تقديم: نتج عن السياسة الاستعمارية بالجزائر وتونس وليبيا ظهور الحركة الوطنية، وقد اعتمدت وسائل سياسية ومسلحة ضد الاستعمار واستطاعت أن ترغمه على الاعتراف باستقلال بلدانها. فماهي ظروف حصول البلدان الثلاث على الحرية والسيادة والاستقلال . I. ظروف نشأة الحركة الوطنية الجزائرية ومختلف الجهود التي بذلتها لتحقيق الاستقلال.
1) العوامل التي ساهمت في ظهور الحركة الوطنية الجزائرية.
منذ احتلالها للجزائر سنة 1830، اتبعت فرنسا سياسة الاحتواء والإدماج )سياسة الإدماج: سياسة استعمارية طبقتها فرنسا بالجزائر بتشجيع السكان على التخلي عن العادات والتقاليد واللغة والدين العربي الإسلامي....وتعلم اللغة الفرنسية والارتماء في الحضارة الفرنسية بشكل عام وكان الهدف هو جعل الجزائر مستعمرة فرنسية ( والقمع والاستغلال للجزائريين ، ففي الميدان السياسي أقصت المواطنين من التصويت والترشح للانتخابات البلدية + منعت تكوين الأحزاب + منعت إصدار الصحف باللغة العربية. وفي الميدان الاقتصادي: استنزفت الثروات المعدنية والطاقية والفلاحية+ أنهكت المواطنين بالضرائب المكلفة. وفي الميدان الاجتماعي صادرت حقوق العمال ) حق الإضراب والتامين والتقاعد والأجرة المحترمة (وأرغمتهم على العمل بأجور ضعيفة ولساعات طويلة.
لقد نتج عن مظاهر هذه السياسة نمو الوعي الوطني والقومي الجزائري قصد التصدي للاستعمار الفرنسي.
2) تنظيمات الحركة الوطنية الجزائرية وبرامجها.
طالبت التنظيمات السياسية والدينية السلمية الجزائرية من فرنسا انجاز إصلاحات داخلية لتلبية حاجيات المواطنين وذلك قبل الحرب العالمية الثانية ، وبعد رفضها لذلك، اعتمدت الحركة الوطنية الجزائرية الكفاح المسلح لتحقيق الاستقلال المعلن عنه في بيان الشعب الجزائري سنة 1943. ومن أهم تنظيمات الحركة الوطنية الجزائرية:
• جمعية نجم شمال افريقيا: جمعية أسسها الطلبة المسلمين لشمال إفريقيا)الجزائر وتونس والمغرب (بباريس سنة 1926 بزعامة مصالي الحاج، طالبت من فرنسا في البداية تحقيق المساواة والعدالة بين الجزائريين والفرنسيين ثم طالبت لاحقا بخروج فرنسا من بلدانهم لذلك قامت فرنسا بمنع الجمعية سنة 1936.
•جمعية علماء المسلمين: أسسها عبد الحميد بن باديس سنة 1931 طالبت المسلمين الجزائريين بتطهير الدين الإسلامي من الخرافات، وإحياء اللغة العربية والثقافة والحضارة العربية الإسلامية ، وذلك للرد على سياسة الإدماج التي شنتها فرنسا بالبلاد الجزائرية )منح الجنسية الفرنسية + فرض تعلم اللغة والثقافة الفرنسية....)
• حزب الشعب : أسسه مصالي الحاج وفرحات عباس سنة 1937، وتمكن الحزب من توحيد التيارات الوطنية للحيلولة دون نجاح سياسة الإدماج، وفي سنة 1946 انقسم الحزب الشعبي إلى حركة الانتصار للحريات الديمقراطية بزعامة مصالي الحاج، والاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري بقيادة فرحات عباس.
• جبهة التحرير الوطني : وهي حركة سياسية تشكلت في 1نونبر 1954من طرف احمد بن بلة والحسين بايت احمد...دعت إلى المفاوضات مع فرنسا ، لكن رفض هذه الأخيرة لمطالب الجبهة دفعها إلى توحيد الجزائريين في خوض الحرب التحريرية ضد فرنسا من1954 الى1962 حيث أرغمت على فتح مفاوضات ايفيان Evian التي انتهت باستقلال الجزائر.
3) الوسائل التي اعتمدتها الحركة الوطنية الجزائرية .
