيلو بطاطا يا للا
أ للا بيضا عياطا يللا .... [37]
وقولها أيضا : " وعلى حواشي موضوعة على السجائد مباشرة جوقة نسوية تضرب على الطبلة و الدف و التعاريج وتغني
ليلي وهي ليلي
الله أ ليلي
سيادي جيبوها لي
الله أ ليلي
ديك الشريفة العلوية
الله أ ليلي
الما ف السواقي وأنا عطشان
الله أ ليلي
الله أليلي الخبز ف الطبايق وأنا جيعان
الله أ ليلي سيادي جيبوها لي
الله أ ليلي [38]
• الخرافة والشعوذة: لم يكن المغرب يعاني من التسلط الاستعماري فقط بل كان مكبلا بأكفان الخرافة والشعوذة وكان الفكر الخرافي معششا في أذهان المغاربة ومن المظاهر التي رصدتها ليلى أبو زيد
+ ادعاء رؤية الجن :
ضحكت جدتي وقالت : كنت مسهدة ذات ليلة فرأيت جنية ن باسم الله الرحمان الرحيم ن تتجلى في الغرفة هي وبناتها . تربعت وشرعت تسرح شعر بناتها على التوالي ثم سرحت شعرها وأنا أغطي رأسي بالبطانية وأنظر من ثقب فيها .وجدلت شعرها وعقدت منديلها ثم لفت المشاقة عاى أصبعها وأدخلتها في عيني ) واحتجت إحدى النساء قائلة ( ولكن لماذا لا يظهرون لنا ) أجابت الجدة ( في أيامنا كان الظلام أما اليوم فالكهرباء في المراحيض والأزقة وفي كل مكان الآن يخافون)[39]
+ ادعاء علم الغيب : مثل ما تحكيه الجدة في قولها :
( فأعددنا الكور ، كورا لا أعرف من أي شيء صنعوها كنت صغيرة . قالوا هذي كرة فلان وهذه كرة فلان وخرجنا نستدعي الجن في النهر ببذور الكزبرة وأسنان النداف وعندما أمسك الليل بالليل وحلف الليل ألا يطلق الليل أوقدوا النار في مجمرة كبيرة ووضعوها في الفناء في صمت من يخاف لم يبق في الدار . وصعدوا إلى الطابق العلوي . قالوا " هذي كرة فلان هل هو حي أو ميت ؟ " ورموها في المجمرة فرأيناه أمامنا يطوف ويسعى ثم غاب . فرموا الكرة الثانية وقالوا : " هذي كرة فلان " فظهر نعش صغير جاء رجلان حملاه وذهبا به .... [40]
+ قراءة الطالع:
استطاع مؤلف " رجوع الى الطفولة " تسجيل ما يدور في جلسات النساء وهي خاصية ميزت هذا المؤلف ومن ذالك قراءة الطالع وتفاعل النساء معه . تقول الساردة " تلك الليلة قالت جدتي للسي المختار: " أحضرت قريعة الأنبياء ؟ ... وفتح كتاب قرعة النساء في صفحة الفهرست فأغمضت عينها ووضعت أصبعها في مربع الخانات ... وجد الصفحة وقرأ " سهم أمنا مريم رضي الله عنها ، هو سهم مبارك مسعود والعز في جميع الأمور اعلمي أيتها السائلة الأمر الذي تريدينه ونويت عليه اعزمي عليه وتوكلي على الله فإنه مبارك عليك ومسعود ، وتنالي منه مرادك غاية المراد ،ولا بد لك من غيار يقع عليك حتى تشفقي على نفسك منه وينجيك الله منه ، ولابد لك من تبديل الزوج وتقفين على الفرض من الأزواج .. ولابد لك من الانتقال من مكان إلى مكان ، ولابد لك من زوج تتزوجينه غير هاني يميل لغيرك ، ولابد لك من حجاب يكون معك .. ولابد لك من مرض كبير يجوز عليك وتنجي منه سالمة وكندك امرأة تكرهك وتريد مرضك وفراقك من بيتك فحصني على نفسك تنجين إن شاء الله ... " ولما انتهى الرجل من قراءة الطالع علقت الجدة قائلة : " أعرف المرأة التي تكرهني وتريد مرضي إنها بنت المكي " ولم يقتصر الجل على قراءة الطالع للنساء فحسب بل حاولت الساردة على صغر سنها أن تجرب حضها تقول :" وقلت: " أريد أن أعرف سهمي ." فعاد إلى الفهرس وأغمضت عيني ووضعت أصبعي في مربع الخانات وقرأ :" سهم أمنا عائشة رضي الله عنها وهو سهم مبارك مسعود عليك أيتها السائلة . الأمر الذي تريدينه ونويت ....."
