تقديم: نتج عن سقوط الامبراطورية العثمانية، اقتسام منطقة المشرق العربي بين القوى الاستعمارية الفرنسية والانجليزية وفق اتفاقية سايكس- بيكو لسنة 1916، وبذلك فرضت انجلترا انتدابها على العراق ، وفرضت فرنسا انتدابها على سوريا ولبنان، وقد اعتمدتا سياسة استعمارية واستغلالية، ساهمت في ظهور المقاومة السياسية و المسلحة الوطنية، أرغمت القوى الاستعمارية على مغادرة بلدان المشرق العربي وتمكنت شعوب المنطقة من العيش في ظل الحرية والسيادة والاستقلال.
I. الاطار العام للحركات الاستقلالية بالمشرق العربي.
1) ظروف ظهور الحركات الاستقلالية بالعراق.
بعد فرضها لانتدابها، وحرصا منها على استعمار واستغلال العراق ، قامت السلطات الانجليزية بالعراق بتنظيم استفتاء شعبي بالعراق قصد تنصيب فيصل بن الشريف حسين ملكا على العراق، وقد تدخلت في نتائجه وجاءت نسبة التصويت بنعم 96%، وبعد هذا، شرعت السلطات البريطانية في احتكار تسيير وإدارة الشأن العراقي ممعنة في إقصاء السكان المحليين، ذلك ما أدى إلى ظهور تنظيمات حزبية وقبلية معارضة تدعوا إلى مقاومة المستعمر الانجليزي قصد انتزاع السيادة والاستقلال.
2) ظروف ظهور الحركات الاستقلالية بسوريا.
بعد فرضها الانتداب على سوريا ابتداء من سنة 1920، عينت فرنسا مفوضا ساميا لإدارة الشؤون الداخلية بسوريا، وقد تمتع بصلاحيات واسعة في المجالات السياسية والتشريعية والقضائية والتنفيذية والعسكرية،وشرع بمعية حكومة سورية شكلية في خدمة مصالح فرنسا، بنهب خيرات سوريا مهمشا الشعب العربي السوري،ذلك ما أدى إلى بروز الوعي القومي التحرري لدى السوريين بحيث انتظموا في أحزاب وجمعيات سياسية ودينية أكدت على المقاومة قصد انتزاع الحرية والاستقلال.
II. مظاهر الحركات الاستقلالية بالمشرق العربي.
1) مظاهرالحركات الاستقلالية العراقية.
ظهرت مجموعة من الأحزاب السياسية العراقية المعارضة للاحتلال البريطاني،كالحزب الوطني ببغداد، وحزب النهضة بالكاظمية، وحزبا الإخاء والأهالي، إضافة إلى جمعيات كجمعية الإصلاح الشعبي، وقد لعبت الشخصيات العراقية المنحدرة من شيوخ القبائل والعشائر والجيش والمؤسسات الدينية دورا بارزا في تنمية الوعي التحرري لدى العراقيين،ومن أهمها نوري السعيد الذي كان رئيسا للوزراء عدة مرات خلال فترتي الانتداب والاستقلال،كما قام بدور أساسي في المفاوضات الانجليزية العراقية التي توجت بالاستقلال، تم اغتياله سنة 1958 خلال الثورة التي قادها عبد الكريم القاسم.
2) مظاهر الحركات الاستقلالية بسوريا ولبنان.
بعد اعلان فرنسا انتدابها على سوريا، عقد القوميون العرب في مارس 1920بدمشق المؤتمر السوري العام وكان من ابرز مقرراته: الإعلان عن الاستقلال التام الناجز للبلاد السورية ثم إقامة حكومة مدنية وإعلان فيصل بن الحسين ملكا دستوريا على البلاد السورية ،فضلا عن رفض المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم ورفض مطالب الصهيونية بجعل فلسطين وطنا قوميا للإسرائيليين. وخلال نفس الفترة تكونت مجموعة من الأحزاب السياسية، كحزب الشعب بدمشق بزعامة عبد الرحمان الشهبندر، هدف إلى تحقيق الاستقلال الشامل + جماعة مستقبل الإسلام ببلدة قونية هدفت إلى صيانة الدين الإسلامي من الخرافات والانحرافات.
وفي لبنان تأسست جماعة الاتحاديين بزعامة إميل اداه، هدف إلى استقلال لبنان ، ثم جماعة الدستوريين بقيادة بشارة الخوري عمل على تحقيق استقلال بلاده، وتوثيق العلاقات مع البلدان العربية .
وقد قامت بعض الشخصيات السورية بدور مهم لنصرة القضية السورية على الصعيد الخارجي، منها شكيب ارسلان و إحسان الجابري، اللذان استطاعا ابلاغ عصبة الامم بالسياسة الاستغلالية والعدوانية التي كانت تشنها فرنسا ضد مواطني بلدهم. وتجدر الاشارة الى ان شكيب ارسلان ولد سنة 1869، وكان سفيرا لبلاده إإلى عصبة الامم، سافر إلى عدة بلدان للدفاع عن القضايا العربية والإسلامية، التقى بأهم زعماء العرب والمسلمين كسعد زغلول ومحمد عبده وجمال الدين الافغاني، من أهم مؤلفاته لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم، توفي الرجل سنة 1946.