اعتمدت التنظيمات الحزبية الجزائرية إلى غاية الحرب العالمية الثانية الوسائل السلمية كالجرائد – جريدة الشهاب- واللقاءات والتجمعات والإضرابات ومقاطعة السلع الفرنسية ، وذلك لتوعية المواطنين بمخاطر الاستعمار وسياسة الإدماج الفرنسية، وبعد الحرب العالمية الثانية ، وخاصة خلال الفترة الممتدة بين 1954-1962 ، اعتمدت المقاومة المسلحة بقيادة جبهة التحرير الوطني، حيث أرغمت فرنسا على إجراء مفاوضات ايفيان التي نتج عنها إجراء استفتاء الاستقلال سنة 1962.
4) التطورات التي أدت إلى استقلال الجزائر بعد الحرب العالمية الثانية.
بعد رفض فرنسا للمطالب الإصلاحية التي تقدمت بها الحركة الوطنية السلمية الجزائرية، وبعد إعلان بيان الشعب الجزائري سنة 1943 والمؤكد على ضرورة تصفية الاستعمار الفرنسي، انطلقت المقاومة المسلحة بقيادة جبهة التحرير الوطني التي تشكلت في 01 نونبر1954، وحددت أهدافها في: السعي إلى تحقيق دولة جزائرية حرة وكاملة السيادة، متشبعة بالديمقراطية والمبادئ الإسلامية + إجراء المحادثات مع فرنسا بشرط اعترافها باللغة والعقيدة والقومية والسيادة الجزائرية، وبعد رفض فرنسا لشروط الجبهة، دخلت ضدها في حرب تحريرية ما بين 1954-1962 سقط فيها حوالي مليون ونصف شهيد جزائري وألحقت خسائر بشرية ومادية بفرنسا، مما جعل الرئيس شارل دوكول يعرض سنة 1959 " حلولا سياسية" تراوحت بين الحكم الذاتي والضم التام للجزائر، ومع احتدام المقاومة الوطنية الجزائرية اضطرت فرنسا إلى توقيع اتفاقيات ايفيان يوم 18 مارس1962 مع جبهة التحرير الوطني، ونصت على استقلال الجزائر عبر إجراء استفتاء، وقد نظم فعلا يوم 01 يوليوز1962 وصوت الجزائريون بنسبة 99.72% لصالح الاستقلال.
II. ظروف نشأة الحركة الوطنية التونسية ومختلف الجهود التي بذلتها لتحقيق الاستقلال.
1) العوامل التي ساهمت في ظهور الحركة الوطنية التونسية.
وقعت تونس تحت الحماية الاستعمارية الفرنسية بموجب معاهدة باردو في 12ماي 1881، وقد أدت السياسة الاستغلالية والقمعية للمواطنين التونسيين في البوادي والمدن، وكذلك الاحتلال الايطالي لليبيا إلى نمو الوعي الوطني والقومي لدى التونسيين، حيث انطلقوا في إضرابات ومواجهات مع القوات الفرنسية .
2) تنظيمات الحركة الوطنية التونسية وبرامجها.
تشكلت تنظيمات سياسية ونقابية تونسية طالبت فرنسا بانجاز إصلاحات داخلية لتلبية حاجيات المواطنين وذلك قبل الحرب العالمية الثانية . وبعدها اعتمدت الكفاح المسلح لتحقيق مطلب الاستقلال الذي تم الإعلان عنه في الميثاق التونسي في سنة 1946 .ومن أهم تنظيمات الحركة الوطنية التونسية:
•الحزب الليبرالي الدستوري: أسسه عبد العزيز الثعالبي سنة 1920، طالب بصياغة دستور يضمن الحقوق للتونسيين وان تعمل فرنسا على احترامه.
•الحزب الدستوري الجديد: أسسه الحبيب بورقيبة سنة 1934 بعد انشقاقه عن الحزب الليبرالي الدستوري، وطالب ببرلمان وحكومة تونسية +الفصل بين السلط التشريعية والتنفيذية والقضائية + طالب بالحريات العامة والمساواة والعدالة. وبعد الحرب العالمية الثانية صار الحزب يطالب باستقلال تونس ولو على مراحل تبدأ بالحكم الذاتي.
•الجامعة العامة للعمال التونسيين: تنظيم نقابي تأسس سنة 1922، وكان يطالب فرنسا بتحسين الأوضاع المادية والمعنوية للعمال التونسيين، ويعتبر فرحات حشاد أهم الرموز النقابية التي قامت بتوعية الفئات العمالية بمخاطر الاستعمار وسبل مقاومته،لذلك السبب قامت فرنسا باغتياله سنة 1952، مما ساهم في تصاعد المقاومة الوطنية بتونس والجزائر و ليبيا والمغرب.