يضاف إلى ذلك مجموعة من الحكات والنوادر والوقائع التي سردتها ساردات هذه السيرة
عادات وتقاليد مغربية من خلال مؤلف رجوع إلى الطفولة بقلم ذ. الكبير الداديسي
إن هذه السيرة الذاتية تعد وثيقة تاريخية واجتماعية قد تفيد المؤرخ وعالم الاجتماع والأنتروبولوجي ... وكل من يرغب في معرفة بعض عادات وتقاليد المجتمع المغربي في المرحلة التي تحكى عنها الأحداث وسنكتفي ببعض الإشارات آملين أن ننير الطريق إلى المتلقي لمعرفة خصوصية مرحلة ومن تاريخ بلاده ومن تلك التقاليد :
• في الأكل : في هذه السيرة إشارات كثيرة لنمط الأكل والغداء المغربي آنئذ ولعل من الأطباق التي كانت تقدم للضيوف ما قدمته الأم لضيفاتها في إحدى جلساتهن : ( كان الغذاء دجاجا بالليمون المصبر والزيتون وكتف خروف مبخر وسلطة الفلفل والطماطم وسلطة الباذنجان وسلطة الخس بالسكر وماء الزهر ، ثم ختم بالبرتقال المقطع في دوائر بالقرفة والسكر وماء الزهر
وإذا كانت ليلى أبو زيد قد رصدت بعض الأطباق الرسمية التي تقدم في المناسبات للضيوف فإنها تحدثت أيضا عن بغض الأطباق الشعبية التي كان المغاربة يتناولونها في حياتهم اليومية فهي تحكي أن أمها عندما تسافر لزيارة الأب في السجن كانت تتركهن في بيت ابن خالها تقول : (وكانت زوجة ابن خالتها تطبخ الحريرة في الصباح الباكر خارج المطبخ على نار الحطب ،وكان أولادها يتسلقون أشجار التين قبل أن تصل إليها الشمس ويجنونه في سلة ثم يجلسون في رواق مزلج يفطرون بالحريرة والتين والبستان أمامهم )[25]
وتقول أيضا ( كان عشاء جدتي لحم خروف باللفت البلدي والكزبرة وسلاطة الفلفل والطماطم والبطيخ ... أزاحت جدتي المائدة وأحضرت صينية الشاي كانت آنية السكر التي قصتها في النهار بالقطاعة والمطرقة . ثم لفت الفتات الناعم في الورقة البيضاء وطوت الورقة الزرقاء ولفت الخيط وخبأتهما )[26]
• في اللباس: أشارت ليلى أبو زيد في سيرتها الى اللباس المغربي ، سواء لباس الرجال أو لبس النساء ، في الاحتفالات والمناسبات أو في الأيام العادية ومن ذلك قولها وهي تصف ضيفات أمها ( دخلن يسحبن النقب وتفوح منهن العطور وأمي تقول " نهار كبير " أدخلتهم غرفة الرجال وأخذت جلابيبهن ، فبدت القفاطين والمنصوريات والأحزمة والخفاف الفاسية وفصوص الأقراط الزمردية المخروطة والمعلقة بين لحمة الأذن والكتف وأسورة الذهب ذات النقش الصويري وعقود اللويسيات المنظومة في عقيق أسود .. )[27 ]
• في التكافل : أمام ما تعرض له المغاربة من اضطهاد وقمع تحت نير وبراثن الآلة الاستعمارية، لم يكن أمام المغاربة سوى رص الصفوف والتكافل والتضامن للتخفيف من وطأة الامبريالية الهمجية . وقد رصدت ليلى أبو زيد في سيرتها الذاتية بعض مظاهر هذا التكافل الذي اتخذ صورا متعددة منها :