III. اهم التطورات التي افضت الى الاستقلال بالمشرق العربي.
1) ظروف حصول العراق على الاستقلال.
• بعد فرض انجلترا انتدابها على العراق سنة 1920، اندلعت ضدها ثورة شعبية عراقية سنة 1920، تكبدت فيهاخسائر بشرية وعسكرية ومالية فادحة، ارغمتها على تغيير سياستها بالعراق،حيث عوضت نظام الانتداب بمعاهدة ثنائية مع العراق سنة 1922، وفي سنة 1924 تم اصدار الدستور العراقي ،
• في 30 يونيو 1930 وقعت معاهدة انجليزية عراقية حول الاستقلال، وقد نصت في مجال السياسة الخارجية على تعهد انجلترا بدعم انضمام العراق إلى عصبة الأمم المتحدة + التزام الطرفين بالتشاور حول السياسة الخارجية. وفي المجال العسكري، تعهد العراق بتقديم جميع التسهيلات لبريطانيا لاستعمال أراضيه - مطارات، موانئ...، والسماح لها بإبقاء جزء من قواتها العسكرية فوق أراضيه، وان يعتمد كليا على انجلترا في ميدان التكوين والتدريب والتسليح العسكري، كما التزمت انجلترا بالدفاع عن العراق في حالة تعرضه لاعتداءات خارجية، وفي المجال الدبلوماسي، التزمت انجلترا بتعويض المندوب السامي بسفير مع تمتعه بامتيازات كبيرة مقارنة مع باقي سفراء الدول بالعراق.
• في 3اكتوبر1932 اقر مجلس عصبة الامم قبول العراق عضوا في العصبة بدعم من انجلترا، بعد ان فرضت على العراق عدة التزامات منها: حماية الاقليات وحقوق الاجانب ثم الاعتراف بالديون والمعاهدات التي عقدتها الدول المنتدبة-وخاصة انجلترا-
• في سنة 1933 أقر مجلس العصبة عضوية العراق بشكل كامل. وأصبح العراق يتمتع بالاستقلال المشروط وتحت الوصاية الانجليزية. وتوالت انقلابات عسكرية في سنة 1936 بقيادة بكر صدقي، وفي سنة 1941 بقيادة علي الكيلاني، إلى أن حصلت العراق على استقلالها التام في يوليوز 1958.
2) ظروف حصول سوريا على الاستقلال.
• بعد فرضها لانتداب على سوريا وتطبيقها للسياسة الاستغلالية تحت ادراة مفوضها السامي، تعرضت فرنسا لمقاومة شعبية سورية مبكرة في معركة ميسلون سنة 1920.
• في سنة 1925 قاد سلطان الأطرش ثورة وطنية ضد الفرنسيين، الذين اعتمدوا سياسة عدوانية استغلالية ضد زعماء الدروز والسكان المحليين، وانتهت الثورة بهزيمة ساحقة للقوات الفرنسية ، والتزمت فرنسا بتغيير سياستها بتعويض نظام الانتداب بمعاهدة ثنائية فرنسية- سورية.
• في9 شتنبر 1936: أرسلت سوريا وفدها بقيادة هاشم الاتاسي لإجراء المفاوضات وانتهت بتوقيع المعاهدة السورية الفرنسية مدتها 25 سنة، نصت على الاعتراف باستقلال سوريا، ودعم سوريا لعضوية عصبة الامم، التأكيد على التحالف بين الدولتين، والإبقاء على قاعدتين عسكريتين جويتين، وتقديم فرنسا الدعم اللازم لسوريا في حالة تعرضها لعدوان خارجي. وبقيت سوريا منقوصة السيادة والاستقلال إلى غاية ابريل 1946 حيث رحلت القوات الانجليزية والفرنسية من أراضيها وصارت دولة كاملة السيادة والاستقلال.
• في 13 نونبر1936 وقع المندوب الفرنسي الكونت دي مارتيل و زعيم جماعة الاتحاديين اللبنانيين إميل اده المعاهدة الفرنسية اللبنانية في بيروت نصت على نفس بنود المعاهدة الفرنسية السورية، حيث اعترفت فرنسا باستقلال لبنان، والتزمت بدعم عضويته في عصبة الامم، والتأكيد على التحالف بين الدولتين، وإبقاء بعض القوات الفرنسية فوق التراب اللبناني، وبقيت لبنان منقوصة السيادة والاستقلال إلى غاية نونبر 1946 حيث نالت سيادتها وحريتها واستقلالها الكامل.
خاتمة : استطاعت التضحيات التي بذلتها الحركات الوطنية السياسية والعسكرية ببلدان المشرق العربي من طرد المستعمر الانجليزي والفرنسي، ونالت شعوب المنطقة حريتها واستقلالها التام.