3) الوسائل التي اعتمدتها الحركة الوطنية التونسية.
كباقي البلدان المغاربية في الجزائر والمغرب،اعتمدت الحركة الوطنية التونسية وسائل سلمية كالجرائد-نموذج صوت تونس- والمناشير والإضرابات والمظاهرات...لتوعية المواطنين بمخاطر سياسة التجنيس وسياسة الاستغلال التي تنهجها فرنسا وذلك قبل الحرب العالمية الثانية، وبعدها اعتمدت الحركة الوطنية الكفاح المسلح بقيادة جيش التحرير التونسي.
4) التطورات التي أدت إلى استقلال تونس.
بعد تصاعد هجمات المقاومة المسلحة التونسية ،عرض رئيس الحكومة الفرنسية بيير منديس فرانس Mandes Franceعلى الملك التونسي محمد الأمين باي يوم 31 يوليوز 1954 الحكم الذاتي، وهو نظام سياسي يسير فيه التونسيون شؤونهم الداخلية بأنفسهم، وتحتفظ فرنسا بالأمور الأمنية والعلاقات الخارجية ،لكن تونس رفضته واعتبرته انتقاصا من سيادتها،وألحت على منحها الاستقلال التام، وأجريت مفاوضات باريس في 27 فبراير 1956، نتج عنها اعتراف فرنسا باستقلال تونس في 20 مارس 1956.
III. ظروف نشأة الحركة الوطنية الليبية ومختلف الجهود التي قامت بها لتحقيق الاستقلال.
1) العوامل التي ساهمت في ظهور الحركة الوطنية الليبية
زحفت الجيوش الايطالية على ليبيا بعد توقيع الدولة العثمانية على معاهدة أوشي بمدينة لوزان السويسرية في 18 نونبر1911 ، وأجبرت السلطات الايطالية المواطنين الليبيين على بيع أراضيهم، وصادرت أراضي المقاومين، وأمعنت في استنزاف الثروة المحلية، وساهمت هذه الظروف في بروز المقاومة المسلحة الليبية بقيادة الحركة السنوسية وعمر المختار وذلك قبل الحرب العالمية الثانية، وبعدها انطلقت المقاومة السياسية الليبية انطلاقا من القاهرة بمصر بزعامة المجلس الوطني لتحرير ليبيا،حيث طالب بالاستقلال.
2) تنظيمات الحركة الوطنية الليبية وبرامجها.
بخلاف تجارب الحركة الوطنية في تونس والجزائر والمغرب التي طالبت بالإصلاحات قبل فترة الحرب العالمية الثانية وبعدها بالاستقلال، فان الحركة الوطنية الليبية اعتمدت المقاومة المسلحة المطالبة بالاستقلال إلى غاية الحرب العالمية الثانية،وبعدها انطلقت المقاومة السياسية الليبية من الأراضي المصرية )وليس داخل بلد ليبيا( مستمرة في المطالبة بالاستقلال.
3) وسائل الحركة الوطنية الليبية.
اعتمدت الحركة الوطنية الليبية الكفاح المسلح بقيادة الحركة السنوسية (بزعامة محمد إدريس السنوسي الذي بويع أميرا على ليبيا سنة (1920 إلى غاية سنة 1922، وهي الفترة التي وصل فيها موسوليني ونظامه الفاشي إلى السلطة بايطاليا، فقرر احتلال مجموع التراب الليبي معتمدا عنفا عسكريا ساحقا، اضطر معه السنوسيون إلى اللجوء إلى القاهرة، وفي نفس الوقت تجند الليبيون للدفاع عن أراضيهم بقيادة عمر المختار الذي واجه الايطاليين من سنة 1923 إلى أن أسره الجيش الايطالي وأعدموه شنقا سنة 1931. ففسح المجال أمام موسوليني ليتابع سياسته الاستيطانية والاستغلالية إلى فترة انهزامه في الحرب العالمية الثانية.
4) التطورات التي أدت إلى استقلال ليبيا.