ــ التكفل بعائلات المعتقلين . تقول الأم لإحدى خالاتها : (الوطنيون يا خالتي .إنهم يتكلفون بنا. يرسلون لنا مصروفنا كل شهر)
ــ مساعدة الخارجين من السجن على الاندماج . فبعد إطلاق سراح احمد أبو زيد ساعده الوطنيون على إيجاد عمل يعول به أسرته تقول الأم ( فذهب مع أخيه ورجعنا الى صفرو ثم لحق بنا وبقي ثلاثة أيام وقال : ( سأذهب إلى الدار البيضاء . لقد وجد لي الوطنيون عملا هناك ).... كان الوطنيون قد وجدوا له عملا في دار البراد بطريق مديونة إيوا بدأ العمل هناك في الإدارة مع سي المصطفى ...) [28]
ــ إيواء عائلات المعتقلين عند زياراتهم لدويهم بالسجون وتقطع السبل بهم فكثرة هي المرات التي ذهبت الأم لزيارة زوجها وقضت ليلتها عند عائلات المعتقلين . كما أن أسرة ليلى أبو زيد قد استقبلت الكثير من العائلات بعد استقرارها سواء في الدار البيضاء أو في الرباط
ــ لم يقتصر التكافل على الوطنيين فيما بينهم فقط بل كان بين الجيران و العائلات والأفراد ففي جميع لحظات الضيق لم تجد الأم سوي عائلتها وجيرانها ليخففوا عنها ما ألم بها فالأم ظلت تتذكر جارتها جميعة وكلما تذكرتها قالت ( كانت رحمها الله أو ذكرها بالخير طيبة . وقفت بجانبي في موت خديجة )[29] كما أن الساردة تذكر أن أمها ( عندما كانت مع جدتي الى السجن تتركنا في بيت ابن خالها أو بيت ابن خالتها وهما داخل بستانين في طرف البلدة )[30]
• في النظافة : لأيام النظافة في الأسر المغربية طقوس خاصة. وقد حاولت ليلى أبو زيد التقاط في ما كتبت تصوير بعض هذه الطقوس التي وإن اندثرت يوما سيبقى كل الفضل لهذه الكاتبة في تخليدها في سيرتها الذاتية ومن ذلك قولها : ( يوم الغسيل في صفرو يوم أغبر،تتعرى فيه الغرف ولا يكون في البيت طبخ ، وتبقى النساء والأطفال في السراويل والقمصان ...) وفي وصفها لطقوس يوم الغسيل تقول الساردة ( ليلة الثلاثاء لم تترك أمي خرقة لم تلق بها في كومة الغسيل حتى أغشية الوسائد وأغطية الحشايا وستائر الغرفة ، حتى خرق المطبخ والبلاط . وفي الصباح استيقظت باكرا وأوقدت النار في الحوش الخارجي على موقد حديدي ضخم ووضعت عليه وعاء غلي الغسيل ثم ملأته ماء وأفرغت الحفنتين من بقية الماء الذي بيتته فيهما لجمع صدعهما ، وثبتتهما على صندوقين ، وجاءت بصرة الغسيل الضخمة وبدأت تعزل : مناديل الرأس، الأبيض ، الألوان ، الأسود ، الخرق . جعلت كل ذلك كوما ، ثم صبت الماء الحار وماء الرماد في الجفنة وبدأت . شفطتها ونشرتها في السطح ثم عادت ونقعت الأبيض وبدأت تفرك بصابون المنجل على اللوح المخروط بانتظام، وبعد ذلك سحبت اللوح وبدأت تعرك . ثم تأخذ كل قطعة على حدة وتفركها بين يديها وهي تغطسها في الماء والصابون . ثم بدأت تعصر وترص على مائدة . بعد ذلك نقعت كومة الألوان وصبت في الجفنة الثانية