بعد انهزامها في الحرب العالمية الثانية، اتفقت ايطاليا مع فرنسا وانجلترا على عرض مشروع تقسيم ليبيا فيما بينهم )بحيث تحتل انجلترا منطقة برقة في الشمال الشرقي، وايطاليا منطقة طرابلس في الشمال الغربي وفرنسا تستولي على واحات منطقة فزان بالجنوب الغربي(على الأمم المتحدة، وقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار 289 في 21نونبر 1949 يقضي برفض مشروع التقسيم + دعوة ليبيا إلى التسرع لتشكيل دولة مستقلة وموحدة على مجموع ترابها من برقة إلى فزان وإلى طرابلس + حق جميع الشعب الليبي في صياغة دستور للبلاد وفي تشكيل حكومة وطنية. بعد هذا القرار اجتمعت وفود ممثلة لجميع مناطق ليبيا وكونت جمعية تأسيسية قررت: مبايعة محمد إدريس السنوسي ملكا لليبيا + الشروع في تكوين حكومة وطنية تؤمن بالوحدة والسيادة والديمقراطية والقومية .وفي 24دجنبر1951 أعلن الملك محمد إدريس السنوسي استقلال ليبيا.
خاتمة عامة
ساهمت عوامل مختلفة في بروز الحركة الوطنية السياسية والمسلحة بالجزائر، و تونس، وليبيا، والمغرب، وقد استفادت من ظروف دولية لتعلن مطالبتها بالاستقلال بعد الحرب العالمية الثانية ومنها:
• تأكيد الميثاق الأطلسي الموقع بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا في 14غشت1941 على حق الشعوب في السيادة الوطنية تصفية الاستعمار.
• تواصل أعضاء الحركة الوطنية مع الحلفاء بعد نزول قواتها بشمال إفريقيا لمطاردة النازية والفاشية ابتداء من سنة 1943 .
• وعد الولايات المتحدة الأمريكية وانجلترا المغرب في مؤتمر أنفا سنة 1943 بالمساعدة على تحقيق الاستقلال.
• تأكيد جامعة الدول العربية منذ تأسيسها في مارس 1945 على مساعدة الحركات الوطنية العربية على الاستقلال.
• تأكيد ميثاق هيئة الأمم المتحدة التي تأسست في يونيو 1945 على الحرية والاستقلال.
• التنسيق بين قادة الحركة الوطنية المغاربية وخاصة في إطار لجنة تحرير المغرب العربي التي تأسست بمصر سنة 1946.
• دعم حركة عدم الانحياز منذ تأسيسها سنة 1955 لحق الشعوب في الحرية والاستقلال وتصفية الاستعمار
1) العوامل التي ساهمت في ظهور الحركة الوطنية الجزائرية.
منذ احتلالها للجزائر سنة 1830، اتبعت فرنسا سياسة الاحتواء والإدماج )سياسة الإدماج: سياسة استعمارية طبقتها فرنسا بالجزائر بتشجيع السكان على التخلي عن العادات والتقاليد واللغة والدين العربي الإسلامي....وتعلم اللغة الفرنسية والارتماء في الحضارة الفرنسية بشكل عام وكان الهدف هو جعل الجزائر مستعمرة فرنسية ( والقمع والاستغلال للجزائريين ، ففي الميدان السياسي أقصت المواطنين من التصويت والترشح للانتخابات البلدية + منعت تكوين الأحزاب + منعت إصدار الصحف باللغة العربية. وفي الميدان الاقتصادي: استنزفت الثروات المعدنية والطاقية والفلاحية+ أنهكت المواطنين بالضرائب المكلفة. وفي الميدان الاجتماعي صادرت حقوق العمال ) حق الإضراب والتامين والتقاعد والأجرة المحترمة (وأرغمتهم على العمل بأجور ضعيفة ولساعات طويلة.
لقد نتج عن مظاهر هذه السياسة نمو الوعي الوطني والقومي الجزائري قصد التصدي للاستعمار الفرنسي.
2) تنظيمات الحركة الوطنية الجزائرية وبرامجها.
طالبت التنظيمات السياسية والدينية السلمية الجزائرية من فرنسا انجاز إصلاحات داخلية لتلبية حاجيات المواطنين وذلك قبل الحرب العالمية الثانية ، وبعد رفضها لذلك، اعتمدت الحركة الوطنية الجزائرية الكفاح المسلح لتحقيق الاستقلال المعلن عنه في بيان الشعب الجزائري سنة 1943. ومن أهم تنظيمات الحركة الوطنية الجزائرية:
• جمعية نجم شمال افريقيا: جمعية أسسها الطلبة المسلمين لشمال إفريقيا)الجزائر وتونس والمغرب (بباريس سنة 1926 بزعامة مصالي الحاج، طالبت من فرنسا في البداية تحقيق المساواة والعدالة بين الجزائريين والفرنسيين ثم طالبت لاحقا بخروج فرنسا من بلدانهم لذلك قامت فرنسا بمنع الجمعية سنة 1936.