الماء الحار وحركت الثياب المعصورة ورمت بها فيها ، ثم بدأت تدعكها بالصابون وتعرك وهي منكبة ويداها في ذهاب وإياب . ثم بدأت تعصر وترمي في "وعاء الغلي " وتسحبه بالعصا وعندما وصلت إلى أغطية الحشايا الثقيلة استعانت بالعصا ر وأمها جمعت القماش وطوته بالطول ثم وضعت العصار في طرفه . وجمعت أمها طرفه الأخر وشدت عليه بيدها وركبتها ن وأمي تدير العصا ر حتى آخر نقطة)[31]
ولعل من أهم ما يبقى عالقا بذاكرة الطفل المغربي بخصوص النظافة زياراته الأولى للحمام التقليدي الذي غالبا ما يتوجه إليه على مضض . وقد قدمت ليلى أبو زيد وصفا دقيقا لما يقع داخل حمام النساء في بلدة نائية يتناوب فيها النساء والرجال على حمام واحد تقول الساردة في وصف أجواء الحمام (وصلنا وفاتحة تقاوم وتستغيث . وبقينا في الباب على ذلك الحال حتى خرج آخر رجل ... فاندفعنا ثم سلمنا أمرنا لله دفعنا الدفة الخشبية السوداء المبلولة التي يردها حجر معلق في ظهرها ، ودخلنا في العتمة والبخار ... ثم تعودنا على العتمة فرأينا أمنا داخلة بالدلوين الخشبيين بعدما ملأتهما بالماء البارد من الصهريج ... فدفعت الدلوين للبلانة فأفرغتهما في حوض الماء الحار وردتهما إليها فوضعتهما على الخشبة وقرفصت بجانبهما والنساء تفد بدلاء الماء البارد وكلما أفرغنها وضعنها على الخشبة وقرفصن بجانبها يحرسنها , وأهلكهن الحر فقالت إحداهن : (إيوا أ يامنة اسقي لنا إننا على وشك الموت ) .... وامتلأ الحوض فقالت يامنة أماكنكن ! لا أريد فوضى سأسقي للجميع ) ولكن ما أن بدأت تسقي حتى هببن واقفات . وبدأ الصراخ والتدافع و " اسقي لي أ يامنة ) (دلوي أسبق من دلوها أيامنة) ثم بدأ التراكض إلى القاعة الوسطى بالدلاء التي يتصاعد بخارها )[32] وبدأت
• في ألعاب الأطفال :بما أن هذه الكتاب عبارة عن سيرة ذاتية تحكي فيه الكاتبة عن طفولتها فمن الطبيعي أن أن تشير إلى ما ميز هذه الطفولة وما عاشته الكاتبة في طفولتها من ألعاب ومغامرات وبعض ما كان يروى للأطفال من حكايات ويمكن التمييز في ذلك بين:
ــ الألغاز : إن هذه السيرة ستحتفظ بالعديد من الألغاز المتداولة في الثقافة الشعبية المغربية في المرحلة التي تحدثت عنها الساردة ومن تلك الألغاز يكفي ذكر بعض الأمثلة مثل قول الجدة :
+ حاجيتك على للا زينة والريش داير بها . ما تنباع وما تنشرى ما ينعطى مال فيها (( العين))
+ حاجيتك على جوج خواتات متشابهات واحدة للدق والغوات وواحدة لفرايج والخرجات ((حلق الباب و حلق الأذن ))
+ حاجيتك على اللي جا لباب الجنان وعياط ا فلان ،خرج له كحل عريان (( الباذنجان))