•جمعية علماء المسلمين: أسسها عبد الحميد بن باديس سنة 1931 طالبت المسلمين الجزائريين بتطهير الدين الإسلامي من الخرافات، وإحياء اللغة العربية والثقافة والحضارة العربية الإسلامية ، وذلك للرد على سياسة الإدماج التي شنتها فرنسا بالبلاد الجزائرية )منح الجنسية الفرنسية + فرض تعلم اللغة والثقافة الفرنسية....)
• حزب الشعب : أسسه مصالي الحاج وفرحات عباس سنة 1937، وتمكن الحزب من توحيد التيارات الوطنية للحيلولة دون نجاح سياسة الإدماج، وفي سنة 1946 انقسم الحزب الشعبي إلى حركة الانتصار للحريات الديمقراطية بزعامة مصالي الحاج، والاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري بقيادة فرحات عباس.
• جبهة التحرير الوطني : وهي حركة سياسية تشكلت في 1نونبر 1954من طرف احمد بن بلة والحسين بايت احمد...دعت إلى المفاوضات مع فرنسا ، لكن رفض هذه الأخيرة لمطالب الجبهة دفعها إلى توحيد الجزائريين في خوض الحرب التحريرية ضد فرنسا من1954 الى1962 حيث أرغمت على فتح مفاوضات ايفيان Evian التي انتهت باستقلال الجزائر.
3) الوسائل التي اعتمدتها الحركة الوطنية الجزائرية .
اعتمدت التنظيمات الحزبية الجزائرية إلى غاية الحرب العالمية الثانية الوسائل السلمية كالجرائد – جريدة الشهاب- واللقاءات والتجمعات والإضرابات ومقاطعة السلع الفرنسية ، وذلك لتوعية المواطنين بمخاطر الاستعمار وسياسة الإدماج الفرنسية، وبعد الحرب العالمية الثانية ، وخاصة خلال الفترة الممتدة بين 1954-1962 ، اعتمدت المقاومة المسلحة بقيادة جبهة التحرير الوطني، حيث أرغمت فرنسا على إجراء مفاوضات ايفيان التي نتج عنها إجراء استفتاء الاستقلال سنة 1962.
4) التطورات التي أدت إلى استقلال الجزائر بعد الحرب العالمية الثانية.
بعد رفض فرنسا للمطالب الإصلاحية التي تقدمت بها الحركة الوطنية السلمية الجزائرية، وبعد إعلان بيان الشعب الجزائري سنة 1943 والمؤكد على ضرورة تصفية الاستعمار الفرنسي، انطلقت المقاومة المسلحة بقيادة جبهة التحرير الوطني التي تشكلت في 01 نونبر1954، وحددت أهدافها في: السعي إلى تحقيق دولة جزائرية حرة وكاملة السيادة، متشبعة بالديمقراطية والمبادئ الإسلامية + إجراء المحادثات مع فرنسا بشرط اعترافها باللغة والعقيدة والقومية والسيادة الجزائرية، وبعد رفض فرنسا لشروط الجبهة، دخلت ضدها في حرب تحريرية ما بين 1954-1962 سقط فيها حوالي مليون ونصف شهيد جزائري وألحقت خسائر بشرية ومادية بفرنسا، مما جعل الرئيس شارل دوكول يعرض سنة 1959 " حلولا سياسية" تراوحت بين الحكم الذاتي والضم التام للجزائر، ومع احتدام المقاومة الوطنية الجزائرية اضطرت فرنسا إلى توقيع اتفاقيات ايفيان يوم 18 مارس1962 مع جبهة التحرير الوطني، ونصت على استقلال الجزائر عبر إجراء استفتاء، وقد نظم فعلا يوم 01 يوليوز1962 وصوت الجزائريون بنسبة 99.72% لصالح الاستقلال.
II. ظروف نشأة الحركة الوطنية التونسية ومختلف الجهود التي بذلتها لتحقيق الاستقلال.
1) العوامل التي ساهمت في ظهور الحركة الوطنية التونسية.
وقعت تونس تحت الحماية الاستعمارية الفرنسية بموجب معاهدة باردو في 12ماي 1881، وقد أدت السياسة الاستغلالية والقمعية للمواطنين التونسيين في البوادي والمدن، وكذلك الاحتلال الايطالي لليبيا إلى نمو الوعي الوطني والقومي لدى التونسيين، حيث انطلقوا في إضرابات ومواجهات مع القوات الفرنسية .
2) تنظيمات الحركة الوطنية التونسية وبرامجها.
تشكلت تنظيمات سياسية ونقابية تونسية طالبت فرنسا بانجاز إصلاحات داخلية لتلبية حاجيات المواطنين وذلك قبل الحرب العالمية الثانية . وبعدها اعتمدت الكفاح المسلح لتحقيق مطلب الاستقلال الذي تم الإعلان عنه في الميثاق التونسي في سنة 1946 .ومن أهم تنظيمات الحركة الوطنية التونسية:
•الحزب الليبرالي الدستوري: أسسه عبد العزيز الثعالبي سنة 1920، طالب بصياغة دستور يضمن الحقوق للتونسيين وان تعمل فرنسا على احترامه.
•الحزب الدستوري الجديد: أسسه الحبيب بورقيبة سنة 1934 بعد انشقاقه عن الحزب الليبرالي الدستوري، وطالب ببرلمان وحكومة تونسية +الفصل بين السلط التشريعية والتنفيذية والقضائية + طالب بالحريات العامة والمساواة والعدالة. وبعد الحرب العالمية الثانية صار الحزب يطالب باستقلال تونس ولو على مراحل تبدأ بالحكم الذاتي.
•الجامعة العامة للعمال التونسيين: تنظيم نقابي تأسس سنة 1922، وكان يطالب فرنسا بتحسين الأوضاع المادية والمعنوية للعمال التونسيين، ويعتبر فرحات حشاد أهم الرموز النقابية التي قامت بتوعية الفئات العمالية بمخاطر الاستعمار وسبل مقاومته،لذلك السبب قامت فرنسا باغتياله سنة 1952، مما ساهم في تصاعد المقاومة الوطنية بتونس والجزائر و ليبيا والمغرب.
3) الوسائل التي اعتمدتها الحركة الوطنية التونسية.
كباقي البلدان المغاربية في الجزائر والمغرب،اعتمدت الحركة الوطنية التونسية وسائل سلمية كالجرائد-نموذج صوت تونس- والمناشير والإضرابات والمظاهرات...لتوعية المواطنين بمخاطر سياسة التجنيس وسياسة الاستغلال التي تنهجها فرنسا وذلك قبل الحرب العالمية الثانية، وبعدها اعتمدت الحركة الوطنية الكفاح المسلح بقيادة جيش التحرير التونسي.
4) التطورات التي أدت إلى استقلال تونس.
بعد تصاعد هجمات المقاومة المسلحة التونسية ،عرض رئيس الحكومة الفرنسية بيير منديس فرانس Mandes Franceعلى الملك التونسي محمد الأمين باي يوم 31 يوليوز 1954 الحكم الذاتي، وهو نظام سياسي يسير فيه التونسيون شؤونهم الداخلية بأنفسهم، وتحتفظ فرنسا بالأمور الأمنية والعلاقات الخارجية ،لكن تونس رفضته واعتبرته انتقاصا من سيادتها،وألحت على منحها الاستقلال التام، وأجريت مفاوضات باريس في 27 فبراير 1956، نتج عنها اعتراف فرنسا باستقلال تونس في 20 مارس 1956.
III. ظروف نشأة الحركة الوطنية الليبية ومختلف الجهود التي قامت بها لتحقيق الاستقلال.
1) العوامل التي ساهمت في ظهور الحركة الوطنية الليبية
زحفت الجيوش الايطالية على ليبيا بعد توقيع الدولة العثمانية على معاهدة أوشي بمدينة لوزان السويسرية في 18 نونبر1911 ، وأجبرت السلطات الايطالية المواطنين الليبيين على بيع أراضيهم، وصادرت أراضي المقاومين، وأمعنت في استنزاف الثروة المحلية، وساهمت هذه الظروف في بروز المقاومة المسلحة الليبية بقيادة الحركة السنوسية وعمر المختار وذلك قبل الحرب العالمية الثانية، وبعدها انطلقت المقاومة السياسية الليبية انطلاقا من القاهرة بمصر بزعامة المجلس الوطني لتحرير ليبيا،حيث طالب بالاستقلال.