ــ الحكايات: لقد سجلت ليلى أبو زيد في سيرتها مجموعة من الحكايات التي كان الكبار يحكونها للصغار بهدف التسلية أو الموعظة أو التخويف أو ..... وهي حكايات من وحي الخيال الشعبي تارة ، وشخصياتها من الواقع أحيانا أخرى ... كما ان هذه الحكايات كانت معروفة لدى الساردة لكنها كانت تحب سماعها مرات عدة لذلك غالبا ما سردت هذه الحكايات بطلب من ليلى كحكاية العاشق الذي لا ينام [33] وحكاية قارورة العطر [34] وما بعدها حكاية أحمد الذي سرق صديقه مولاي الشريف 21 وما بعدها
ــ الألعاب : لقد دونت ليلى أبو زيد مجموعة كبيرة من الألعاب سواء التي يشارك فيها الكبار أو الخاصة بالأطفال ومن تلك الألعاب قول الساردة
+ كنا نضع قبضاتنا بعضه فوق بعض ويشير أحدنا إليها من تحت وهو يقول
ــ دمن هاذ القبة ــ د السلطان
ــ آش فيها ؟ ــ الخوخ والرمان
ــ فاين حقي ؟ ــ كلاته القطة
ــ فاين القطة ؟ ــ في الزرب
ــ فاين الزرب ؟ ــ كلته العافية
ــ فاين العافية ؟ ــ أطفأها الماء
ــ فاين الما ؟ ــ شربه الجمل
ــ فاين الجمل ؟ -ـ ذبحته السكين
ــ فاين السكين ؟ ــ عند الحداد
فاين الحداد ؟ ــ مشى يسخــّر طاحت عليه السخرة ....[35]
+ كما كنا نلعب ((إلا جاك غراب عطيه قراب. وإلا جاك جوج اغربا عطيهم جوج قربا كما أعطيت لغراب قراب . وإلا جاوك ثلث غربا عطيهم ثلث قربا كما اعطيت لجوج غربا جوج قربا كما أعطيت لغراب قراب .... )) وهكذا ومن يصل الى أعلى عدد دون أن يتلعثم أو يخطئ يكون هو الفائز [36]
• الأغنية الشعبية :
لقد تضمن مؤلف " رجوع الى الطفولة مجموعة من الأشكال التعبيرية الشعبية كالحكاية والألغازوالأغنية الشعبية التي ترددت على أفواه مجموعة من شخصيات ه\ا المؤلف ومن ذلك قول الساردة : " وبدأ التطبيل ... عندما غنت أمها أغنية الموسم :
أللا وعلى بلميضي يا للا
باع الرخيص وجاب الغالي يا للا
باع الدفينا وجاب ماكينل يا للا
أللا وجات المشينا يا للا
أللا وركبنا ومشينا يا للا
أ للا ومشينا للصويرة يا للا
أللا وباش تغذينا يا للا
اللا وبكيلو مطيشا يا للا
أللا حما وهشيشا يا للا
أللا وباش تعشينا يا للا
أللا وبكيلو بطاطا يا للا
أ للا بيضا عياطا يللا .... [37]
وقولها أيضا : " وعلى حواشي موضوعة على السجائد مباشرة جوقة نسوية تضرب على الطبلة و الدف و التعاريج وتغني
ليلي وهي ليلي
الله أ ليلي
سيادي جيبوها لي
الله أ ليلي
ديك الشريفة العلوية
الله أ ليلي
الما ف السواقي وأنا عطشان
الله أ ليلي
الله أليلي الخبز ف الطبايق وأنا جيعان
الله أ ليلي سيادي جيبوها لي
الله أ ليلي [38]
• الخرافة والشعوذة: لم يكن المغرب يعاني من التسلط الاستعماري فقط بل كان مكبلا بأكفان الخرافة والشعوذة وكان الفكر الخرافي معششا في أذهان المغاربة ومن المظاهر التي رصدتها ليلى أبو زيد
+ ادعاء رؤية الجن :
ضحكت جدتي وقالت : كنت مسهدة ذات ليلة فرأيت جنية ن باسم الله الرحمان الرحيم ن تتجلى في الغرفة هي وبناتها . تربعت وشرعت تسرح شعر بناتها على التوالي ثم سرحت شعرها وأنا أغطي رأسي بالبطانية وأنظر من ثقب فيها .وجدلت شعرها وعقدت منديلها ثم لفت المشاقة عاى أصبعها وأدخلتها في عيني ) واحتجت إحدى النساء قائلة ( ولكن لماذا لا يظهرون لنا ) أجابت الجدة ( في أيامنا كان الظلام أما اليوم فالكهرباء في المراحيض والأزقة وفي كل مكان الآن يخافون)[39]
+ ادعاء علم الغيب : مثل ما تحكيه الجدة في قولها :
( فأعددنا الكور ، كورا لا أعرف من أي شيء صنعوها كنت صغيرة . قالوا هذي كرة فلان وهذه كرة فلان وخرجنا نستدعي الجن في النهر ببذور الكزبرة وأسنان النداف وعندما أمسك الليل بالليل وحلف الليل ألا يطلق الليل أوقدوا النار في مجمرة كبيرة ووضعوها في الفناء في صمت من يخاف لم يبق في الدار . وصعدوا إلى الطابق العلوي . قالوا " هذي كرة فلان هل هو حي أو ميت ؟ " ورموها في المجمرة فرأيناه أمامنا يطوف ويسعى ثم غاب . فرموا الكرة الثانية وقالوا : " هذي كرة فلان " فظهر نعش صغير جاء رجلان حملاه وذهبا به .... [40]
+ قراءة الطالع:
استطاع مؤلف " رجوع الى الطفولة " تسجيل ما يدور في جلسات النساء وهي خاصية ميزت هذا المؤلف ومن ذالك قراءة الطالع وتفاعل النساء معه . تقول الساردة " تلك الليلة قالت جدتي للسي المختار: " أحضرت قريعة الأنبياء ؟ ... وفتح كتاب قرعة النساء في صفحة الفهرست فأغمضت عينها ووضعت أصبعها في مربع الخانات ... وجد الصفحة وقرأ " سهم أمنا مريم رضي الله عنها ، هو سهم مبارك مسعود والعز في جميع الأمور اعلمي أيتها السائلة الأمر الذي تريدينه ونويت عليه اعزمي عليه وتوكلي على الله فإنه مبارك عليك ومسعود ، وتنالي منه مرادك غاية المراد ،ولا بد لك من غيار يقع عليك حتى تشفقي على نفسك منه وينجيك الله منه ، ولابد لك من تبديل الزوج وتقفين على الفرض من الأزواج .. ولابد لك من الانتقال من مكان إلى مكان ، ولابد لك من زوج تتزوجينه غير هاني يميل لغيرك ، ولابد لك من حجاب يكون معك .. ولابد لك من مرض كبير يجوز عليك وتنجي منه سالمة وكندك امرأة تكرهك وتريد مرضك وفراقك من بيتك فحصني على نفسك تنجين إن شاء الله ... " ولما انتهى الرجل من قراءة الطالع علقت الجدة قائلة : " أعرف المرأة التي تكرهني وتريد مرضي إنها بنت المكي " ولم يقتصر الجل على قراءة الطالع للنساء فحسب بل حاولت الساردة على صغر سنها أن تجرب حضها تقول :" وقلت: " أريد أن أعرف سهمي ." فعاد إلى الفهرس وأغمضت عيني ووضعت أصبعي في مربع الخانات وقرأ :" سهم أمنا عائشة رضي الله عنها وهو سهم مبارك مسعود عليك أيتها السائلة . الأمر الذي تريدينه ونويت ....."
يضاف إلى ذلك مجموعة من الحكات والنوادر والوقائع التي سردتها ساردات هذه السيرة
عادات وتقاليد مغربية من خلال مؤلف رجوع إلى الطفولة بقلم ذ. الكبير الداديسي