2) تنظيمات الحركة الوطنية الليبية وبرامجها.
بخلاف تجارب الحركة الوطنية في تونس والجزائر والمغرب التي طالبت بالإصلاحات قبل فترة الحرب العالمية الثانية وبعدها بالاستقلال، فان الحركة الوطنية الليبية اعتمدت المقاومة المسلحة المطالبة بالاستقلال إلى غاية الحرب العالمية الثانية،وبعدها انطلقت المقاومة السياسية الليبية من الأراضي المصرية )وليس داخل بلد ليبيا( مستمرة في المطالبة بالاستقلال.
3) وسائل الحركة الوطنية الليبية.
اعتمدت الحركة الوطنية الليبية الكفاح المسلح بقيادة الحركة السنوسية (بزعامة محمد إدريس السنوسي الذي بويع أميرا على ليبيا سنة (1920 إلى غاية سنة 1922، وهي الفترة التي وصل فيها موسوليني ونظامه الفاشي إلى السلطة بايطاليا، فقرر احتلال مجموع التراب الليبي معتمدا عنفا عسكريا ساحقا، اضطر معه السنوسيون إلى اللجوء إلى القاهرة، وفي نفس الوقت تجند الليبيون للدفاع عن أراضيهم بقيادة عمر المختار الذي واجه الايطاليين من سنة 1923 إلى أن أسره الجيش الايطالي وأعدموه شنقا سنة 1931. ففسح المجال أمام موسوليني ليتابع سياسته الاستيطانية والاستغلالية إلى فترة انهزامه في الحرب العالمية الثانية.
4) التطورات التي أدت إلى استقلال ليبيا.
بعد انهزامها في الحرب العالمية الثانية، اتفقت ايطاليا مع فرنسا وانجلترا على عرض مشروع تقسيم ليبيا فيما بينهم )بحيث تحتل انجلترا منطقة برقة في الشمال الشرقي، وايطاليا منطقة طرابلس في الشمال الغربي وفرنسا تستولي على واحات منطقة فزان بالجنوب الغربي(على الأمم المتحدة، وقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار 289 في 21نونبر 1949 يقضي برفض مشروع التقسيم + دعوة ليبيا إلى التسرع لتشكيل دولة مستقلة وموحدة على مجموع ترابها من برقة إلى فزان وإلى طرابلس + حق جميع الشعب الليبي في صياغة دستور للبلاد وفي تشكيل حكومة وطنية. بعد هذا القرار اجتمعت وفود ممثلة لجميع مناطق ليبيا وكونت جمعية تأسيسية قررت: مبايعة محمد إدريس السنوسي ملكا لليبيا + الشروع في تكوين حكومة وطنية تؤمن بالوحدة والسيادة والديمقراطية والقومية .وفي 24دجنبر1951 أعلن الملك محمد إدريس السنوسي استقلال ليبيا.
خاتمة عامة
ساهمت عوامل مختلفة في بروز الحركة الوطنية السياسية والمسلحة بالجزائر، و تونس، وليبيا، والمغرب، وقد استفادت من ظروف دولية لتعلن مطالبتها بالاستقلال بعد الحرب العالمية الثانية ومنها:
• تأكيد الميثاق الأطلسي الموقع بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا في 14غشت1941 على حق الشعوب في السيادة الوطنية تصفية الاستعمار.
• تواصل أعضاء الحركة الوطنية مع الحلفاء بعد نزول قواتها بشمال إفريقيا لمطاردة النازية والفاشية ابتداء من سنة 1943 .
• وعد الولايات المتحدة الأمريكية وانجلترا المغرب في مؤتمر أنفا سنة 1943 بالمساعدة على تحقيق الاستقلال.
• تأكيد جامعة الدول العربية منذ تأسيسها في مارس 1945 على مساعدة الحركات الوطنية العربية على الاستقلال.
• تأكيد ميثاق هيئة الأمم المتحدة التي تأسست في يونيو 1945 على الحرية والاستقلال.
• التنسيق بين قادة الحركة الوطنية المغاربية وخاصة في إطار لجنة تحرير المغرب العربي التي تأسست بمصر سنة 1946.
• دعم حركة عدم الانحياز منذ تأسيسها سنة 1955 لحق الشعوب في الحرية والاستقلال وتصفية الاستعمار